الليالي
مكانيَ الهادئ البعيد كن لي مجيراً من الأنامْ
قد أمَّكَ الهاربُ الطريدْ فآوهِ أنتَ والظلامْ
***
يا حسنها ساعة انفصال لا ضنك فيها ولا نكد
يا حقبةَ الوهم والخيالْ هلاَّ تمهلتِ للأبدْ؟!
***
يا أيها العالم الأخير ماذا ترى فيك من نصيب؟
أراحةٌ فيك للضمير أم موعدٌ فيك من حبيبْ؟
***
كم يَعذُب الموت لو نراه أو كان فيك اللقاء يرجى
ينفضُ عن عينه كراهُ ويقبل الراقدُ المسجَّى!
***
لكن شكّاً بما تجن خيّم فوق العقول جمعا
عجبتُ للمرءِ كم يئنّ ويستطيبُ الحياةَ مَرعَى
***
قد صار حبُّ الحياة منا يقنع بالجيفة السباعْ
وعلم السمحَ أن يضنَّا وثبَّت الجبنَ في الطباعْ!
***
طال بنا الصمتُ والجمودْ لا البدر يوحي ولا الغديرْ
يا عالم الضيم والقيود برّحت بالطائر الأسيرْ!
***
هربتُ من عالمٍ أضرَّا وجئتُ يا كعبتي أزور
هاتي خيالاً إذن وشعراً أسكبه في فم الدهورْ
***
هربتُ من عالم الشقاء وجئت عليّ لديكِ أحيا!
أشرب من روعة السماء شعراً وأسقي الفؤاد وحيا!
***
ملكَ في هاته العوالمْ مهزلةَ الموت والحياةْ
وصورة القيد في المعاصم ووصمة الذلّ في الجباه
***
هياكلٌ تعبرُ السنين واحدةُ العيش والنظامْ
واحدة السخط والأنين واحدة الحقد والخصامْ!
***
وواحد ذلك الطلاء يسترُ خزياً من الطباعْ
أفنى البلى أوجه الرياء ولم يذُبْ ذلك القناع!
***
بعينها كذبةُ الدموعْ بعينها ضحكةُ الخداعْ
ومُنحنى هاته الضلوع على صواد بها جياع!
***
كأن صدر الظلام ضاقْ من كَثرة البثّ كل حينْ!
يا ويحه كيف قد أطاقْ شكوى البرايا على السنينْ؟!
***
كأنما ينفث الشهب تخفيف كربٍ يئنّ منه
كالقلب إن ضاق واكتأبْ تخفف الذكريات عنهُ
***
كم زفرة في الضلوع قرّتْ يحوطها هيكلٌ مريض
مبيدة حيثما استقرت فان نبُحْ سمِّيت قريض!
***
كم في الدجى آهةٌ تطول تسرى إلى أذنه وشعرْ!
لو يفهم النجمُ ما نقول! أو يفهم الليلُ ما نُسرْ!
***
ما بالها أعين الفلك منتثرات على الفضاءْ
تطل من قاتمِ الحلك بغيرك فهمٍ ولا ذكاءْ!
***
ألا وفيّ ألا معين في مدلهم بلا صباح؟!
وكلّما جَدَّ لي أنينْ تسخر بي أنَّةُ الرياحْ!
***
هبنا شكونا بلا انقطاع ما حظ شاكٍ بلا سميع
وحظ شعرٍ إذا أطاعْ يا ليته عاش لا يطيع
***
يضيع في لجة الزمن مبدداً في الورى صداه
ولن ترى في الوجودِ مَنْ يدري عذاب الذي تلاهْ!
***
يا أيها النهر بي حسدْ لكل جارٍ عليك رفّ
أكلّ راجٍ كما يود يروي ظماه ويرتشف
***
ومن حبيب إلى حبيب ترنو حناناً وتبتسمْ
وكل غادٍ له نصيب من مائك البارد الشبمْ
***
يا نهرُ روّيتَ كل ظامي فراح ريّان إن يذُقْ
فكن رحيماً على أوامي فلي فمٌ بات يحترق
***
يا نهر لي جذوة بجنبي هادئة الجمرِ بالنهارْ
فإن دنا الليل برّحت بي وساكن الليل كم أثار
***
وقفت حرّان في إِزائكْ فهل ترى منك مسعدُ؟
وددت ألقي بها لمائك لعلها فيك تبرد
***
عالج لظاها فإن سكنْ فرحمةٌ منك لا تحدْ
وإن عصت نارها فكن قبراً لها آخر الأبد!
***
تريني الهاجر الشتيت وقربه ليس لي ببالْ
وكلما خلتني نسيت مر أمامي له خيال
***
تمر ذكرى وراء ذكرى وكل ذكرى لها دموعْ
وتعبر المشجيات تترى من ماضٍ بلا رجوع
***
ماضٍ وكم فيه من عثارْ ومن عذابٍ قد انقضى
كم قلت لا يرفع الستار ولا ادكارٌ لما مضى!
***
يا من أرى الآن نصب عيني خياَله عطَّر النسمْ
بالله ما تبتغيه مني ولم تدع لي سوى الألم
***
في ذمة الله ما أضعتمْ من مهجٍ أصبحت هباءْ
لم نجزكم بالذي صنعتم إنَّا غفرنا لمن أساءْ
***
لا تحسبو البرء قد ألَمّ فلم يزل جرحنا جديدا
يخدعنا أنّه التأمْ ولم يزل يخبأ الصديدا!
***
يا أيها الليل جئت أبكي وجئت أسلو وجئت أنسى
طال عذابي! وطال شكي ومات قلبي، وما تأسَّى!