الحــياة
جلستُ يوماً حين حلَّ المساءْ وقد مضى يومي بلا مؤنسِ
أريح أقداماً وهتْ من عياءْ وأرقب العالَم من مجلسي!
***
أرقبه! يا كَدّ هذا الرقيب في طيب الكون وفي باطلهْ
وما يبالي ذا الخضم العجيبْ بناظر يرقب في ساحلهْ
***
سيان ما أجهل أو أعلم من غامض الليل ولغز النهارْ
سيستمر المسرح الأعظم روايةً طالت وأين الستار
***
عييتُ بالدنيا وأسرارها وما احتيالي في صموت الرمالْ!
أنشد في رائع أنوارها رشداً فما أغنم إلا الضلالْ !
***
أغمضت عيني دونها خائفاً مبتغياً لي رحمة في الظلامْ
فصاح بي صائحها هاتفاً كأنما يوقظني من منامْ:
***
أنت امرؤٌ ترزح تحت الضنى لم يبق منك الدهر إلا عنادْ!
وكل ما تبصره من سنا يهزأ بالجذوة خلف الرمادْ!
***
وكل ما تبصره من قوى تدوي دويّ الريح عند الهبوبْ
يسخر من مبتئس قد ثوى يرنو إلى الدنيا بعين الغروبْ!
***
انظر إلى شتى معاني الجمالْ منبثة في الأرض أو في السماءْ
ألا ترى في كل هذا الجلال غير نذيرٍ طالعٍ بالفناءْ!
***
كم غادة بين الصبا والشبابْ تأنقّ الصانع في صنعها
تخطر والأنظار تحدو الركاب ولفظة الاعجاب في سمعها!
***
وربما سار إلى جنبها مدّله ليس يبالي الرقيبْ
يمشي شديد العجب في قربها إذا راح يوليها ذراع الحبيبْ!
***
وانظر إلى سيارة كالأجل تخطف خطفاً لا تُبالي الزحامْ
هذا الردى الجاري اختراع الرجلْ هل بعد صنع الموت شيءٌ يُرامْ!
***
وانظر إلى هذا القويّ الجسدْ الباتر العزم الشديد الكفاحْ!
قد أقبل الليل فحيّ الجلد في رجل يدأب منذ الصباحْ
***
أجبت: يا دنياي من تخدعين؟ إني امرؤٌ ضاق بهذا الخداعْ
مزّقتِ عن عيشي . هنيّ السنين لأنني مزقتُ عنكِ القناعْ !
***
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا يا ويحه حين تغير الغضونْ
ويعبثُ الدهر بحلو الجنى وتستر الصبغة إثم السنينْ!
***
وهذه السيارة العاتيهْ وربما الجبار كالبرق سارْ
ما هي إلا شُعَلٌ فانيهْ نصيبها مثل شعاع النهارْ!
***
وارحمتاه للقويِّ الصبورْ يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ
وكيف لا أبكي لكدح الفقيرْ أقصى مناه أن ينال الرغيفْ!
***
كم صحتُ إذا أبصرت هذا الجهادْ وميسم الذلة فوق الجباهْ
يا حسرتا ماذا يلاقي العبادْ أكُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟!
***
وفي سبيل الزاد والمأكل نملأ صدر الأرض إعوالا
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل وكم يرانا الله أطفالا!
***
يا ربِّ غفرانك إنا صِغارْ ندبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ والشيبُ تأديبٌ لنا والقبورْ!