بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
فهذه نبذه مختصرة عن الجاهليات الأربع فى القرآن
النوع الأول (ظن الجاهلية)
قال تعالى" ثم أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖوَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴿154﴾{آل عمران
يقول بن كثير فى تفسير قول الله عز وجل .ثم أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله ، ولهذا قال : (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف ( يظنون بالله غيرالحق ظن الجاهلية) كما قال في الآية الأخرى : (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [ وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوءوكنتم قوما بورا ] )
[ الفتح : 12 ] وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لماظهروا تلك الساعة
أنها الفيصلة وأن الإسلام قد باد وأهله ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل
أمر من الأمورالفظيعة ، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة.انتهى
وقال النبي صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.
و قال القاضي أبي يعلى: إن الظن منه محظور وهو سوء الظن بالله ، والواجب حسن الظن بالله عز وجل ، وكذلك سوءالظن بالمسلم الذي ظاهره العدالةمحظور ، وظن مأمور به كشهادة العدل ، وتحري القبلة ، وتقويم المتلفات ، وأرش الجنايات ، والظن المباح كمن شك فيصلاته إن شاء عمل بظنه وإن شاء باليقين
وقال ابن هبيرةالوزير الحنبلي : لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع في حال .
وقال ابن عباس: الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل
قال المتنبى
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
نقلا من كتاب الاداب الشرعية لمحمد بن مفلح المقدسى
النوع الثانى (حكم الجاهلية)
قال تعالى "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿50﴾
قال بن كثير فى تفسيره
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ أي : يبتغون ويريدون ، وعن حكم الله يعدلون وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي
: ومن أعدل من الله في حكمه لمنعقل عن الله شرعه ، وآمن به وأيقن وعلم أنه
تعالى أحكم الحاكمين ،وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ،فإنه تعالى هو
العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، العادل في كل شيء .
وقالالحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاببن نجدة الخوطي حدثناأبواليمان الحكم بن نافعأخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الناس إلى الله عز وجل مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ، وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه " . وروىالبخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه
النوع الثالث (تبرج الجاهلية)
قال تعالى "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾
ولا تبرجن قال مجاهدوقتادة: التبرج هو التكسر والتغنج ، وقال ابن أبي نجيح: هو التبختر . وقيل : هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال
الجاهلية الأولى هى
مخالفة من قبلهن من المشية على تغنيج وتكسير وإظهارالمحاسن للرجال ، إلى
غير ذلك مما لا يجوز شرعا . وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها فيلزمن البيوت
،فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على تبذل وتستر تام . والله الموفق .
النوع الرابع (حمية الجاهلية)
قال تعالى "إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴿26﴾
الحمية فعيلة وهي الأنفة . يقال : حميت عن كذا حمية ( بالتشديد ) ومحمية إذا أنفت منه وداخلك عار وأنفة أنتفعله
وفى هذه الآية ذم للكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل ، ومدح المؤمنين بما أنزل عليهم من السكينة .
وروي أن رجلا قال : " يا رسول الله ، مرني بعمل وأقلل " ، قال : " لا تغضب " ، ثم أعاد عليه ، فقال : " لا تغضب " . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما تعدون الصرعة فيكم ؟ " قلنا " الذي لا تصرعه الرجال " ، قال : " ليس ذلك ، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب " .
درجات الناس مع الغضب:
اعلم أن قوة الغضب محلها القلب ، ثم إن الناس في هذه القوة على درجات ثلاث من التفريط والإفراط والاعتدال :
أما الإفراط : فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسةالعقل والدين وطاعته ، ولا يبقى للمرء معه بصيرة وفكرة ولا اختيار
أما التفريط : ففقد هذه القوة أو ضعفها ، وذلك مذموم ، وهو الذي يقال فيه : " إنه لا حمية له "
وأماثمرة الحمية الضعيفة : فقلة الأنفة مما
يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة ، واحتمالالذل من الأخساء ، وصغر النفس
، وهوأيضا مذموم ، إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرم وهو صونها ، قال -
صلىالله عليه وسلم- : " إن سعدا لغيور ، وأنا أغير من سعد، والله أغير مني" .
ومن ضعف الغضب : الخوروالسكوت عند مشاهدة المنكرات ، وقد قال تعالى ولا تأخذكم بهمارأفة في دين الله النور
ففقد الغضب مذموم ، وإنما المحمود غضب ينتظر
إشارة العقل والدين ،فينبعث حيث تجب الحمية ، وينطفئ حيث يحسن الحلم ،
وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلفالله بها عباده ، وهو الوسط
الذي وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : خير الأمور أوساطها
ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته ،
واستحالة خلقته ، وقبح باطنهأعظم من قبح ظاهره ، فإن الظاهرعنوان الباطن ،
وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا ، فتغير
الظاهر ثمرةتغير الباطن ، فقس المثمر بالثمرة . فهذاأثره في الجسد.
وأماأثره في اللسان:
فانطلاقه بالشتم ، والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ، ويستحي منه
قائله عند فتور الغضب ،وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ .
وأماأثره على الأعضاء:
فالضرب ، والتهجم ، والتمزيق ،والقتل والجرح عند التمكن ، وقد يمزق ثوب
نفسه ، ويلطم نفسه ، وقديضرب بيده على الأرض ، وربما يعتريه مثل الغشية ،
وربما يضرب الجمادات والحيوانات ، أو يكسر القصعة،أو يشتم البهيمة ، أو
ترفسه دابة فيرفسها ، ويقابلها بذلك كالمجنون .
وأماأثره في القلب: فالحقد والحسد ،
وإضمار السوء ، والشماتة بالمساءات ،والحزن بالسرور ، والعزم على إفشاء
السر وهتك الستر ، والاستهزاء ، وغير ذلك من القبائح ، فهذه ثمرةالغضب
المفرط .
آسف للإطالة نفعنا الله وإياكم بما علمنا " اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما إنك أنت العليم القدير "
المصدر :موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
الشيخ محمد جمال الدين القاسمي
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
فهذه نبذه مختصرة عن الجاهليات الأربع فى القرآن
النوع الأول (ظن الجاهلية)
قال تعالى" ثم أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖوَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴿154﴾{آل عمران
يقول بن كثير فى تفسير قول الله عز وجل .ثم أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ يعني : أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله ، ولهذا قال : (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف ( يظنون بالله غيرالحق ظن الجاهلية) كما قال في الآية الأخرى : (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [ وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوءوكنتم قوما بورا ] )
[ الفتح : 12 ] وهكذا هؤلاء ، اعتقدوا أن المشركين لماظهروا تلك الساعة
أنها الفيصلة وأن الإسلام قد باد وأهله ، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل
أمر من الأمورالفظيعة ، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة.انتهى
وقال النبي صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.
و قال القاضي أبي يعلى: إن الظن منه محظور وهو سوء الظن بالله ، والواجب حسن الظن بالله عز وجل ، وكذلك سوءالظن بالمسلم الذي ظاهره العدالةمحظور ، وظن مأمور به كشهادة العدل ، وتحري القبلة ، وتقويم المتلفات ، وأرش الجنايات ، والظن المباح كمن شك فيصلاته إن شاء عمل بظنه وإن شاء باليقين
وقال ابن هبيرةالوزير الحنبلي : لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع في حال .
وقال ابن عباس: الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل
قال المتنبى
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
نقلا من كتاب الاداب الشرعية لمحمد بن مفلح المقدسى
النوع الثانى (حكم الجاهلية)
قال تعالى "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴿50﴾
قال بن كثير فى تفسيره
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ أي : يبتغون ويريدون ، وعن حكم الله يعدلون وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي
: ومن أعدل من الله في حكمه لمنعقل عن الله شرعه ، وآمن به وأيقن وعلم أنه
تعالى أحكم الحاكمين ،وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ،فإنه تعالى هو
العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، العادل في كل شيء .
وقالالحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاببن نجدة الخوطي حدثناأبواليمان الحكم بن نافعأخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الناس إلى الله عز وجل مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ، وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه " . وروىالبخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه
النوع الثالث (تبرج الجاهلية)
قال تعالى "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾
ولا تبرجن قال مجاهدوقتادة: التبرج هو التكسر والتغنج ، وقال ابن أبي نجيح: هو التبختر . وقيل : هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال
الجاهلية الأولى هى
مخالفة من قبلهن من المشية على تغنيج وتكسير وإظهارالمحاسن للرجال ، إلى
غير ذلك مما لا يجوز شرعا . وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها فيلزمن البيوت
،فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على تبذل وتستر تام . والله الموفق .
النوع الرابع (حمية الجاهلية)
قال تعالى "إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴿26﴾
الحمية فعيلة وهي الأنفة . يقال : حميت عن كذا حمية ( بالتشديد ) ومحمية إذا أنفت منه وداخلك عار وأنفة أنتفعله
وفى هذه الآية ذم للكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل ، ومدح المؤمنين بما أنزل عليهم من السكينة .
وروي أن رجلا قال : " يا رسول الله ، مرني بعمل وأقلل " ، قال : " لا تغضب " ، ثم أعاد عليه ، فقال : " لا تغضب " . وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما تعدون الصرعة فيكم ؟ " قلنا " الذي لا تصرعه الرجال " ، قال : " ليس ذلك ، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب " .
درجات الناس مع الغضب:
اعلم أن قوة الغضب محلها القلب ، ثم إن الناس في هذه القوة على درجات ثلاث من التفريط والإفراط والاعتدال :
أما الإفراط : فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسةالعقل والدين وطاعته ، ولا يبقى للمرء معه بصيرة وفكرة ولا اختيار
أما التفريط : ففقد هذه القوة أو ضعفها ، وذلك مذموم ، وهو الذي يقال فيه : " إنه لا حمية له "
وأماثمرة الحمية الضعيفة : فقلة الأنفة مما
يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة ، واحتمالالذل من الأخساء ، وصغر النفس
، وهوأيضا مذموم ، إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرم وهو صونها ، قال -
صلىالله عليه وسلم- : " إن سعدا لغيور ، وأنا أغير من سعد، والله أغير مني" .
ومن ضعف الغضب : الخوروالسكوت عند مشاهدة المنكرات ، وقد قال تعالى ولا تأخذكم بهمارأفة في دين الله النور
ففقد الغضب مذموم ، وإنما المحمود غضب ينتظر
إشارة العقل والدين ،فينبعث حيث تجب الحمية ، وينطفئ حيث يحسن الحلم ،
وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلفالله بها عباده ، وهو الوسط
الذي وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : خير الأمور أوساطها
ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته ،
واستحالة خلقته ، وقبح باطنهأعظم من قبح ظاهره ، فإن الظاهرعنوان الباطن ،
وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا ، فتغير
الظاهر ثمرةتغير الباطن ، فقس المثمر بالثمرة . فهذاأثره في الجسد.
وأماأثره في اللسان:
فانطلاقه بالشتم ، والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ، ويستحي منه
قائله عند فتور الغضب ،وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ .
وأماأثره على الأعضاء:
فالضرب ، والتهجم ، والتمزيق ،والقتل والجرح عند التمكن ، وقد يمزق ثوب
نفسه ، ويلطم نفسه ، وقديضرب بيده على الأرض ، وربما يعتريه مثل الغشية ،
وربما يضرب الجمادات والحيوانات ، أو يكسر القصعة،أو يشتم البهيمة ، أو
ترفسه دابة فيرفسها ، ويقابلها بذلك كالمجنون .
وأماأثره في القلب: فالحقد والحسد ،
وإضمار السوء ، والشماتة بالمساءات ،والحزن بالسرور ، والعزم على إفشاء
السر وهتك الستر ، والاستهزاء ، وغير ذلك من القبائح ، فهذه ثمرةالغضب
المفرط .
آسف للإطالة نفعنا الله وإياكم بما علمنا " اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما إنك أنت العليم القدير "
المصدر :موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
الشيخ محمد جمال الدين القاسمي