ماذا بعد رمضان؟
أيها المسلم الكريم: لا أجد ما أعزيك به أبلغ من أن أقول أحسن الله عزاءنا جميعاً بانصرام هذا الشهر العظيم، ونسأل الله - تعالى - أن يكتب لنا فيه خير ما كتبه لعباده الصالحين.
أيها الأخ الفاضل: يا من أنعم الله عليه بإدراك هذا الشهر الكريم، قبل أيام استقبلنا هذا الضيف العظيم، فرحين مسرورين، وها نحن الآن وكلنا أسف وحزن وألم نودع هذا الضيف الكريم.
آه يا شهر القرآن، آه يا شهر التراويح والقيام، آه يا شهر الصدقة والصيام.
وداعا حبيب البلاد .. شفاء القلوب .. حنين الشعوب..
وداعا تردد كل المدائن ..كل الأزقة.. كل البيوت..
وداعا تردد كل المآذن.. كل السهول.. وكل الجبال..
وداعا تردد هذي الوهاد.. وتلك السحاب..
وداعاً وتُلهِب كلَّ الخدودِ دموعُ الوداع...
فاللهم أعد علينا رمضان سنين عديدة، وأعواماً مديدة، ونحن في صحة وعافية وهدى.
أيها الأخ الحبيب: لقد عشنا رمضان، أحببناه وأنسنا به، لقد ملك قلوبنا، وصافح أحاسيسنا، وهاهو الآن على أبواب الفراق، هاهو يودعنا.. يلوح بيده لنا.. ويبتسم بثغره!!
لكن أيها الأخ الحبيب: لا بد بعد هذا الفراق من وقفة يقفها كل مسلم ومسلمة، يقف فيقول لنفسه: لقد عشت رمضان، وصليت فيه، لقد صمت فيه وقمت، لقد كنت أحرص فيه على الطاعة، وأسارع إلى القربة، لقد أحسست فيه براحة قلبي، وهدوء نفسي، وصفاء عيشي.
وهنا أسألكِ أيتها النفس: لماذا لا أجعل من عمري كله رمضان؟! هل هناك عائق يعوق؟
أيتها النفس: ألست تريدين السعادة؟ ألست تطلبين الراحة؟ ألست تسعين للطمأنينة؟
هل هناك أسعد مما وجدت في رمضان؟ هل هناك أمتع وأحلى وألذ من تلك اللحظات؟
فيا نفسي اجعلي كل حياتك رمضان.
إنها أمور سهلة.. وعبادات ميسرة:
- محافظة على الصلوات الخمس في جماعة.
- صيام الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر.
- قراءة ولو ورقة واحدة من القرآن قبل كل صلاة، وسيكون المجموع اليومي: خمسة أوراق (نصف جزء) لا بأس، وفي الأسبوع ثلاثة أجزاء ونصف، وفي الشهر أربعة عشر جزءاً، ويضاف لها نصف جزء، وهكذا في الشهر الآخر؛ أي تنهي المصحف كاملاً في كل شهرين، إنه خير كثير، فإذا اعتدتِ أيتها النفس عليه؛ فلن تشبعي منه أبداً.
- صلاة الوتر في الليل ولو حتى بعد صلاة العشاء مباشرة إن لم أستطع القيام في الليل.
- اجعل مبلغاً محدداً من الدخل الشهري لجارنا المسكين، أو كفالة ذلك اليتيم، أو إعانة طالب علم...ولو مبلغاً يسيراً ولو حتى ريالاً واحداً؛ فالحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ولا يزال الله ينمي الصدقة في يده سبحانه حتى تكون مثل الجبل، ولعله أن يكتب لي بذلك الريال آلاف الحسنات؛ والله واسع الفضل.
بهذا أيها الأخ الكريم نظن أنك لن تخسر كثيراً بذهاب رمضان، بل سيكون عامك كله رمضان.
نسأل الله - تعالى - أن يعيننا على طاعته، وأن يعمر أعمارنا كلها بعبادته، وأن يثبت قلوبنا على دينه، والحمد لله رب العالمين.