من أحكام صلاة الجماعة
أيها الأخ الحبيب: صح عن نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن العبد ليصلى الصلاة ما يكتب له منها إلا عُشرها، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلثها، نِصفها))1 ويحصل ذلك غالباً بسبب جهل كثير من المصلين ببعض أحكام الصلاة، فلا تراه يعرف خشوعها، ولا الطمأنينة فيها، ولا يتقن أركانها، ولا يحافظ على سننها، وقد يصلي في الجماعة رجلان بجوار بعض، وفي صف واحد؛ لكن بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض؛ لهذا كان لزاماً على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم أحكام صلاة الجماعة حتى يكتب له أكبر قدر من الحسنات.
فيتعلم المسلم أن من أحكام صلاة الجماعة: أن يبكر المصلي إلى المسجد وبخاصة في شهر رمضان حيث تقل الأشغال، ويكثر الفراغ في جداول كثير من المسلمين، فيحضر للجماعة إما قبل الأذان إن استطاع، أو بعد الأذان مباشرة، وهو في شوق وشغف إلى تلك الصلاة لا حضور كاره مبغض، أو محرج مغصوب، بل يراجع نيته، ويتفقد قلبه، وأنه جاء يصلي لمرضاة الله - تعالى - ليس لأنه رمضان، أو لأنه سيجد صديقه في المسجد، أو لأنه يريد أن يمشّي وقت الصيام، فتفقد نيتك أيها المسلم فبالنية يصلح العمل أو يفسد.
ومن أحكام صلاة الجماعة أيها المسلم: أن لا يتقدم المأموم على إمامه في شيء من الأركان، بل يتابع إمامه في ذلك؛ فـ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده!! فقولوا: ربنا ولك الحمد))2، حتى تتحق وحدة المسلمين في ذلك ونظامهم، وصدق اتباعهم وعملهم بتوجيه نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أحكام الجماعة: أن يلين المسلم لأخيه المسلم في صفوف الصلاة، ويفسح لأخيه قدر المستطاع، ويترك التعنت والشدة، والكبر والاستنكاف؛ فقد قال رسولنا الكريم - عليه الصلاة والسلام -: ((أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكبِ، وسُدّوا الخَلَلَ، ولِينُوا بأيدي إخوانكمِ...))3 قال أبو داود - رحمه الله -: "ومعنى: ((وَلِينوا بأيدي إخوانكم)): إذا جاء رجل إلى الصف، فذهب يدخل فيه، فينبغي أن يلين كل رجل منكبيه؛ حتى يدخل في الصف"4.
بهذه الأحكام وغيرها يحقق المسلم أكبر قدر ممكن من أجر صلاته تلك، ويرفع درجته عند ربه، ويحقق ولائه لإخوانه المسلمين، ويكون قدوة حسنة للناشئين من أبناء المسلمين.
نسأل الله - تعالى - أن يجمع كلمة المسلمين على الخير والهدى، وأن يوحد صفوفهم، ويؤلف بين قلوبهم، والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
1 رواه أحمد في المسند برقم (18914)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه: حديث صحيح.
2 رواه البخاري برقم (378)، ومسلم برقم (948) واللفظ له.
3 رواه أبو داود في سننه برقم (666)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.
4 صحيح أبي داود (3/243).
أيها المسلم الحبيب: إن صلاة الجماعة مؤتمر إسلامي عظيم، وملتقىً أخوي رائع؛ تشعر المسلم باعتزازه بإخوانه، وانتمائه إلى جسد الإسلام الكبير؛ لهذا جعلها الله - تعالى - من واجبات دينه وفرائضه، وكتب على عباده إقامتها والمحافظة عليها، ورتب على أدائها الأجور العظيمة، والحسنات الجزيلة؛ لكن لمن أداها بشروطها وأركانها، وعرف أحكامها وسننها وآدابها، ثم سارع للعمل بذلك كله فقد قيل: "الصلاة مكيال فمن وفى أوفي له، ومن نقص فقد علمتم ما قيل للمطففين"1.
أيها الأخ الفاضل: وحتى تتقن صلاتك هذه ليكتب لك أعلى قدر من الأجور؛ نبهناك في الحلقة الأولى من هذا العنوان على بعض أحكام صلاة الجماعة، والتي إن حرصت عليها فأبشر - بإذن الله - بالفضل الواسع، والثواب الجزيل، ونواصل معك في هذه الحلقة الثانية والأخيرة ذكر بعض آخر من أحكام صلاة الجماعة:
فمن أحكامها: تسوية الصفوف وعدم التقدم أو التأخر على الصف، وإتمام الصفوف الأول فالأول عملاً بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا تصفُّون كما تصف الملائكة عند ربها)) فقلنا: يا رسول الله وكيف تصفُّ الملائكة عند ربها؟ قال: ((يتمون الصفوف الأُوَل، ويتراصون في الصف))2، فتحرص أيها المسلم على تسوية الصف، وسد الخلل والفرجة.
ومن أحكام صلاة الجماعة: عدم إزعاج من بجوارك في الصلاة، ولا مؤذاته بكثرة حركتك في الصلاة، والعبث ببعض ملابسك، بل تقف في الصف بخشوع وطمأنينة، ووقار وهدوء، ولا تؤذه أيضاً برائحة كريهة كرائحة الدخان أو الثوم والبصل وغير ذلك من الروائح الكريهة - خاصة في هذا الشهر المبارك - فإن هذه الروائح لا تؤذي المصلين فقط بل تؤذي الملائكة التي تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
فتأتي إلى الصلاة وقد طهرت فمك بالسواك، وطيبت جسمك وثوبك ممتثلاً قول ربك - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ...}3.
واحرص على ألا تؤذي جارك في الصلاة برفع صوتك في القراءة، بل اقرأ قراءةً تسمع نفسك بها، ولا تؤذ جارك ولا المصلين معك برنين جوالك، بل عليك أن تدخل المسجد وقد أغلقت جوالك أو جعلته صامتاً لا يؤذي أحداً، أو تتركه في بيتك فهو خير لك ولغيرك، فتدخل بيت ربك وأنت لا تفكر في غير الاتصال به سبحانه، والحرص على مناجاته بخشوع وتضرع وتذلل.
أيها المسلم الكريم: كانت هذه بعض أحكام صلاة الجماعة مما يهمنا جميعاً، فعلينا أن نحرص عليها، وأن ننصح بها غيرنا.
نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا الخشوع في عبادته، والتأدب في بيوته، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يجنبنا سيئها لا يجنبنا عنها إلا هو، والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
1 السنن الكبرى للبيهقي . محمد عبد القادر عطا برقم (3401).
2 رواه مسلم برقم (996).
3 سورة الأعراف (31).