آداب الإفطار في المسجد
الحمد لله رب العالمين، شق لنا الأرض شقاً، فأنبت لنا فيها حباً، وعنباً وقضباً، وزيتوناً ونخلاً، وحدائق غلباً، وصلى الله وسلم على سيد الشاكرين، وإمام الذاكرين عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أيها الأخ الحبيب: إن المساجد هي بيوت الله - تعالى -، يقام فيها الركن الثاني من أركان الإسلام وهو الصلاة، وقد عظم الله المساجد بقوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}1 قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي أمر الله - تعالى - بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو، والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها"2.
ولأن في هذا الشهر الكريم اجتماعاً لبعض الإخوة والأُسر؛ يفطر كثير من المسلمين في المساجد، لكن للأسف أن بعض المسلمين لا ينتبهون لبعض الآداب التي يجب على المسلم أن يتأدب بها في بيوت الله - تعالى -، إما جهلاً، أو غفلة.
لذا أحببنا أن نذكر من استطعنا من المسلمين ببعض تلك الآداب، وقبل ذلك يرد سؤال لدى بعض طلبة العلم أو غيرهم هو: هل يجوز الأكل في المسجد؟
فنقول جواباً على هذا التساؤل:
حكم الأكل في المسجد:
صح عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي أنه قال: "كنا نأكل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد الخبز واللحم"3 قال الشوكاني - رحمه الله -: "(والحديث) يدل على المطلوب منه وهو جواز الأكل في المسجد، وفيه أحاديث كثيرة منها سكنى أهل الصفة في المسجد الثابت في البخاري وغيره فإن كون لا مسكن لهم سواه يستلزم أكلهم للطعام فيه"4، وقال ابن رجب - رحمه الله -: "وقد ورد الرخصة في الأكل في المسجد، وقد بوب ابن ماجه في كتابه: "باب: الأكل في المسجد".."5، وقال ابن باز - رحمه الله -: "ولا بأس بالنوم والأكل في المسجد للمعتكف وغيره؛ لأحاديث وآثار وردت في ذلك، ولما ثبت من حال أهل الصفة، مع مراعاة الحرص على نظافة المسجد، والحذر من أسباب توسيخه من فضول الطعام أو غيرها".6
والآن بعد أن تبين لك أيها المسلم جواز الأكل في المسجد فاعلم أنه ليس كل أكل يجوز في المسجد، بل لا يجوز في المسجد إلا ما ينضبط فيه صاحبه بهذه الآداب:
1. تشتد حرمة أكل الشيء المحرم في بيوت الله - تعالى - كأكل مال اليتيم بالباطل، أو أكل الربا، أو أكل ما حرم الله أكله كالخنزير أو غيره.
2. تجنب وضع الطعام على جرائد الأخبار، أو الأوراق التي يحتمل أن يكون فيها اسم الله - تعالى - أو اسماً محترماً كأسماء الأنبياء.
3. احذر أيها المسلم من أكل الثوم والبصل، أو ما فيه روائح كريهة حتى لا تؤذي إخوانك المصلين، وكذلك حتى لا تؤذي الملائكة الذين يكونون في بيوت الله - تعالى -؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.
4. عليك الانضباط والهدوء في أكلك، وتجنب الصياح والغضب والشجار على الطعام؛ فإن ذلك من هيشات الأسواق في المسجد التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
5. عليك - أيها المسلم - عند إفطارك في المسجد؛ وضع سفرة خاصة بالطعام؛ حتى لا يصيب المسجد فتات الطعام المتبقي.
6. تنبه إلى اختيار المكان المناسب الذي لا يسبب حرجاً على المارين والمصلين.
7. عليك بوضع مخلفات الإفطار في المكان المناسب.
8. من الآداب التي يستحسن بالمسلم أن يتنبه لها عند إفطاره في المسجد: المسارعة لتفطير الصائمين، والتحلي بالإيثار.
9. أخيراً: ننبهك أيها المسلم لهذا الحديث العظيم الذي رواه أبو ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن))7.
فإياك أن تهمل العمل بتلك الآداب، بل على كل مسلم علمها أن يعمل بها، وأن يدعو كل من استطاع للعمل بها فإن الدال على الخير كفاعله.
نسأل الله - تعالى - أن يعيننا على تعظيم شعائره، واحترام حرماته، واجتناب ما يعرضنا لسخطه، والعمل على مرضاته، والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
1 سورة النور (36).
2 تفسير ابن كثير . دار الفكر (3/355).
3 رواه ابن ماجة في سننه برقم (3300)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
4 نيل الأوطار (2/172).
5 فتح الباري لابن رجب (2/369).
6 مجموع فتاوى ابن باز (30) جزءاً (15/438).
7 رواه مسلم برقم (1261).