دعاء السفر
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأصلي وأسلم على خير البرية، وأزكى البشرية محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن أجمل الكلمات، وأحسن العبارات، وأفضل اللهجات، وأصدق الهتافات، حين يرفع الرجل يديه إلى السماء فيقول: يارب أسأت، أخطأت، قصرت، زللت، أذنبت، فحاشاه إلا أن يكون الجواب منه - سبحانه وتعالى -: عبدي قد غفرت، وسامحت وسترت، وصفحت
إن الملوك إذا شابت عبيـدهمُ في رقهم عتقـــوهم عتق أبرارِ
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار
فما أحوج المرء إلى أن يكثر من رفع يديه إلى السماء مخبتاً مستغيثاً، مستنجداً متوكلاً على ربه؛ قد انطرح بين يديه، وناداه بلسان الذل والافتقار، ورجاه بحال الخوف الاضطرار، ممتثلاً قول الله - عز وجل -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}1، وقول الله: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}2.
ومن تأمل نصوص الشريعة رأى بوضوح أنها قد دلتنا على تخصيص بعض الساعات بنوع إجابة للدعوات كوقت السحر، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات، وعند نزول المطر، وعند التحام الصفوف، وغيرها من الأوقات التي جاءت في النصوص.
وهناك أوصاف وحالات يستجاب فيها الدعاء كدعوة الوالد على ولده، والمظلوم على ظالمه، ودعوة المسافر؛ لما ثتب في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر))3، وقد يجتمع للمرء أكثر من موطن للدعاء؛ لاسيما المسافر في شهر رمضان؛ فإن له دعوة مستجابة في سفره، وموطن آخر هو كونه صائم، وثالث قبل فطره؛ فيكون قد اجتمع له ثلاثة مواطن للدعاء فيها، وكلها مستجابة.
ومن المسلمين من يكثر السفر في رمضان إما لطبيعة عمله، أو لظروف خاصة؛ فمثل هذا حري به أن يكثر من الدعاء في سفره؛ لاسيما وهو في شهر الخير والعتق من النار، والعطاء من العزيز الغفار، فقد كان السلف يستغلون أوقات سفرهم بالدعاء والإخبات لاسيما في شهر رمضان، فالله الله أخي الصائم المسافر في استغلال هذه الفرصة التي قد لا تعوض، استغلها بالدعاء لنفسك، ولوالديك، ولإخوانك المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، ولسائر المسلمين في كل مكان حتى يكتب لك الأجر والمثوبة، والمضاعفة المصحوبة بفضيلة الزمان والمكان، ويؤمن المَلَكُ على دعائك فيقول: "ولك مثله".
نسأل الله - تعالى - أن يوفقنا لذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
1 سورة غافر (60).
2 سورة النمل (62).
3 رواه أحمد في مسنده برقم (10119)، وحسنه الأرناؤوط في تعليقه بنفس الرقم.