الإحسان في رمضان
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
يوم أو يومين ويهل علينا هلال رمضان نتفيأ في ظلالها الرحمة ونتجلى في أحكام الحكمة، تقبض علينا وعلى قلوبنا سحائب الإيمان، وتشرق وتضيء في نفوسنا أنوار القرآن. تجري بنا مياه المودة والوصل، وتمتد أواصر الإخوة والتكافل، تظهر معالم الوحدة وتتجلى صور النصرة.
خيرٌ عميم وفضل كبير وموسم رحمة وحكمة وربانية. لا تنقضي أسراره ولا تنتهي خيراته فما عسى أن يكون لنا من شهرنا قبل بدئه؟ وما عسى أن يكون من تفكيرنا واستعدادنا قبل أن تبدأ أيام وليالي الإحسان في رمضان؟ شعار أوصي نفسي وإخواني بأن نرفعه ونحن في هذه الأيام القليلة الفاصلة بينها وبين الإحسان الكلمة العظيمة ذات الدلالات الكثيرة، الإحسان ضد القبح والإساءة، الإحسان الذي يشتمل معاني متعددة؛ فإن قلنا إحسان في القصد كان المراد تجريد الإخلاص لله - سبحانه وتعالى -، وإن كنا نقول الإحسان في العمل فنعني الإجادة والإتقان، وإن قلنا الإحسان مع الله يذكرنا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
فإن قلنا الإحسان في المعاملة فذلك التلطف والإكرام، وإن قلنا الإحسان للغير فذلك بتفقد العون والإنعام وجدنا وستجد أن هذه الكلمة العظيمة وهذا المفهوم الإيماني الإسلامي يشتمل على الخير كما قال المناوي عن الإحسان قال هو: " الإسلام ظاهر بسنده وإيمانه باطن ويكمل إحسان شاهداً فكم في هذا الإحسان لمعناه الواسع من دلالات عظيمة.. لماذا نرفع شعار الإحسان في رمضان؟ لأن رمضان موسم إحسان من الغني الكريم جل وعلى والله - سبحانه وتعالى - يقول: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.
إحسان الله - سبحانه وتعالى - علينا لا ينقضي لا يختص بزمان دون زمان ولا يحال دون إحسان وتحلي لنا من إكرامه ما قد تكون قلوبنا عقلت عن وعقولنا خلت عن استحضار دلالاته وها نحن نعرف أن الله - سبحانه وتعالى - قد دعانا وأمرنا بهذا الإحسان لقوله - تعالى -: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، {وأحسن كما أحسن الله إليك}.
نذكر هذا الإحسان الرباني الإلهي العظيم كيف خلقك وسواك وعدلك؟ كيف هداك إلى الإيمان وأعزك بالإسلام وشرفك بطاعة الرحمة؟ كيف هو في شهر رمضان يمحو بكرمه وفضله وجوده ما سلف من الخطايا والذنوب والآثام؟ كيف هو - سبحانه وتعالى - في شهر رمضان يحسن إلى عباده بفتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النيران وتعقيد الشياطين ومردة الجان؟ أليس ذلك كله من فيض إحسان الذي لا ينتهي إلى حد، ولا يحيط به وصف، ولا يمكن أن يفي حقه وحق شكره أحد! أفليس جديراً بنا ونحن نقبل على الموسم العظيم من مواسم إحسان الرب الكريم أن نرفع هذا الشعار شعار الإحسان في رمضان وهو الأمر الذي دعينا إليه في كل أحوالنا حتى فالأحوال المعتادة لقوله - تعالى -: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}.
بل وفي الأحوال الغير معتادة لقوله - عز وجل -: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} وإلى حديث أوس بن شداد عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول لنا هذا القول العظيم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).
هل رأيتم ديناً فيه عن الإحسان مثل هذا الدين العظيم؟ وهل رأيتم إرشاداً فيه من البلاغة والوجازة مثل هذا القول من الرسول الكريم؟ إحسان في كل شيء حتى عن القتل الجائز للانتفاع!
ينبغي أن يكون هناك إحسان.. فأين إحسان قولنا؟ وأين إحسان معاملتنا؟ وأين إحساننا على أو إلى من أخطاء علينا؟
الإحسان في شهر رمضان.. أي شيء نعنيه؟ وأي شيء نقصده عندما نرفع هذا الشعار؟ ولعلي أكرر هنا وأزيد: ارفع هذا الشعار؛ فإنك إن رفضته وكتبته وعلقته وأشعته وطلبت الآخرين أن يذكروك به، وأن يحاسبوك عليه أوشك أن يكون هذا الشهر الكريم بإذن المولى العظيم - سبحانه وتعالى - أعظم شهر يمر بك وأكبر موسم من الخير تحصل فيه المقاصد لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}. وبيّن الله - سبحانه وتعالى - أثر ذلك وفضله في كتابه الكريم.
أولاً: تجريد الإخلاص لله - سبحانه وتعالى -
وهو لب هذه العبادة وسرها الذي جعل لها بها الخصيصة العظيمة: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.. يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) خالصاً من قلبه لا يقصد من الناس ثناء، ولا يعرف عن صحة أو حدق صومه أحد من الخلق فهو العبادة باستحضار القلب فيها وبتدبر العقل في معانيها وبتطلع وتشوق القلب إلى لذتها وحلاوتها (أرحنا بها يا بلال) فذلكم كان يجد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - راحة نفسه، وأنس قلبه، ولذة روحه، وراحة بدنه في عبادة ربه.. لماذا يوم أخلص فيها لله يوم وجد فيها ضمأ نفسه وفيض روحه وقلبه، وجد فيها أنها التي تفيض السكينة في قلبه، والطمأنينة في نفسه، والخير والبركة في وقته، والصلاح والهدى في ذريته، والبركة والعمار في وقته، والمضاعفة والجزاء لعمله.. ذلكم ما ينبغي أن لا يفوتنا إحساناً في وجوه أخرى كثيرة اجعل الإحسان في شهر رمضان هو الشعار الذي يدعوك إلى الإتقان في كل عمل وإتقان الصلاة تبكيراً إليها واستعداد بالطهارة التامة قبلها وتفريغ للقلب والنفس عن مشاغل الدنيا قبل الدخول فيها وترطيب للسان بذكر والتلاوة قبلها واستحضار للقلب والخشوع فيها اجعل الإحسان في شهر رمضان أن تصف الأقدام طاعة للرحمن وأن تمرغ الجبهة سجوداً وخضوعاً لديان وأن تجعل لسانك رطباً بذكر الله وتلاوة القرآن الإحسان في رمضان في كل عمل تؤديه لأننا نجد صور كثيرة من عدم الإحسان فذاك تراه وقد ارتسمت على وجه بوادر وعلائم من الهم والغم وثقل الصوم على قلبه ونفسه فكأنما أكره على العبادة إكراها يخشى معه أن لا تخلص إلى قلبه ونفسه آثار العبادة وخيرها وبرها ويخشى أن لا يكتب له كمال أجرها وثوابها وذاك أنت تراه وهو لا يكاد لا يؤدي عمل من الأعمال على وجه يصح به في الشرع فضلاً عن أن يتقنه ويحسنه ويكمله.
ثم انظر أيضاً إلى الإحسان في القول وما أدراك ما إحسان القول! ونحن نعرف ضبط الصيام وإكماله في حكمة تشريعه وآداب وهدي وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط؛ فإن سابه أحد أو شتمه فليقل: إني صائم) (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) أين إحسان القول باللسان؟ أين ترطيبه بذكر وتلاوة القرآن؟ أين انطاقه بالهداية والموعظة والإرشاد والتوعية؟ أين إحسان في تأليف القلوب والكلمات التي تدخل السرور على النفوس؟ أين نحن من إحسان القول؟ نحن نرى المعارك والصراخ والشتم وكثيراً من هذه الصور تعظم في نهار رمضان حتى أكثر من ليلة ولأي شيء لأسباب تافه من زحام على طعام أو اختلاف في رأي، أو على ذلك لم تخلص العبادة إلى القلب وإلى الفكر، لم يكن شعار الإحسان حاضراً في رمضان فيفوت كثيراً من الخير، ويبعد عن الإنسان والإحسان من بعد في صلة الرحم ووصل الود ومد الجسور ورأب الصدع وإعادة مياه الوصل إلى مجاريها، إحسان فيه المبادرة والمبادأة وليس الانتظار والمراقبة، وهذا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - شاهد على ذلك عندما جاء الرجل يقول: إن لي رحم أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي! فأجاب المصطفى - عليه الصلاة والسلام -: (إن كان كما تقول فكأنما تسفهم ولا يزال عليهم من الله برهان)
أين هذا أيضاً ونحن نعلم الوصية القرآنية الإحسان مقترن بتوحيد الرحمن لقوله - تعالى -: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً}.
وفي الآيات الأخرى ما يدل وينص على ذوي القربى واليتامى والمساكين اتباعاً وإلحاقاً في الإحسان مع الإحسان بالوالدين، لماذا لا نجعل شعار الإحسان يزيد كل شحناء وبغضاء ويردم كل فجوة وجفوة ويعيدنا إلى صورة المحبة التي منَّ الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أمة الإسلام لقوله - عز وجل -: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} أليست قلوبنا قد كررتها كثيراً بين أسباب الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء؟ ألسنا نعلم أن هذه الأمور من موانع الرحمة ومن حواجب المغفرة التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ارفع شعار الإحسان في رمضان، ارفع شعار الإحسان في جانب آخر مهم..
ثانياً: جانب الإحسان في اغتنام الأوقات
وما أدراك ما عظمة وأهمية الأوقات في رمضان! أما نهاره فكل دقيقة من دقائقه وثانية من ثوانيه عبادة؛ لأنك فيها صائم فكيف تضيع مثل هذه الغنيمة بأمور تنقضها أو تعارضها أو تبدد أثرها أو تزيل من نفسك ومن قلبك استحضار عظمتها وخيرها، وأما ليله فالأصل فيه أنه فرح بنعمة الله بالإفطار ولتلجأ لله - سبحانه وتعالى - بالدعاء والشكر له - جل وعلا - بالقيام فما بال سقف الأسواق يعلو ضجيجه على تلاوة القرآن في المحاريب! وما بالنا نسيء ولا نحسن فنجعل من هذا الشهر في ليلة أعظم ما تكون الغفلة وأجلّ ما يكون الانتقال بالدنيا! وأكبر ما تكون فيه أسباب التعرض للشهوات والفتنة والاختلاط ونحو ذلك!
كم هو الوقت العظيم الطويل الذي يقضى في صلاة العشاء والتراويح هل هو خمس ساعات أو ثلاث ساعات أو أكثر من ذلك.. إن من أذان العشاء وإلى نهاية الصلاة لا يتجاوز ساعة واحدة! هل ستخرب الدنيا أو سيضيع كل الربح إذا لم تفتح هذه المتاجر بعد الصلاة؟ ما الذي سيضيع من الخير الدنيوي أو الثواب والأجر المالي الذي يترقبه أولئك الذين يفتحون متاجرهم قبل أن تنتهي هذه الصلاة التي لا يؤديها غالب الناس إلا في رمضان فإذا لم يؤديها في رمضان لم يكن منها حريص طوال العام! تضيق على نفسك بنصف ساعة لا تستطيع أن تفاضل فيها بين طاعة الرحمن وأجر الآخرة وبين حظ الدنيا! ولهو وعبث ما يكون في الأسواق لست أدري لماذا في كل عام وفي كل مرة وفي كل خطبة وفي كل موسم ورمضان يذكر هذا ولا شيء يتغير أو يتحرك في واقع الناس.. لماذا؟! لأن النفوس مازالت ليس فيها من الإيمان وترجيح أمر الآخرة على الدنيا ما يدفعها إلى هذا التغيير؛ لأن ليس فيها من التعلق بثواب الله ومرضاته ما يرجح بدريهمات وريالات قليلات في دقائق معدودات هي أقل أن تحب بساعات وإنما هي بدقائق، ومع ذلك ندعي أننا نستعد لشهر رمضان استعداد معاكس ومضاد، ولذلك أقول من شعار الإحسان في رمضان أن لا نفوت شيء من طاعاته ونوافله ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً والإحسان في اغتنام الأوقات يعارض ما يقع من الناس من هدرٍ وتبذيرٍ وتضييع للأوقات في صورتين اثنين إحداهما ترد على الأخرى وتعود إليها بليل في غير منفعة بل ربما كثيراً من الأحوال على معصية يقابل نوم بنهار وغفلة وعدم حضور القلب ولا ترطيب اللسان بالذكر ولا مبادرة للطاعة في المساجد بأداء الصلوات، ويكون رمضان أسوأ عند بعض الناس حالاً فهو شهر الإساءة عندهم الإحسان لأنه لماذا تكون هذه الإساءة أعظم لأنها في موسم خير فتحت فيه الأبواب فيه فرص تكفير الذنوب ومازال البعض يزيد من هذه الذنوب ويملأ جرابه منها ويضاعف رصيده فيها فكيف لا يكون هذه إساءة بل هي أعظم الإساءات اغتنام الأوقات من بعد ذلك يتعارض مع الطوابير الطويل والأوقات الجليلة الفضيلة فيما بعض العصر وقبل الغروب في أي شيء لشراء الخبز والطعام ونحن نعلم أن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - كان يمر عليه الهلالين والثلاثة لا يوقد في بينه نار.. ما طعامكم يا أم المؤمنين؟ قالت: " الأسودان التمر والماء " هل سينقص أجرك إن لم تأخذ هذا النوع من الطعام؟ هل سيقل ثوابك إن لم تشتري هذا الصنف أو ذلك؟ ما بال العقول تسخف حتى تعادل أجر هذه الأوقات الفضيل التي ينبغي أن يكون فيها العقل والقلب حاضراً، واللسان ذاكراً، والأيدي مرتفعة بدعاء ونحن ننشغل بمثل هذه الأمور؟! ولماذا نصنع مثل هذه الأمور التي لا تغير لها إلا أن الناس انحرفوا في مجمل قائمتهم وكثيرٍ عن أحوالهم عن الإحسان الذي ينبغي أن يجتهدوا في تحصيله..
والإحسان في الوقت يشتمل على أكثر من ذلك، ويشتمل على صور كثيرة عظيمة ينبغي لنا أن ننتبه لها وأن نحرص عليها.
والإحسان بعد ذلك أيضاً..
ثالثاً: الإحسان فيما نعين به المحتاجين والفقراء والمرضى وغيرهم من ذوي الحاجات
والله جل وعلى يقول: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه}.
ويخاطبنا - سبحانه وتعالى - خطاب الذين تشرفت نفوسهم بأنوار الإيمان، الذين إذا دعوا بدعوة الإيمان والإحسان طارت إليها قلوبهم، وعفت إليها أرواحهم، وخفت إليها أبدانهم، وبذلت لغير تحقيقها أموالهم لقوله - تعالى -: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
ثم الرسول يخبرنا بأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وتخبرنا حالته وهديه وسيرته كيف كان يختار الأطيب والأحسن والأمثل مما عنده فيجعله هو الذي ينُفق لماذا؟ لأنه إنما يبذله لربه وإنما يقدمه لمولاه ليس هو لذلك الفقير وإنما هو لله فلن تختار الردي أو الأسوأ لتقدمه لربك ومولاك! إحسان يقتضي منا أن نجتهد في أداء الفريضة من الزكاة، وفي المنافسة فيما فوق الفريضة من الصدقات، وفي مجاهدة النفس بإخراج الأحسن الأقرب إليها.. وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عن أفضل الصدقة قال: (أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر) وليس إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا! وقد كان لك أن تتصدق في حال صحتك وقوتك والأمل الممتد من نفسك لمزيد من الدنيا فأنت حينئذ تجاهد نفسك، وأنت حينئذ تغالبها وتؤثر الآخرة على الدنيا، وتقدم الأحسن فيما تتقرب به إلى الله - سبحانه وتعالى - كما فعل أسلافنا رضوان الله عليهم: (ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر) قال: " أبقيت لهم الله ورسوله " ويوم جاء أبو الدحداح بعد أن سمع الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال: " يا رسول الله إن بيرحاء - بستان عظيم كبير كثيرا النخل - أحب أموالي إلي وإني خرجت منها لله - عز وجل - " تلك هي المسابقة.. ذلكم هو الإحسان إذا رفعناه شعاراً استطعنا أن نهيئ النفوس والقلوب والأحوال والأوضاع كلها لنكون في هذا الشهر على ما يحب ويرضى.. نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يبلغنا وإياكم شهر رمضان، وأن يجعلنا فيه من أهل الإيمان والإسلام والإحسان، وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال، وأن يمن علينا بالمغفرة والقبول والرضوان.
الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن رمضان موسم التقوى الأعظم لقوله - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}
والإحسان الذي نذكر به أيها الإخوة واسع لا يتسع مقامنا هذا لذكر صوره.. أحسن إلى زوجتك، أحسن إلى أبنائك، أحسن إلى جيرانك وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (أحسن جوارك تكن مسلماً) فهو دليل إسلام، وعلامة إيمان. أحسن إلى نفسك بأن لا تضيع وقتك.. وصور الإحسان كثيرة.
وأريد أن أؤكد على رفع الشعار؛ فإن الإنسان إذا ذكّر نفسه بأمر وإذا جعل نصب عينيه وإذا تعاهد به مع فئة من الناس فذلك يكون محفزاً لالتزامه والعمل به.. اكتبوا هذا الشعار علقوه في بيوتكم، اجعلوه على أبواب متاجركم، وليذكّر به المدرسون أبنائهم الطلاب، ولينشر في الصحف وفي وسائل الإعلام التي في غالب أحوالها هي رمز الإساءة في رمضان؛ فرغم أن التقوى شعار رمضان نرى في كثير من الوسائل الإعلامية الفسق والفجور المناقضة لتقوى لله - عز وجل -! وإذا كان رمضان شهر التشمير في الطاعات فهي باب واسع وغير ذلك كثير من صور الإساءة أحياناً تواجهنا في بيئتنا القريبة!
فليكن هذا الشعار شعاراً حقيقياً أحسب أننا به سننال من الخير كثيراً، وليقل كل منا لنفسه " رمضان في هذا لعام مختلف.. رمضان في هذا العام شعاره الإحسان " نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعيننا على ذلك، ونسأله - جل وعلا - أن يوفقنا للخيرات وأن يفيض علينا البركات، وأن يضاعف لنا الحسنات، وأن يمحوا عنا السيئات..نسأله - سبحانه وتعالى - أن يوفقنا لما نحبه ويرضى، وأن يصرف عنا ما لا يحب ويرضى، وأن يبلغنا في مرضاته آمالنا، وأن يختم بصالحات آجالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.