قصة خالد وحبات التوت
كان خالد يزور جدته في العطلة الصيفية، وفي أحد الأيام، دعته ليذهب معها إلى السوق لشراء بعض الحوائج المنزلية، ففرح خالد بذلك فرحا عظيما، وفي وقت قصير كانا في طريقهما إلى السوق.
ودخلت الجدة إلى دكان البقالة فاستقبلها صاحبه بتحية حارة، فتقدمت منه الجدة وأخذت تطلب الحوائج التي تحتاج إليها، وكان خالد يجيل بصره هنا وهناك في الدكان، فيرى فيه كل ما لذ وطاب من الحلوى والفواكه، وكلها مرتبة ومعروضة بشكل جذاب، فهناك قناني الحليب، وصناديق الجبن والزبدة موضوعة في وعاء زجاجي كبير وعلى الرفوف كل أنواع العلب الملونة مرصوفة بطريقة رائعة.
وفي وسط الدكان كانت سلال الخضر كالجزر والفجل والقرنبيط، وإلى جانبها سلال الفواكه من كل ما تشتهيه النفس وتلذ له العين، لم يستطع خالد أن يدفع عنه كل هذا الإغراء لنفسه، فلم يشعر إلا ويده تمتد لتتناول حبة من التوت، وإذ به يسمع صوتاً من داخله يقول: لا.. لا.. يا خالد إن عملك يعتبر سرقة، ليست الثمار لك، ولكن كان التوت شهياً، وكان خالد يحب التوت كثيرا، ولا يشبع حتى يأكل منه، وها هو الآن أمامه كميات كبيرة، فلماذا لا يأكل حبة واحدة منه ولهذا لم يسمع صوت ضميره، فمد يده وتناول حبة واحة وتذوقها، فكانت لذيذة جدا، فأخذ أخرى وكانت أيضا لذيذة.
وإذا كانت السلة ممتلئة، أخذ الحبة الثالثة والرابعة وأتبعها بالخامسة والسادسة، إلى أن أتى على كمية لا يستهان بها، وبينما هو مسرور بأكل التوت إذا به يسمع جدته تناديه بأن يستعد للذهاب، فقد اشترت كل ما أرادته.
فأسرع خالد يمسح يديه بثيابه، وينسل بين السلال إلى حين كانت جدته واقفة فسألته أن يحمل معها بعض الحوائج.
وفجأة نظرت الجدة إلى خالد وقالت له: (قف ياخالد وانظر إلي).
فتطلع إليها وحاول أن يظهر بمظهر البريء الذي لم يفعل شيئا خاطئا، فسألته:
(ما هذه العلامات السوداء التي أراها على وجهك يا خالد؟).
- أية علامات سوداء؟
- تلك التي أراها حول فمك، ليست سوداء تماما، بل هي سوداء تميل إلى الحمرة.
- لا أعلم.
- لقد أكلت توتا يا خالد.. أليس كذلك!
- نعم أكلت حبة أو حبتين.
- وأين وجدت التوت؟
- في الدكان.
- هل سمح لك صاحب الدكان بأكله؟
- كلا.
- إذن أخذته دون إذن؟
- نعم.
- إذن كنت ولداً شريرا يا خالد فإنني أخجل منك ومما فعلت.
لنرجع الآن إلى البيت، وهناك نعمل على حل المشكلة.
وفي البيت أجلست الجدة خالدا في حجرها، وأخذت تشرح له الخطأ في أخذ ما هو للغير ثم قالت له: أمامك الآن أمران لإصلاح ما ارتكبه من الخطأ وللتكفير عما تناولته من حبات التوت الحرام، أولهما أن تسال الله أن يسامحك على ما اقترفته من خطيئة، والثاني أن تعود إلى البقال، وتدفع له ثمن التوت).
فأجاب خالد باكيا: يسهل علي أن أطلب الصفح من الله، ولكن من الصعب علي الذهاب إلى البقال.
- أعرف أنه صعب عليك ذلك، ولكن هذا ما يجب أن تفعل، فأذهب إلى صندوق توفيرك الآن، وأخرج منه ما معك من نقود.
- هل أدفع من مالي الخاص ثمن التوت؟
- بالتأكيد هذا ما يجب أن تفعل.
- ولكن لن تبقى معي نقود غيرها.
- ذلك لا يهم، مع أنني لا أعتقد أن ثمنها يذهب بكل ما معك من نقود، إلا أنك يجب أن تدفع، ربما الثمن خمسة قروش.
- مسح خالد دموعه بظاهر يده، وسار وهو يمسك النقود بيده يقدم رجلا ويؤخر أخرى حتى وصل إلى الدكان، فدخل وقلبه ينبض خجلا، سأله البقال: لماذا رجعت؟
- هل نسيت جدتك شيئاً؟
أجاب خالد، كلا، أنا الذي نسيت.
- ماذا نسيت؟
- يا عمي! أرجوك.. أرجوك.
- نسيت أن أدفع لك ثمن التوت الذي أكلته، وقالت جدتي إن ثمنه خمسة قروش ولهذا أحضرت لك الثمن، ثم وضع خالد الدراهم على الطاولة ورجع راكضا، ولكنه سمع صوت البقال وهو ينادينه، ارجع يا خالد، ارجع قليلاً.
- رجع خالد ببطء كأنه ينتظر توبيخاً من البقال الذي قال له قد نسيت شيئا يا خالد( وناوله كيسا من الورق في داخله شيء.
- هو لك على كل حال، تأكله مع عشائك.
- ظن خالد أنه رأى دموعاً في عيني البقال، ولكنه لم يعلم السبب، ثم أطلق ساقيه للريح حتى بلغ البيت، وهناك قال لجدته:
- انظري ما أعطاني البقال، فرأت في الكيس قطعا من الشوكولاتة، ثم قالت: (أرأيت كيف سر البقال من أمانتك؟).
- هذا يا حبيبي، أفضل ما يجب أن يفعله الإنسان في حالة كهذه.