أشدّ الناس حمقا
كان لأحد الملوك ولد وحيد، رباه خير تربية، وعني به، ولما كبر، وأصبح شاباً، أراد أن يعرفه إلى البلاد والعباد، ليكتسب خبرة، فأعطاه صرة نقود، وزوّده بكلّ ما يحتاجه في السفر، ثم طلب منه أن يجول في البلاد، وأوصاه أن يعطي صرة النقود لمن يراه أشد الناس حمقاً.
وهكذا أخذ الفتى ينتقل من بلد إلى بلد، يراقب الناس في الحقول والأسواق، يراهم يبيعون ويشترون، ويزرعون ويحصدون، وكلما رأى رجلاً أحمق همّ بإعطائه صرة النقود، ولكنه كان يتريث، لعله يرى من هو أشد حمقاً منه.
مرة رأى رجلاً يرعى بقرة على سطح الدار، وأخرى رأى رجلاً يصب السكر في البحر ليعذب ماؤه، وثالثه رأى رجلاً يصنع للجمل جناحين على أمل أن يطير، ولكنه ذات مرة رأى رجلاً يركب حماراً بالمقلوب، وجهه إلى مؤخرته، وهو يمسك بذيله، والناس من حوله يقرعون الصحون بالملاعق، وهم يصخبون ويضجون شاتمين لاعنين الرجل، فسأل عنه، فعلم أنه كان مختاراً للقرية، ثم انتهت ولايته عليهم، فإذا هذه هي عاقبته.
ثم إن الفتى دخل القرية، فرأى قوماً يدخلون منزلاً، متزاحمين، وآخرين يخرجون منه، فسأل عن الأمر، فعرف أنهم يدخلون ليباركوا للمختار بتسلّمه عمله مختاراً جديداً للقرية.
وعندئذ تنبه الفتى إلى الأمر، ودخل على المختار الجديد مع الداخلين، ولما صار بين يديه، قدّم له صرة النقود، فسأله المختار الجديد عن سبب تقديم الصرة له، فأجابه:
(طلب مني أبي أن أقدّمها إلى أشدّ الناس حمقاً).