اسم الروايه : سجينة الذكريات
مؤلفة القصه : ديانا هاملتون
الفصل الاول
اندفعت فينيتا اديل روس الى غرفة الجلوس خالية الذهن ، وقد ارتسمت على شفتيها الابتسامه التي اعتادت ان تخص بها اباها . وكانت جولة التسوق الناجحه التي قامت بها عصر ذالك اليوم قد ملأتها بهجة ومرحاً ، وجلعت عينيها بلونهما الأرزق الباهت تتألقان كالبلور الصافي .بادرها ابوها قائلاً : " فيني ..مالذي اخرك ياعزيزتي ؟؟"
لم يكن في صوته اي تعنيف بل دفء وحنان فهو طوال الثمانية عشر عاماً لم يؤنبها مرة بشكل جدي ولم تسمع صوته عالياً كما انها لم تره وهو ينهض من مقعده ليقف بجانبها وفجاء لم تعد تضم الغرفه اللوحه الزيتيه الكبيرة الحجم لوالدتها التي فقدتها وعمرها بضعة شهور فقط وانما احتل الغرفه رجل قلب الأمور راساً على عقب .
" كارلو روسي "
كانت نسيت تقريباً انه سيحضر لزيارتهم وابعدت ذالك عن تفكيرها لأن حضور حفيد عم ابيها لقضاء عدة اسابيع ضيفاً عليهم لم يجعلها في خطر الموت من اللهفة .
والأن وفي هذه اللحظه ساورها شعور بالقدر الذي لامفر منه وتفهم له لم تعرفه من قبل ولكن ثانيه واحدة من عمر الزمن كانت كافيه لكي تجعلها تعلم انها تقابل الرجل الذي ستحبه طوال حياتها أو كما يقال الحب من أول نظرة .
كان يبتسم لها من أخر الغرفه ابتسامه كانت مزيجاً من التهذيب والاهتمام الذي يشوبه شئ من السخريه وكان والدها واقفاً بجانبها يمسك بيدها يضغطها قليلاً بيده وهو يقول :" تعالي ياحبيبتي وحيي كارلو ." فحولت عينيها الكحيلتين تنظران في عيني ابيها بارتباك ، وهي تتقدم منه وكأنه سيحل هذه الأحجيه القديمه لها ، او كأنها مشكله في امكانه ان يزيلها كما أزال من طريقها الصعوبات منذ ولدتها .
ولكن هذا لم يكن شيئاً بسيطاً ، بل غايه في الاهميه لا يصل اليه حب الأب ولاسخاؤه في اغداق المال . لم يدرك ماالذي حدث ، لم يدرك الارتباك الذي هزها من الاعماق لهذه المفاجأة ، ولا الذهول الذي سمرها في مكانها .
هو ايضاً تملكه الارتباك لتصرفها هذا فهو لم يستطع ان يعرف مالذي جرى لابنته المرحه الواثقه من نفسها ، لكي يبدو عليها الضياع بهذا الشكل وقال والدها بشئ من نفاذ الصبر : " هيا صافحي ابن عمك "
فابتسمت له وقد استعادت كل ثقتها بنفسها ومرحها واقتناعها بجمال الحياة وسارت اليه لتتحول ابتسامتها الى انبهار صريح عندما مد كارلو روسي يده وهو يقول بصوت عميق تشوبه لكنة خفيفه :" ما دام والدنا ابناء عم فأن قرابتنا نحن الاثنين هي من البعد بحيث لا تكاد تلحظ "
وتجاهلت يده الممدوده لتقف بدلاً من ذالك على أطراف اصابعها وتقبله على خده وهي تقول :" أن الايطاليين يعتزون باية قرابه مهما كانت بعيده "
وتملكتها الدهشه وهي تراه يفوقها طولاً بحيث يشرف عليها رغم طول قامتها البالغ مائة وسبعين سنتميتر اً . وازداد شعورها بالانوثه وهي ترفع وجهها اليه لتلتقي عيناها بعينيه السوداوين الواسعتين الرائعتي الجمال .
كان كارلو روسي رائعاً فقد سلب قلبها رغم رفعه لحاجبه باشاره ساخره . ولوت فمها الممتلئ وهي تقول له مستفزه بصوتها الذي تميزه بحه خفيفه سائله :" من هو الذي ترك فيك اكبر الاثر منذ وصولك الى هنا " وكانت عيناها تتحديانه بمكر ان يعترف بانها هي التي تركت فيه اكبر الاثر وتابعت تقول :" أم ان هذا السؤال ربما مازال مبكراً ..؟" وزمت شفتيها مظهرة الاستياء لاشارة عدم الاكتراث التي صدرت عن ذالك الاتيني ،،وسألته :" أظنها أول زياره لك الى انكلترا أليس كذالك ..؟"
أجاب كارلو :" ابداً فأنا اعرف بلادك جيداً ..لقد جلت في انحائها اثناء دراستي الجامعيه هنا " كان جوابه رقيقاً مهذباً ولكنه بارد وتمنت لو انها قطعت لسانها قبل ان تلقي عليه هذا السؤال فقد تذكرت ذالك الصدع القديم الذي حدث بين فرعي العائله ..وياليت السبب كان شاعرياً كأن يكون لأجل امرأة ..ولكنه كان سبباً مؤسفاً يتعلق بالأعمال . كانت فينيتيا بالغة الفطنه عندما يتعلق الأمر بأبيها فقد شعرت بمبلغ شعوره بالحرج لأن يسكت عن حقيقة أن حفيد عمه قد سبق وأمضى سنوات في انكلترا دون أن يكلف نفسه عناء زيارتهم من باب الاحترام .
وقال والدها :" سنتأخر في تناول العشاء هذه اليله يافيني فاذا كنتي جائعه كالعاده فاطلبي من بوتي أن تصنع لك الشاي في المطبخ وحسب معرفتي فان ثمة اكواماً من المشتريات تملأ ارض القاعه ." وغطى تدخل والدها على سؤالها الأحمق ذاك وماتبعه من احراج مااشعرها بالامتنان ولكن هل كان من الضروري أن يأتي على ذكر شهيتها القويه للطعام هذا عدا عن عدم مقاومتها رغبتها العارمه في الشراء كلما ذهبت للتسوق في لندن . وماكان لابيها ان يكشف أمامه طباعها .
نظرت بطرف عينها الى كارلو كان يبتسم وكانت ابتسامته تلك مجرد التواء بسيط في زاويتي فمه ، وقد لاح شئ من التسليه في عينيه وكان هذا يكفي لكي تعلم بكل وضوح انه يراها مجرد طفله .
وتمتمت شيئاً ثم اتجهت نحو الباب وهي تفكر بغضب انها ستثبت له ..لابد أن تثبت له يوماً انها ليست مجرد طفله يتسلى بمرأها وصفقت الباب خلفها بعنف .
كانت فينيتيا تدرك انها تجتذب الانظار اينما تكون وأن نظرات الاعجاب من الرجال تتبعها في الشوارع والمطاعم والحفلات فباي حق اذن ينظر اليها كارلو وكأنها خارجه لتوها من المهد!!!
ولكنها مالبثت أن اعترفت في قرارة نفسها وهي تجتاز القاعه التي كانت كان جوها يعبق بشذا ورود الحديقه المنبسطه والتي تشرف عليها منافذ القاعه تلك بأنه على كل حال رجل متميز .
تذكرت فينيتيا اباها وهو يحاول أن يتذكر عمر كارلو الذي لم يكن قد راه منذ كان يرتدي بنطلوناً قصيراً ، هل عمره احدى وثلاثون ام اثنان وثلاثون ثم انه غير متزوج وهي تعرف هذا جيداً وهذا يعني ان له صداقات مع النساء اكثر من المعقول مادام بهذه الجاذبيه التي تفتن القلوب .
ثم انه بالنسبه الى النساء لايمكن ان يختار المراهقات طبعاً . لشد ماكانت تكره هذا اللقب ! لابد انهن ذكيات متزنات مستقلات الشخصيه ولا يأكلن بنهم ويرتدين الملابس الانيقه التي لاعيب فيها ، وهن كذالك حريصات على ألا يبعثرن مشترياتهن التافهة على ارض القاعه . نساء لا يعقصن شعرهن في ضفيره الى الخلف ولا يبدين ببنطلون جينز مغسول وقميص مقفول فضفاض .
لو تعلم انها ستصعق لمجرد رؤيته لاندفعت مباشره الى غرفتها لترتدي ثوباً افضل وتطلق شعرها كالحرير ، وتأوهت وقد فارقتها لاول مره في حياتها ثقتها في نفسها وشعرت بالتعاسه .
ولكن مشترياتها كان لها بعض الفضل في اعادة تلك الثقه . صحيح انها انفقت كل مااعطاها ابوها من مال ، ولكنها اشترت اشياء ممتعه حقاً ! كما أن لديها وقتاً كافياً قبل أن يحين موعد العشاء لتصلح من هندامها لتبدو امامه في اجمل منظر . لقد اعتادت دئماً أن تنال ماتريد ، فقد كان في امكانها ان تؤثر على ابيها .
كانت في منتصف السلم وهي تحاول جهدها ان تحكم امساك العلب التي تحتوي مشترياتها والتي كانت تفلت من بين يديها لتتبعثر هنا وهناك ، عندما رأت السيده بوتس تهبط السلم . كانت بوتي امرأة بدينه قصيرة القامة مكنتها طبيعتها الوديعه المسالمه من ان تعالج اية صعوبه او أزمه . وقد اصبحت مديرة منزل ابيها بعد موت امها المفجع مباشره ، وما ان ابتدأت فينيتيا تتعلم الكلام حتى اصبحت تدعوها (بوتي) وهكذا اصبح هذا اسمها الذي يدعوها به الجميع .
وقالت بوتي وهي تاخذ منها هذا الحمل :" دعيني اساعدك " وعادت تصعد معها السلم لتلقي بها على سريرها وهي تقول :" لعلك يافيني انفقت ثروه اخرى على كل هذا "
أجابت فيني متجاهلة لهجة بوتي المتذمره :" انك تعلمين انني لااستطيع المقاومه " وتابعت وهي تفتح احد تلك الصناديق قائله :" هذا الى انني اشتريت اجمل ثوب وقعت عليه انظاري "
وأخرجت ثوباً من الساتان الاسود وهي تسأل بوتي :" مارايك به اليس اجمل فستان وقعت عليه انظارك ؟ اليس هو فريد بشكله ؟ انه سيجعل عيني كارلو تخرجان من حدقتيهما!!"
فأجابت بوتي بستنكار :" انه يبدو رائعاً اذا كنتي تريدين رأيي فهو ليس لائقاً وابن عمك اكبر واذكى من ان يهتم بما تلبسين فوفري جهودك والان ..." واتجهت نحو الباب وهي تتابع " مارايك بفنجان شاي وقطعة او اثنين من كعك بالشكولاته ؟ يمكنك ان تتناولي ذالك في المطبخ وتخبريني عن بقية ماضيعت فيه نقود ابيك بينما انا اقوم بتجهيز العشاء "
وتلك فينتيا الاغراء اذ ليس من يصنع الكعك بشكولاته كما تصنعه بوتي ، وسيسرها الحديث عن مشترياتها كما ان الغداء مرعليه وقت طويل ...ولكنها أجابت :" كلا شكراً يابوتي سانظم مشترياتي هذه ثم استحم لاحقاً "
كان قوام فينيتيا ممشوقاً حسن الشكل لاعيب فيه ولاكن ان لم تتحكم في شهيتها فستنتهي الى ان تصبح بدينه تماماً . ومنحت بوتي ابتسامه حلوة ثم استدرات تنظم اشياءها . اذا كان للحب هذه المقدره في جعلها تقاوم الاغراء امام كعكة الشكولاته فمرحباً بالحب !
ولكن للحب ناحيته الخطرة كذالك فهو يخيفها نوعاً ما ..وقد اعترفت لنفسها بذالك وهي في حوض الحمام المعطر . تعرف انها كانت مدللـه طوال حياتها ولكن عندما يضرب والدها بقدمه الارض فتعلم انه مصر على مايريد رغم كل محاولة من جانبها لتحمله على تغيير رأيه .
وهذا هو السبب في أن مواعيدها مع الاصدقاء كانت محدوده ومرافقوها يختارهم لها ابوها بنفسه بكل عنايه ، هذا كله الى جانب ثقافتها التي تلقتها في مدرسة البنات الداخليه المحافظه تحت اشراف المدرسات المتزنات كان يعني انه حتى اكثر التلميذات عناداً ومهاره لايمكن ان تتخطى الحدود للحظه واحده . كما ان خبرة فينيتيا قليله الى حد مؤسف ، والمشاعر والتي اثارها فيها كارلو روسي والطريقه والتي قفز فيها قلبها حين وقعت انظارها عليه او كلما فكرت فيه ثم هذه المشاعر الحلوه التي أخذت تنتابها لدى تصورها لقاءه مرة أخرى حين تبدو بمظهر المرأة الناضجه وليس التلميذه الكبيرة الجسم ذات الضفيره . كان كل هذا جديد عليها مما شعرت معه بكثير من البهجه وايضاً بشئ من الخوف حتى سيمون كيرو الذي كان اكثر مرافقيها انتظاماً في اصطحابها خارج المنزل لم يستطع ان يجعلها تفكر هكذا!
كان سيمون ذو الخامسة والعشرون منتصب القامه له جاذبيه لاتنكر بشكله السكسوني الاشقر . وقد رقي اخيراً الى رتبة مساعد شخصي لابيها في الشركه وكان هو مرافقها الشخصي المعتاد الى الحفلات والسهرات التي لايتمكن والدها من حضورها .
كان والدها يثق بسيمون تماماً ولاشك في ان عينيه كانتا ستبرزان من حدقتيهما لو علم ان فتاه الازرق العينين هذا يحاول اغواء فتاته الغاليه . اما الذي لم يستطع ان يفهمه هوان ابنته في امكانها العنايه بنفسها كما في استطاعتها التملص من مغازلات سيمون فهي لم تكن لتهتم به حتى عندما عرض عليها الزواج ، وقد اخبرته بذالك ولايمكن ان تخبر اباها عن مايحصل معها اذ لو علم والدها فان وضع سيمون كرافق لها سيتوقف حتماً لتجلس حبيسة البيت الى ان يجد لها ابوها فتى اخر يكون مرافقاً لها .
وقررت وهي تبتسم راضيه أن في امكانها رعاية نفسها لكن رضاها سرعان ماتلاشى وهي ترتجف اذ تستعيد صورة عيني كارلو المتألقتين الخلابتين ، انها لن تهتم برعاية نفسها اذا ماامتلأت تلك العينان العميقتان السوداوان بالعاطفه !
وكاد ارتداء ملابس العشاء ان يصبح مستحيلاً وهي في هذه الحاله ، فبعد ان مزقت زوجين من الجوارب السوداء المصنوعه من الحرير الخالص ، تمالكت مشاعرها لتهتم بما بين يديها حالياً صارفة اهتمامها عن مشاعرها المحيره منذ وقعت عينيها على ذالك الايطالي ..
أثناء انتظارهما هي ووالدها زيارة كارلو كان ابوها يأتي غالباً على ذكر الفرع الايطالي من اسرتهم وكانت تستمع اليه على سبيل المجامله متكلفه اهتماماً لم تشعر به ولكن الأمور اصبحت في غاية الاهميه فقد اصبح كل شئ يتعلق بكارلو موضع اهتمامها .
لقد انشقت الشركه منذ اكثر من مئة عام ، بعد ان جاء جدها الاكبر من ايطاليا الى انجلترا لانشاء فرع لها ومنذ ذالك الوقت اصبح فرع الاسره الذي انحدرت منه انجليزياً . وعندما نجحت الشركه في البيع بالتجزئة انتقل النجاح الى التصدير بالسفن .
ولكن الفرع الايطالي الذي اتى منه كارلو ازدهرت اعماله هو ايضاً فامتلكوا واحداً واربعين من الاسهم في الشركه البريطانيه في الوقت الذي كانوا يوسعون تجارتهم في ايطاليا وفرنسا ايضاً مقتنين المزارع حول فالنسيا ولفنادق المترفه في كل مدينه رئيسيه في العالم .
اما الذي جعل كارلو اكثر ثراء وقوة من ابيها فهو كما فهمت من حديث ابوها أن والد كارلو الذي كان مريضاً منذ عدة سنوات قد سلم مسؤولية ادارة امبراطورية روسي عملياً ان لم يكن اسمياً الى ولده كارلو .
والاكثر من ذالك أن زيارة كارلو كانت عباره عن غصن الزيتون لينهي هذه الفتره من الجفاء التي استمرت منذ كان والدها صغيراً ، خصاماً حول مجموعة من الاسهم في قسم الشركه البريطاني .. وأخذت فيني تفكر حالمه وقد ساورها الاغتباط في انها وكارلو لو تزوجا لتوحد الفرعان لتعود الشركة متحده .
وهذا غير مستحيل طبعاً ...!!
جلست فيني تنظر الى صورتها في المراه وهي تفكر في ان ذالك محتمل تماماً
في هذه الليله ستدع شعرها مرسلاً الى خصرها ، تثبته الى الخلف امشاط مذهبه وستبالغ في وضع الزينه على وجهها ليبرز لون بشرتها الاشبه بالقشده وكثافة اهدابها السوداء . اما ثوبها الغالي الثمن فقد كان يستحق كل قرش دفعته فيه ...هذه الليله لن ينظر كارلو روسي اليها كمراهقه كبيرة الحجم .
جعلتها الثقه بالنفس التي تلازم اولئك الذين اعتادوا ان ينالو كل مايريدونه في الحياة بسهولة تهبط السلم بخفه وكأنها تطير طيراناً بحذائها الانيق الخفيف ذي الكعب العالي . ورأت بوتي بمفردها في غرفة الجلوس الانيقه التي بادرتها قائله :" فيني ان اباك في غرفة المكتبة مع ضيفه ولا اظنهما سيخرجان قبل موعد العشاء . ثم اليس من الافضل ان تضعي فوق فستانك جاكته او ما اشبه ؟؟"
اجابت فيني بموده ساخره :" جاكته ؟ يالك من امرأة قديمة الطراز " وكانت مدبرة المنزل بوتي تسكب لنفسها كوب عصير ، فسكبت فيني لنفسها واحداً وهي تتابع حديثها :" انه على كل حال مساء جميل دافئ وأنا لااشعر بالبرد مطلقاً .."
فقالت بوتي بحدة وهي مازالت ترمق ثوب الفتاة باستياء :" ان حرارة الجو ليست هي التي تهمني ولكن منظرك غير لائق ماذا سيظن بذالك والدك المسكين؟ ولااقول ابن عمك ؟ ان تصور ذالك يجعلني ارتجف ! ان الشئ الذي ترتدينه لايليق بك .."
ارتسمت على شفتي فيني ابتسامه ماكرة وهي تفكر ان هذا بالظبط مكانت تهدف اليه . وتجاهلت تذمر بوتي الذي لاينتهي وحملت كوبها في يدها وخرجت الى الشرفه . كان الهواء المساء الدافئ عابقاً بأريج الورود وكان يلامس بشرتها برقه . وكان منظر نافذتي غرفة المكتبه المفتوحتين اللتين كانت تراهما من حيث تجلس ، اكثر مما تحتمله اعصابها .
لم تحلم قط بأن تقاطع مرة ابها اثناء احاديثه العمليه الخاصه في مكتبه فقد كان احترامها له اكبر من ان يسمح لها بذالك ! ولكن حاجتها الى ان تمتع ناظريها بمنظر كارلو الجذاب وان تريه نفسها كامرأة ناضجه كان كل هذا أقوى من ان تستطيع مقاومته في هذه الحظه .
ان كعب حذائها العالي جعلها تمشي دون وعي منها بشكل متمايل وهي تتوجه نحو غرفة المكتبه المبطنة الجدران بالكتب وعلى شفتيها ابتسامه هادئه واهدابها السوداء الكثيفه منسدله على عينيها وهي تقول بصوت ابح :" ان المساء اجمل من ان يضيع سدى بين الجدران ، الا تريدني ان اريك الحديقه ياكارلو ؟"
التقت عيناها بعينيه متحديه وتصاعدت خفقات قلبها وهو ينهض من على المقعد الجلدي . لقد كان هو ايضاً مرتدياً بذلة العشاء التي كانت عباره عن الجاكيت الرسمية السوداء المعتادة والقميص الابيض . واخذت عيناه الرائعتان تتفحصان عينيها لحظه طويله بنظرات يقظة متسائلة ثم التمعتا بينما لاحت على شفتيه شبه ابتسامه وذالك كـ جواب على تحديها الخفي ذاك .
ولمحت بطرف عينها والدها ينهض ايضاً من على كرسيه خلف مكتبه الضخم المكسو بالجلد ، شاعره بعدم رضاه لمقاطعتها لهما . ومن يدري ربما خمن السبب في هذا . وصرفته عن ذهنها الذي كان مركزاً فقط على عيني كارلو وهما تقيمان ثوبها .
واستدار كارلو الى ابيها الذي بدات على جانبي فمه ابتسامه خفيفه وهو يقول :" لم لا وربما ستأتي انت معنا ياسيدي فالمساء رائع كما تقول فينيتيا "
وتنفست فيني بارتياح عندما اجاب الرجل المسن قائلاً ببطء :" كلا اذهبا انتما وأرى كارلو الحديقه المائيه يافيني ولا تنسي الوقت فان بوتي ستقدم العشاء في خلال ساعه "
اجابته فينيتا بابتسامه مشرقه :" كلا لن انسى " وقطب أبوها جبينه بحيره وهي تتقدم الى جانب كارلو متجهة به نحو الباب الخارجي .
كانت كلمات كارلو غامضه متكلفه في مضمونها وهو يقول :" اليس من الافضل ان تتركي من يدك كوب العصير وتشربيه فيما بعد فلا احد سيسرقه منك "
قال ذالك وكأنها طفله لم يستطع ان يغريها بقطعة حلوى لكي تذهب رفضت ان تهزم فوقفت على قمة السلم ومنحته ابتسامه مسرعه وهي تقول له بصوت رقيق :" يمكنك ان تسرق مني اي شيء في اي وقت تشاء " ووضعت حافة الكوب على شفتيها وعيناها تتألقان بين اهدابها السوداء .
وقال كارلو فجأة :" فلنذهب الى الحديقة الماء اذن " وهزت فيني كتفيها بخفه وقد كرهت هذا الشعور الجديد عليها بعدم الثقه ، واخذت تراقبه بعينين غائمتين وهو يضع الكوب باحتراس على حافة الدرابزين ثم يهبط الدرجات الى الحديقة .
تمالكت نفسها ثم لحقت به بسرعه مما جعل احد كعبي حذائها يلتوي .
سألها :" لا اظنك ارتديت هذه الملابس لتخرجي بها !" وكان صوته من فولاذ ملفوفاً بالحرير وهو ينحيها جانباً بيدين ثابتتين ..
استعادت توازنها بشكل كاف لتقول له بصوت خافت :" هذا هراء انها نزهة فقط لقد دخل كعب حذائي في شرخ بين الاشجار ماسخف هذا " وتعلقت بذراعه بمثل الشدة التي امسكها هو بها ثم سارا في الممر المرصوف بالحصى .
كان في امكانها ان تشعر بانسحابه ، وكأن ابتعاده المتعمد ذاك يقصد به ترساً يحتمي وراءه . ولكن هذا لم يقلقها في الواقع ولماذا تقلق بينما كان في امكانه ان يستدير عائداً الى البيت رافضاً الاستمرار في السير لرؤية الحديقه ؟ ولكنه لم يرفض وشعرت بالبهجه لذالك لقد بقي بجانبها وكان يسير بخطوات قصيره لتتلاءم مع خطواتها .
ابتسمت لنفسها وهي تلقي نظره خاطفه على جانب وجهه بخطوطه الحازمه المتعاليه . انه لم يكن يستغلها لقد احست بشئ يختلف كثيراً عن مشاعر القربى وهو يقيم شكلها كما انتابها ذالك الشعور الخلاب بصلة القربى بينهما الذي كان من القوة بحيث لم يكن من المعقول ان لايكون قد انتبه اليه .
قالت بصوت خفف من حدة الصمت بينهما :" ذاك هو المكان تقريباً " كانت تريد ان تبين له انه كان على حق عندما قال انها لم تكن مرتديه ثيابها للخروج ذلك ان التنوره والكعب العالي لم يكونا ليسمحا لها بأن تخطو على تلك الممرات المرصوفه بالحصى او على المروج الخضراء وتابعت كلامها تساله :" كم ستمكث هنا ؟ " كانت تكلمه وهي تهبط باحتراس الدرجات الحجريه المغطاة بالطحالب تحت قنطرة في سياج الاشجار العالي الذي يفصل بين الاراضي .
أجاب كارلو :" اسبوعين او ثلاثة " ورفع كتفيه بعدم اهتمام ، ولاكنها تجاهلت هذا فاذا كان يتعمد اظهار عدم اهتمامه بها فهي كذالك ستتعمد ان تظهر له انها لم تلحظ حيلته تلك .
قالت له :" انه وقت كاف لكي اريك كل شيء " ونظرت اليه بعينين تومضان ببارقة امل ازاء ملامح وجهه العديمة المشاعر وهي تتخيل النزهات الطويله في الريف معه وتناولهما العشاء في المطاعم وربما رحلات بالسيارة في جبال وايلز ..
وسالها كارلو :" هل مازلتي تذهبين الى المدرسه ؟ أم انك تعملين ؟" وانتظر بأدب الى ان هبطت اخر درجه حجريه ، حتى اجابت بمرح :" المدرسه طبعاً لا " متظاهرة بهذا الجواب بأن ايام الدراسه هي ذكرى غائمه بعيدة ، لاتريد ان تخبره بأن اخر امتحان لها كان منذ ثلاثة اسابيع فقط فتذكره بذالك بعمرها الصغير وتابعت تقول :" انظر ها اننا وصلنا " وكانا قد دخلا كهفاً مليئاً بصوت ورائحة الماء