الشاعر : نزار قباني
التقصير
------------------
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
أحلُمُ بالتغييرْ
وأَكتُبُ القصيدةَ الثورةَ.. والقصيدةَ الأزْمةَ..
والقصيدةَ الحريرْ...
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
وأكتبُ التاريخَ بالشكل الذي أَشاءْ..
وأجعلُ النقاطَ، والحروفَ ، والأسماءَ ، والأفعالَ،
تحت سُلْطَة النساءْ.
وأدَّعي بأنّني الأوّلُ في فَنِّ الهوى..
وأنَّني الأخيرْ..
***
وعندما دخلتُ .. يا سيِّدتي
إنْكَسَرتْ فوق يدي قارورةُ العبيرْ
وانْكَسَرَ التعبيرْ...
***
ولا أزالُ كلَّما سافرتُ في عينَيْكِ .. يا حبيبتي
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
قُبَيْلَ أن أراكِ يا حبيبتي..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
******************************************
قصيدة سريالية
-------------------------
1
لا أنتِ ، يا حبيبتي ، معقولةٌ
ولا أنا معقولْ..
هل من صفات الحُبِّ..
أن يُحَطِّمَ العاديَّ ، والمألوفَ ، والمعقولْ؟
هل من شروط الحُبِّ ..
أن نجهلَ ، يا حبيبتي ، أسماءَنا؟
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
أن لا نَرَى أمامَنا..
ولا نَرَى وراءَنا..
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
بأنْ أُسَمَّى قاتلاً حينَ أنا المقتولْ..
2
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ
فَشَطِّبي _ حينَ أكونُ غاضباً
من كلماتي ، نِصْفَ ما أقُولْ..
وهذِّبي مشاعري..
وقَلِّمي أظَافري..
ولَمْلِمي جميعَ ما أرميهِ من شوكٍ ومن وُحُولْ
وصَدِّقيني دائماً..
حين أجيءُ حاملاً إليكِ يا حبيبتي
الأزهارَ .. والأقمارَ .. والفُصُولْ..
3
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ..
ورغْمَ هذا..
يستمرُّ الرفْضُ والقَبُولْ
ورغْمَ هذا ..
يستمرُّ الضِحْكُ ، والصُرَاخُ ، والشُرُوقُ ، والأُفُولْ
فما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو أنتِ قد أعطيتني يَدَيْكِ
وسافرتْ يَدَايَ فوق الذَهَب المَشْغُولْ
وما الذي نخسرُ يا مليكتي؟
لو انْطَلَقْنَا مثلَ عُصْفُورَيْنِ في الحُقُولْ
وما الذي نخسرُ يا أميرتي؟
إذا طَبَعْتُ قُبْلةً في الأحمر الخَجُولْ..
وما الذي نخسرُ يا سبيكتي؟
إذا ارْتَفَعْنَا مثل صُوفيٍّ إلى مرتبة الفَنَاءِ والحُلُولْ
وما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو نحنُ صلَّيْنا على الرَسُولْ..
**************************************
من يوميّات رجل مجنون
----------------------------
1
إذا ما صَرَختُ:
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
فلا تُسْكِتيني.
إذا ما أضعتُ اتزّاني
وطَوَّقتُ خَصْرَكِ فوق الرصيفِ،
فلا تَنْهَريني..
إذا ما ضَرَبتُ شبابيكَ نَهْدَيْكِ
كالبَرْقِ، ذات مَسَاءٍ
فلا تُطْفئيني..
إذا ما نَزَفْتُ كديكٍ جريحٍ على سَاعِدَيْكِ
فلا تُسْعِفيني..
إذا ما خرجتُ على كلِّ عُرْفٍ ، وكُلِّ نظامٍ
فلا تَقْمَعيني..
أنا الآن في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضيعين فُرْصَةَ عُمْركِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
2
إذا ما تدفَّقْتُ كالبحر فوقَ رِمَالكِ..
لا تُوقِفيني..
إذا ما طلبتُ اللجوءَ إلى كُحْل عَيْنَيْكِ يوماً،
فلا تطرُديني..
إذا ما انْكَسَرتُ فتافيتَ ضوءٍ على قَدَميْكِ،
فلا تَسْحقيني..
إذا ما ارْتَكَبْتُ جريمةَ حُبٍّ..
وضَيَّع لونُ البرونْزِ المُعَتَّقِ في كَتِفَيْكِ .. يقيني
إذا ما تصرّفتُ مثلَ غُلامٍ شَقيٍّ
وغَطَّسْتُ حَلْمَةَ نهداكِ بالخَمْرِ...
لا تَضْرِبيني.
أنا الآنَ في لَحَظات الجُنُونِ الكبيرِ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
4
إذا ما كتبتُ على وَرَق الوردِ،
أَنِّي أُحِبُّكِ...
أرجوكِ أَنْ تقرأيني..
إذا ما رَقَدتُ كطفلٍ، بغاباتِ شَعْرِكِ،
لا تُوقظيني.
إذا ما حملتُ حليبَ العصافير .. مَهْرَاً
فلا تَرْفُضيني..
إذا ما بعثتُ بألفِ رسالةِ حُبٍّ
إليكِ...
فلا تُحْرِقيها .. ولا تُحْرِقيني..
5
إذا ما رأَوكِ معي، في مقاهي المدينة يوماً،
فلا تُنكريني..
فكُلُّ نِسَاء المدينة يعرفْنَ ضَعْفي أمامَ الجَمَالِ..
ويعرفنَ ما مصدرُ الشِعْرِ والياسمينِ..
فكيف التَخَفّي؟
وأنتِ مُصَوَّرَةٌ في مياه عُيوني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُون المُضيءِ
وسوفَ تُضِيعينَ فُرْصَةَ عُمْركِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني.
6
إذا ما النبيذُ الفَرَنْسيُّ ،
فَكَّ دبابيسَ شَعْرِكِ دونَ اعتذارِ
فحاصَرَني القمحُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني الليلُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني البحرُ من كُلِّ جانبْ
وأصبحتُ آكلُ مثلَ المجانينِ عُشْبَ البراري..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يميني..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يساري؟
7
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى الفُروقَ القديمةَ بين بقائي وبين انتحاري
فأرجوكِ ، باسْمِ جميع المجاذيبِ ، أن تَفْهَميني
وأرجوكِ، حين يقولُ النبيذُ كلاماً عن الحُبِّ.
فوق التوقُّع .. أن تعذُريني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُونِ البَهيِّ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمركِ
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنوني..
8
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألْغَى الوُجُوهَ ،
وألْغَى الخُطُوطَ،
وألْغَى الزوايا.
ولم يَبْقَ بين النساءِ سواكِ.
ولم يَبْقَ بين الرجال سوايا.
وما عدتُ أعرفُ أين تكونُ يَدَاكِ ..
وأينَ تكونُ يدايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُفرِّقُ بين النبيذِ،
وبين دِمَايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُميِّز بين كلام يديْكِ
وبين كلام المرايا..
إذا ما تناثرتُ في آخر الليل مثلَ الشظايا
وحاصَرَني العشْقُ من كُلِّ جانبْْ
وحاصَرَني الكُحْلُ من كُلِّ جانبْ
وضَيَّعتُ إسْمي.
وعُنوانَ بيتي..
وضيَّعْتُ أسماءَ كُلِّ المراكِبْ
فأرجوكِ ، بعد التناثُرِ ، أن تَجْمَعيني.
وأرجوكِ ، بعدَ انْكِساريَ ، أن تُلْصِقيني
وأرجوكِ ، بعدَ مَمَاتيَ ، أن تَبْعَثيني
أنا الآن في لَحَظاتِ الجنونِ الكبيرِ
وسوف تُضِيعين فُرْصَةَ عُمْرِكِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنوني.
9
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ ،
شالَ الكيمونُو عن الجَسَد الآسيويِّ
فأطْلَعَ من عُتْمةِ النَهْد فَجْرَا
وأطْلَعَ منهُ مَحَاراً..
وأطْلَعَ منه نُحاساً، وشاياً وعاجاً
وأطْلَعَ أشياءَ أُخرى..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى اللُّغاتِ جميعاً.
وحوَل كُلَ الثقافات صِفْرَا..
وكُلَّ الحضاراتِ صِفْرَا
وحوَّل ثَغْرَكِ بُسْتَانَ وردٍ
وحوَّلَ ثَغْريَ خمسين ثَغْرا..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ أعلنَ في آخر الليلِ ،
أنّكِ أحلى النساءْ..
وأرشقُهُنَّ قواماً وخَصْرَا
وأعْلَنَ أنَّ الجميلاتِ في الكون نَثْرٌ
ووَحْدَكِ أنتِ التي صِرْتِ شِعْرَا
فباسْم السُكَارى جميعاً
وباسْمِ الحَيَارى جميعاً
وباسْمِ الذينَ يُعانونَ من لعنة الحُبِّ ،
أرجوكِ لا تَلْعَنيني..
وباسْمِ الذين يعانونَ من ذَبْحةِ القلبِ،
أرجوكِ لا تَذْبحيني..
أنا الآنَ في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضِيعين فُرْصَة عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني..
تابع