الشاعر : نزار قباني
بالأحمرِ فقـَـط
-----------------------
في كل مكان في الدفتر
إسمك مكتوب بالأحمر
حبك تلميذ شيطان
.. يتسلى بالقلم الأحمر
يرسم أسماكا من ذهب
ونساء .. من قصب السكر
وهنودا حمرا .. وقطارا
.. ويحرك آلاف العسكر
يرسم طاحونا ، وحصانا
.. يرسم طاووسا يتبختر
وامرأة يرسم .. عارية
.. ولها ثديان من المرمر
يرسم عصفورا من نار
مشتعل الريش ، ولا يحذر
وقوارب صيد ، وطيورا
.. وغروبا وردي المئزر
يرسم بالورد والياقوت
ويترك جرحا في الدفتر
حبك رسام مجنون
.. لا يرسم إلا .. بالأحمر
، ويخربش فوق جدار الشمس
ولا يرتاح ، ولا يضجر
ويصور عنترة العبسي
ويصور عرش الإسكندر
ما كل قياصرة الدنيا؟
. ما دمت معي .. فأنا القيصر
*****************************************
مـع بيروتيه
--------------------
.. لم يبقى سوانا في المطعم
لم يبقى سوى
.. ظل الرأسين الملتصقين
لم يبقى سوى
.. حركات يدينا العاشقتين
وبقايا البن الراسب
.. في أعماق الفنجانين
.. لم يبق سوانا في المطعم
.. بيروت . تغوص كلؤلوة
.. داخل عينيك السوداوين
.. بيروت . تغيب بأكملها
، رملا ، وسماء ، وبيوتا
.. تحت الجفنين المنسبلين
، بيروت . أفتش عن بيروت
.. على أهدابك ، والشفتين
فأراها طيرا بحريا
وأرها عقدا ماسيا
.. وأرها امرأة فاتنة
تلبس قبعة من ريش
تشبك دبوسا ذهبيا
وتخبيء .. زهرة غاردينيا
.. خلف الأذنين
بيروت ! وأنت على صدري
.. شيء .. لا يحدث في الرؤيا
.. من يوم تلاقينا فيها
.. صارت بيروت
.. هي الدنيا
لم يبقى سوانا .. في المطعم
.. شال الكشمير .. على كتفيك
.. يرف حديقة ريحان
.. يدك الممدودة .. فوق يدي
.. أعظم من كل التيجان
.. عيناك .. أمامي صافيتان
.. صفاء سماء حزيران
وطفولة وجهك مقنعة
.. أكثر من كل الأديان
ما دامت مملكتي عينيك
.. فإني سلطان زماني
.. المطعم أصبح مهجورا
.. وأنا أتأمل فنجاني
ماذا سيكون بفنجاني ؟
، غير الأمطار ، وغير الريح
.. وغير طيور الأحزان
.. تذبحني امرأة من لبنان
.. تساوي ملك سليمان
.. آه.. يا حبي اللبناني
.. آه.. يا جرحي اللبناني
.. لا غيرك يسكن ذاكرتي
لا غيرك يسكن أجفاني
قد ماتت كل نساء الأرض
.. وأنت بقيت بفنجاني
***********************************
يَدي
--------------
جزءاً من يدي
جزءاً من انسيابها
من جوها الماطر
من سحابها
.. كأنما
في لحمها ، حفرت
.. في أعصابها
.. أصبحت جزءا من يدي
، أراك في عروقها ، في غيمها الازرق ، في ضبابها
أراك في هدوئها
أراك في اضطرابها
، في حزنها ، في صمتها الطويل ، في اكتئابها
أراك في الدمع الذي
.. يقطر من أهدابها
أراك يا حبيبتي
.. على يدي نائمة
.. كطفلة نامت على كتابها
.. أصبحت جزءاً من يدي
إسمك مكتوب على أبوابها
وجهك مرسوم على ترابها
.. تذكري
كم مرة .. لعبت بالثلج على هضابها
وضعت كالنجمة في أعشابها
.. كم مرة
.. دفأت كفيك على أحطابها
لا .. لست جزءاً من يدي
. أنت يدي
بشمسها .. وبحرها
.. وطهرها .. وكفرها
.. ونثرها .. وشعرها
، وحبك المحفور ، بالسكين
.. في أعصابها
************************************
قصة خلافاتنا
-----------------------
برغم .. برغم خلافاتنا
.. برغم جميع قراراتنا
.. بأن لانعود
.. برغم العداء .. برغم الجفاء
.. برغم البرود
.. برغم انطفاء ابتساماتنا
.. برغم انقطاع خطاباتنا
.. فثمة سر خفي
.. يوحد مابين أقدارنا
.. ويدني مواطئ أقدامنا
.. ويفنيكِ فيّ
.. ويصهر نار يديكِ بنار يديّ
.. برغم جميع خلافاتنا
.. برغم اختلاف مناخاتنا
.. برغم سقوط المطر
.. برغم استعادة كل الهدايا .. وكل الصور
.. برغم الإناء الجميل
.. الذي قلت عنه.. انكسر
..برغم رتابة ساعاتنا
.. برغم الضجر
..فلا زلت أؤمن أن القدر
.. يصر على جمع أجزائنا
.. ويرفض كل اتهاماتنا
.. برغم خريف علاقاتنا
.. برغم النزيف بأعماقنا
..وإصرارنا
.. على وضع حد لمأساتنا
.. بأي ثمن
.. برغم جميع ادعاءاتنا
.. بأنيَ لن
.. وأنكِ لن
.. فإني أشك بإمكاننا
.. فنحن برغم خلافاتنا
.. ضعيفان في وجه أقدارنا
.. شبيهان في كل أطوارنا
.. دفاترنا .. لون أوراقنا
.. وشكل يدينا .. وأفكارنا
.. فحتى نقوش ستاراتنا
.. وحتى اختيار اسطواناتنا
.. دليل عميق
.. على أننا
.. رفيقا مصير .. رفيقا طريق
.. برغم جميع حماقاتنا
تابع