الشاعر : نزار قباني
تكتبين الشعر.. وأوقع أنا..
--------------------------------
1
ليس لي القدرةُ على تغييرك
أو على تفسيركْ..
لا تُصدّقي أنَّ رجلاً يمكنه تغييرُ امرأهْ..
وباطلةٌ دعاوى كلِّ الرجال الذين يتوهّّمونْ،
أنهمْ صنعوا المرأةَ من أَحَد أضلاعِهِمْ..
المرأةُ لا تخرجُ من ضِلْع الرَجل أبداً..
هو الذي يخرجُ من حَوْضِها..
كما تخرجُ السَمَكَةُ من حَوْض الماءْ
وهو الذي يتفرَّعُ منها،
كما تتفرَّعُ السواقي من النَهْر..
وهو الذي يدورُ حولَ شَمْس عَيْنَيْها..
ويتصوَّرُ أنَّهُ ثابتٌ في مكانِهْ..
2
ليس لي القدرةُُ على تعليمكِ أيّ شيءْ..
فنهداكِ دائِرَتا مَعَارفْ..
وشفتاكِ هما خلاصةُ تاريخ النبيذْ
إنّكِ امرأةٌ مكتفيةٌ بذاتها
زَيْتُكِ منكِ..
وقمحُكِ منكِ..
ونارُكِ منكِ..
وصيفُكِ وشتاؤكِ..
وبَرْقُكِ ورعدُكِ..
ومَطَرُكِ وثلجُكِ..
ومَوْجُكِ وزَبَدُكِ .. كلُُّها منكِ..
ماذا أُعلّمكِ يا امرأهْ؟
مَنْ يستطيع أن يٌقْنِعَ سنجاباً بالذهاب إلى المدرسَهْ؟
مَنْ يستطيع أن يقنِعَ قِطَّاً سياميّاً بالعزف على البيانو؟...
مَنْ يستطيع أن يُقنِعَ سمكةَ القِرْشْ..
بأن تُصبحَ راهبَهْ..
3
ليس لي القدرةُ على ترويضكِ..
أو تَدْجينِكِ ..
أو تهذيبِ غرائزكِ الأُولى.
هذه مهمّةٌ مستحيلَه..
لقد جرّبتُ ذكائي معكِ..
وجرّبتُ أيضاً غَبَائي..
فلم تنفعْ معكِ هدايةٌ ولا غِوايَهْ..
خَلّيكِ بدائيةً كما أنتِ..
خَلّيكِ مِزَاجيَّةً كما أنتِ..
خَلِّيكِ هجوميَّةًً كما أنتِ..
ماذا يبقى من إفريقيا؟...
إذا أخذنا منها نُمُورَها.. وبَهَاراتِها..
ماذا يبقى من جزيرة العربْ؟
إذا أخذنا منها..
مَجْدَ النفْْطِ..
ومَجْدَ الخيل!!
4
ليس لي القدرةُ على كَسْرِ عاداتِكْ..
هكذا أنتِ منذ ثلاثين سَنَهْ
منذُ ثلاثمِئةِ سَنَهْ..
منذُ ثلاثةِ آلافِ سَنَه..
إعصارٌ محبوسٌ في زٌجاجَهْ..
جَسَدٌ يتحسَّسُ رائحةَ الرَجُل بالفِطْرَهْ..
ويهاجمه بالفِطْرَهْ..
وينتصرُ عليهِ بالفِطْرَه..
فلا تُصَدِّقي ما يقولُهُ الرجلُ عن نفسِهْ،
بأنه هو الذي يصنعُ القصائدْ..
ويصنعُ الأطفالْ..
إن المرأةَ هي التي تكتُبُ الشّعْرْ..
والرجلُ هو الذي يوقِّعُهْ..
والمرأةُ هي التي تنجبُ الأطفالْ..
والرجلُ هو الذي يُوقِّعُ في مستشفى الولادَهْ..
بأنّه أصبحَ أباً.!!
5
ليس لي القدرةُ على تغيير طبيعتِكْ..
لا كُتبي تنفعُكِ..
ولا قَنَاعَاتي تُقْنِعُكِ..
ولا نصائحي الأبويَّةُ تفيدكْ..
أنتِ ملكةُ الفوضى، والجُنُون، وعَدَمِ الانتماءْ
فظلِّي كما أنتِ..
أنتِ شَجَرةُ الأنوثة التي تكبُرُ في العُتمَهْ..
ولا تحتاجُ إلى شمسٍ وماءْ..
أنتِ أميرةُ البحر التي أحبّتْ كلَّ الرجالْ
ولم تُحبَّ أَحَداً..
وضاجَعَتْ كلَّ الرجال.. ولم تُضَاجعْ أحداً..
أنتِ البدَويَّةُ التي ذَهَبَتْ مع كلِّ القبائلْ
وعادتْ عذراءْ..
فَظَلّي كما أنتِ..
***************************************
إلى سيدة تصطنع الهدوء
------------------------------
خُذي وَقْتَكِ، يا سيدتي العزيزَهْ
فلا أحدَ يُرغمُكِ على الإدلاء باعترافاتٍ كاذبَهْ
ولا أحدَ يُريدُ منكِ أن تفعلي الحبَّ..
تحت تأثير الخمرة.. أو المُخدِّرْ.
كما لو كنتِ تخلعينَ أحدَ أضراسِكْ..
لستِ مُضطرةً للتَبَرُّع بنِصْفِ فَمِكْ..
أو نصفِ يدِكْ..
فلا الشفاهُ قابلةٌ للقِسْمَهْ..
ولا الأنوثةُ قابلةٌ للقِسْمَهْ..
هذا هو الموقفُ يا سيّدتي..
فلا تخاطبيني وأنتِ مُضْطَجعةٌ على سريركِ الملكيّْ
فآخرُ اهتماماتي.. سَنْدُ خاصِرَةِ المَلِكاتْ..
وقراءةُ شعري..
في مجالسِ الملكاتْ..
2
خُذِي الوقْتَ الذي تستغرقُهُ اللؤلؤةُ لتتشكَّلْ.
والسُنُونوَّةُ لتصنعَ بجناحيها صيفاً..
خُذِي الوقْتَ الذي يستغرقُهُ النهدْ..
ليصبحَ حصاناً أبيضْ..
خذي الأزْمِنَةَ التي ذَهَبَتْ..
والأزْمِنَةَ التي سوف تأتي..
فالمسافةُ طويلَهْ..
بين آخر النبيذ.. وأوَّلِ الكِتابَهْ
وأنا لستُ مستعجلاً عليكِ..
أو على الشِّعْرْ..
فالعيونُ الجميلةُ غير قابلةٍ للاغتصابْ..
والكلماتُ الجميلةُ غيرُ قابلةٍ للاغتصابْ..
والذين لهمْ خبرةٌ بشؤون البحرْ..
يعرفونَ أنَّ السُفُنَ الذكيّةَ لا تستعجلُ الوصول..
وان السواحلَ هي شيخوخةُ المراكبْ..
3
خُذِي وَقْتَكِ..
أيّتُها السيّدةُ التي تصطنعُ الهدوءْ
إنني لا أُطالبُكِ بارتجالِ العواطفْ..
فلا أحدَ يستطيع تفجيرَ ماء الينابيعْ
ولا أحدَ يستطيع رَشْوَةَ البَرق والرعدْ..
ولا أحدَ يستطيعُ إكراهَ قصيدةٍ
على النوم مع شاعرٍ لا تُريدُهْ..
4
خُذي وقْتَكِ.. أيّتها الهوائيَّةُ الأطوارْ..
يا امرأةَ التحوُّلات، والطقْسِ الذي لا يستقِرْ
أيتها المسافرةُ بين القُطبِ.. وخَطِّ الإستواءْ
بين انفجارات الشِعْر.. ورَمَادِ الكلام اليوميّْ
خُذي وَقْتَكِ..
خُذي وَقْتَكِ..
إن نارَ الحطب لا تزال في أوّلها..
ونارَ القصيدة لا تزال في أوّلِها..
وأنا لستُ مستعجلاً على انشقاق البحرْ..
وذوبان الثلوج.. على مرتفعات نهديْكْ..
إنني لا أطالبُكِ بإحراق سُفُنِكْ..
والتخلّي عن مملكتك.. وحاشيتكْ.. وامتيازاتِك الطَبَقيَّهْ..
لا أطالبُكِ بأن تركبي معي فَرَسَ الجنونْ..
فالجنونُ هو موهبةُ الفقراء وحدَهمْ..
والشعراء وحْدَهم..
وأنتِ تريدينَ أن تحتفظي بتاج الملِكاتْ..
لا بتاج الكلماتْ..
أنتِ امرأةُ العقل الذي يحسب حساباً لكلّ شيءْ
وأنا رجُلُ الشِعْر الذي لا يُقيم حساباً لأيِّ شيءْ..
تابع