صحيح البخاري - للإمام أبي عبدالله بن اسماعيل البخاري
44 - كتاب الكفالة
1 - باب: الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها.
وقال أبو الزناد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه:
أن عمر رضي الله عنه بعثه مصدقا، فوقع رجل على جارية امرأته، فأخذ حمزة من الرجل كفيلا حتى قدم على عمر، وكان عمر قد جلده مائة جلدة، فصدقهم وعذره بالجهالة.
وقال جرير والأشعث: لعبد الله بن مسعود في المرتدين: استتبهم وكفلهم، فتابوا، وكفلهم عشائرهم، وقال حماد: إذا تكفل بنفس فمات فلا شيء عليه، وقال الحكم: يضمن.
2169 - قال أبو عبد الله: وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعضهم بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال فأئتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته،
ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدا).
[ 1427]
2 - باب: قول الله تعالى: {والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}.
2170 - حدثنا الصلت بن محمد: حدثنا أبو أسامة، عن إدريس، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما:
{ولكل جعلنا موالي}. قال: ورثة: {والذين عاقدت أيمانكم}. قال: كان المهاجرون لما قدموا إلى المدينة، يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت: {ولكل جعلنا موالي} نسخت، ثم قال: {والذين عاقدت أيمانكم} إلا النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصي له.
[4304، 6366]
2171 - حدثنا قتيبة: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه قال:
قدم علينا عبد الرحمن بن عوف، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع.
[ 1944]
2172 - حدثنا محمد بن الصباح: حدثنا إسماعيل بن زكرياء: حدثنا عاصم قال:
قلت لأنس رضي الله عنه: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حلف في الإسلام). فقال: قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري.
[5733، 6909]
3 - باب: من تكفل عن ميت دينا، فليس له أن يرجع.
وبه قال الحسن.
2173 - حدثنا أبو عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: (هل عليه من دين). قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقال: (هل عليه من دين). قالوا: نعم، قال: (صلوا على صاحبكم). قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، فصلى عليه.
[ 2168]
2174 - حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: حدثنا عمرو: سمع محمد ابن علي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا). فلم يجيء مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر فنادى: من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة، أو دين فليأتنا، فأتيته فقلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا، فحثى لي حثية، فعددتها، فإذا هي خمسمائة، وقال: خذ مثليها.
[2458، 2537، 2968، 2993، 4122]
4 - باب: جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده.
2175 - حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير:
أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين.
وقال أبو صالح: حدثني عبد الله، عن يونس، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبوي قد إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد
أن أسيح في الأرض فأعبد ربي. قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة، ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز، فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم، فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك، فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة: أبا بكر، فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: إني أرد لك جوارك، وأرضى جوار الله. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين). وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي). قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: (نعم). فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
[ 464]
5 - باب: الدين.
2176 - حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى، عليه الدين، فيسأل: (هل ترك لدينه فضلا). فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين: (صلوا على صاحبكم). فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته).
[2268، 2269، 4503، 5056، 6350، 6364، 6382]