منتديات شريف سليمان

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    موسوعة الشاعر محمود سامى البارودى

    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    موسوعة الشاعر محمود سامى البارودى  Empty موسوعة الشاعر محمود سامى البارودى

    مُساهمة من طرف شـريـف 23/11/2010, 10:15 pm



    الشاعر: محمود سامي البارودي

    ولد محمود سامي البارودي في 6 أكتوبر عام 1839 في حي باب الخلق بالقاهرة .

    - بعد أن أتم دراسته الإبتدائية عام 1851 إلتحق بالمرحلة التجهيزية من " المدرسة الحربية المفروزة " وانتظم فيها يدرس فنون الحرب ، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر .

    - تخرج في " المدرسة المفروزة " عام 1855 ولم يستطع إستكمال دراسته العليا ، والتحق بالجيش السلطاني .

    - عمل بعد ذلك بوزارة الخارجية وذهب إلى الأستانة عام 1857 وأعانته إجادته للغة التركية ومعرفته اللغة الفارسية على الإلتحاق " بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية " وظل هناك نحو سبع سنوات (1857-1863 ) .

    - بعد عودته إلى مصر في فبراير عام 1863 عينه الخديوي إسماعيل " معيناً " لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والآستانة .

    - ضاق البارودي بروتين العمل الديواني ونزعت نفسه إلى تحقيق آماله في حياة الفروسية والجهاد ، فنجح في يوليو عام 1863 في الإنتقال إلى الجيش حيث عمل برتبة " البكباشي " العسكرية وأُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائداً لكتيبتين من فرسانه ، وأثبت كفاءة عالية في عمله .

    - تجلت مواهبه الشعرية في سن مبكرة بعد أن استوعب التراث العربي وقرأ روائع الشعر العربي والفارسي والتركي ، فكان ذلك من عوامل التجديد في شعره الأصيل .

    - اشترك الفارس الشاعر في إخماد ثورة جزيرة كريد عام 1865 واستمر في تلك المهمة لمدة عامين أثبت فيهما شجاعة عالية وبطولة نادرة .

    - كان أحد أبطال ثورة عام 1881 الشهيرة ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع أحمد عرابي ، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية في فبراير عام 1882 .

    - بعد سلسلة من أعمال الكفاح والنضال ضد فساد الحكم وضد الإحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 قررت السلطات الحاكمة نفيه مع زعماء الثورة العرابية في ديسمبر عام 1882 إلى جزيرة سرنديب .

    ظل في المنفى أكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه ، فسجّل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه .

    - بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره فتقرر عودته إلى وطنه مصر للعلاج ، فعاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر عام 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد " أنشودة العودة " التي قال في مستهلها :

    أبابلُ رأي العين أم هذه مصرُ فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ

    - توفي البارودي في 12 ديسمبر عام 1904 بعد سلسلة من الكفاح والنضال من أجل إستقلال مصر وحريتها وعزتها .

    - يعتبر البارودي رائد الشعر العربي الحديث الذي جدّد في القصيدة العربية شكلاً ومضموناً ، ولقب بإسم " فارس السيف والقلم " .

    *****************************************
    قلدتُ جيدَ المعالى ِ حلية َ الغزلِ

    قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ وَقُلْتُ فِي الْجِدِّ مَا أَغْنَى عَنِ الْهَزَلِ
    يأبى لى َ الغى َّ قلب لا يميلُ بهِ عَنْ شِرْعَة ٍ الْمَجْدِ سِحْرُ الأَعْيُنِ النُّجُلِ
    أَهِيمُ بِالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ بَاسِمَة ً عنْ غرة ِ النصرِ ، لا بالبيضِ في الكللِ
    لَمْ تُلْهِنِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ غَانِيَةٌ فِي لَذَّةِ الصَّحْوِ مَا يُغْنِي عَنِ الثَّمَلِ
    كمْ بينَ منتدبٍ يدعو لمكرمة ٍ وَبَيْنَ مُعْتَكِفٍ يَبْكِي عَلَى طَلَلِ
    لَوَلا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْخَلْقِ مَا ظَهَرَتْ مَزِيَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَلْيِ وَالْعَطَلِ
    فانهض إلى صهواتِ المجدِ معتلياً فالبازُ لمْ يأوِ إلاَّ عاليَ القللِ
    ودعْ منَ الأمرِ أدناهُ لأبعدهِ في لجة ِ البحرِ ما يغنى عنِ الوشلِ
    قدْ يظفرُ الفاتكُ الألوى بحاجتهِ وَيَقْعُدُ الْعَجْزُ بِالْهَيَّابَة ِ الْوَكَلِ
    وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ تَسْلَمْ، فَرُبَّ فَتى ً ألقى بهِ الأمنُ بينَ اليأسِ وَ الوجلِ
    وَ لا يغرنكَ بشرٌ منْ أخى ملقٍ فرونقُ الآلِ لا يشفى منَ الغللِ
    لوْ يعلمُ ما في الناس منْ دخنٍ لَبَاتَ مِنْ وُدِّ ذِي الْقُرْبَى عَلَى دَخَلِ
    فَلا تَثِقْ بِوَدَادٍ قَبْلَ مَعْرِفَةٍ فَالْكُحْلُ أَشْبَهُ فِي الْعَيْنَيْنِ بِالْكَحَلِ
    وَاخْشَ النَّمِيمَة َ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَائِلَهَا يصليكَ منْ حرهاَ ناراً بلاَ شعلِ
    كمْ فرية ٍ صدعتْ أركانَ مملكة ٍ وَمَزَّقَتْ شَمْلَ وُدٍّ غَيْرِ مُنْفَصِلِ
    فاقبلْ وصاتي ، وَ لا تصرفكَ لاغية ٌ عنى ؛ فما كلُّ رامٍ منْ بنى ثعل
    إني امرؤٌ كفنى حلمي ، وأدبني كرُّ الجديدينِ منْ ماضٍ وَ مقتبلِ
    فَمَا سَرَيْتُ قِنَاعَ الْحِلْمِ عَنْ سَفَهٍ وَلاَ مَسَحْتُ جَبِينَ الْعِزِّ مِنْ خَجَلِ
    حلبتُ أشطرَ هذا الدهرِ تجربة ً وَذُقْتُ مَافِيهِ مِن صَابٍ، وَمِنْ عَسَلِ
    فَمَا وَجَدْتُ عَلَى الأَيَّامِ بَاقِيَة ً أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ حُرِّيَّة ِ الْعَمَلِ
    لكننا غرضٌ للشرَّ في زمنٍ أَهْلُ الْعُقُولِ بِهِ فِي طَاعَة ِ الْخَمَلِ
    قامتْ بهِ منْ رجالِ السوءِ طائفة ٌ أدهى على النفسْ منْ بؤسٍ على ثكلِ
    منْ كلَّ وغدٍ يكادُ الدستُ يدفعهُ بُغْضاً، وَيَلْفِظُهُ الدِّيوانُ مِنْ مَلَلِ
    ذَلَّتْ بِهِمْ مِصْرُ بَعْدَ الْعِزِّ، واضْطَرَبَتْ قواعدُ الملكِ ، حتى ظلَّ في خللِ
    وَأَصْبَحَتْ دَوْلَة ُ «الْفُسْطَاطِ» خَاضِعَة ً بَعْدَ الإِباءِ، وَكَانَتْ زَهْرَة َ الدُّوَلِ
    قومٌ إذا أبصروني مقبلاً وجموا غَيْظاً، وَأَكْبَادُهُمْ تَنْقَدُّ مِنْ دَغَلِ
    فَإِنْ يَكُنْ سَاءَهُمْ فَضْلِي فَلا عَجَبٌ فَالشَّمْسُ وَهيَ ضِيَاءٌ آفَةُ الْمُقَلِ
    نزهتُ نفسيَ عما يدنيونَ بهِ وَ نخلة ُ الروضِ تأبى شيمة َ الجعلِ
    بئسَ العشيرُ ، وبئستْ مصرُ منْ بلدٍ أضحتْ مناخاً لأهلِ الزورِ وَ الخطلِ
    أرضٌ تأثلَ فيها الظلمُ ، وانقذفتْ صواعقُ الغدرِ بينَ السهلِ وَ الجبلِ
    وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ لَمْ يَخْطُ فِيهَا امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى زَلَلِ
    لَمْ أَدْرِ مَا حَلَّ بِالأَبْطَالِ مِنْ خَوَرٍ بَعْدَ الْمِراسِ، وَبِالأَسْيَافِ مِنْ فَلَلِ
    أَصَوَّحَتْ شَجَرَاتُ الْمَجْدِ، أَمْ نَضَبَتْ غدرُ الحمية ِ حتى ليسَ منْ رجلِ ؟
    لاَ يدفعونَ يداعنهمْ ، وَ لوْ بلغتْ مسَّ العفافة ِ منْ جبنٍ ، وَ منْ خزلِ
    خَافُوا الْمَنِيَّة َ، فَاحْتَالُوا، وَمَا عَلِمُوا أنَّ المنية َ لاَ ترتدُّ بالحيلِ
    فَفِيمَ يَتَّهِمُ الإِنْسَانُ خالِقَهُ وَ كلُّ نفسٍ لها قيدٌ منَ الأجلِ ؟
    هيهاتَ يلقى الفتى أمناً يلدُّ بهِ مَا لَمْ يَخُضْ نَحْوَهُ بَحْراً مِنَ الْوَهَلِ
    فَمَا لَكُمْ لاَ تَعَافُ الضَّيْمَ أَنْفُسُكُمْ وَلاَ تَزُولُ غَوَاشِيكُمْ مِنَ الْكَسَلِ؟
    وَتِلْكَ مِصْرُ الَّتِي أَفْنَى الْجِلاَدُ بِهَا لَفِيفَ أَسْلافِكُمْ فِي الأَعْصُرِ الأُوَلِ
    قومٌ أقروا عمادَ الحقَّ وامتلكوا أَزِمَّة َ الْخَلْقِ مِنْ حَافٍ وَمُنْتَعِلِ
    جَنَوْا ثِمَارَ الْعُلاَ بِالْبِيضِ، وَاقْتَطَفُوا منْ بينِ شوكِ العوالي زهرة َ الأملِ
    فَأَصْبَحَتْ مِصْرُ تَزْهُو بَعْدَ كُدْرَتِهَا فِي يَانِعٍ مِنْ أَسَاكِيبِ النَّدَى خَضِلِ
    لَمْ تَنْبُتِ الأَرْضُ إِلاَّ بَعْدَمَا اخْتَمَرَتْ أقطارها بدمِ الأعناقِ وَ القللِ
    شَنُّوا بِهَا غَارَة ً أَلْقَتْ بِرَوْعَتِهَا أمناً يولفُ بينَ الذئبِ وَ الحملِ
    حَتَّى إِذَا أَصْبَحَتْ فِي مَعْقِلٍ أَشِبٍ يردُّ عنها يدَ العادي منَ المللِ
    أخنى الزمانُ على فرسانها ، فغدتْ منْ بعدِ منعتها مطروقة َ السبلِ
    فأيَّ عارٍ جلبتمْ بالخمولِ على ما شادهُ السيفُ منْ فخرٍ على زحلِ
    إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْهَمَلِ
    فبادروا الأمرَ قبلَ الفوتِ ، وانتزعوا شِكَالَة َ الرَّيْثِ، فَالدُّنْيَا مَعَ الْعَجَلِ
    وَ قلدوا أمركمْ شهماً أخا ثقة ٍ يكونُ رداءً لكمْ في الحادثِ الجللِ
    ماضي البصيرة ِ ، غلابٌ ، إذا اشتبهتْ مسالكُ الرأي صادَ البازَ بالحجلِ
    إنْ قالَ برَّ ، وَ إنْ ناداهُ منتصرٌ لَبَّى ، وإِنْ هَمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِلا نَفَلِ
    يجلو البديهة َ باللفظِ الوجيزِ إذا عزَّ الخطابُ ، وَ طاشتْ أسهمُ الجدلِ
    وَلاَ تَلَجُّوا إِذَا مَا الرَّأْيُ لاَحَ لَكُمْ إنَّ اللجاجة َ مدعاة ٌ إلى الفشلِ
    قدْ يدركُ المرءُ بالتدبيرِ ما عجزتْ عَنْهُ الْكُمَاة ُ، وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى بَطَلِ
    هَيْهَاتَ، مَا النَّصْرُ فِي حَدِّ الأَسِنَّة ِ، بَلْ بقوة ِ الرأي تمضي شوكة ُ الأسلِ
    وَطَالِبُوا بِحُقُوقٍ أَصْبَحَتْ غَرَضاً لِكُلِّ مُنْتَزِعٍ سَهْماً، وَمُخْتَتِلِ
    وَ لاَ تخافوا نكالاً فيهٍ منشوكمْ فالحوتُ في اليمَّ لا يخشى منَ البللِ
    عيشُ الفتى في فناءِ الذلَّ منقصة ٌ وَ الموتُ في العز فخرُ السادة ِ النبلِ
    لا تتركوا الجدَّ أوْ يبدو اليقينُ لكمْ فالجدُّ مفتاحُ بابِ المطلبِ العضلِ
    طوراً عراكاً ، وأحيانا مياسرة ً رياضة ُ المهرِ بينَ العنفِ وَ المهلِ
    حتى تعودَ سماءُ الأمنِ ضاحية ً وَيَرْفُلَ الْعَدْلُ فِي ضَافٍ مِنَ الْحُلَلِ
    هذِي نَصِيحَة ُ مَنْ لاَ يَبْتَغِي بَدَلاً بِكُمْ، وهَلْ بَعْدَ قَوْمِ الْمَرْءِ مِنْ بَدَلِ؟
    أَسْهَرْتُ جَفْنِي لَكُمْ فِي نَظْمِ قَافِيَة ٍ مَا إِنْ لَهَا فِي قَدِيمِ الشِّعْرِ مِنْ مَثَلِ
    كالبرقِ في عجلٍ ، والرعدِ في زجلٍ وَالْغَيثِ فِي هَلَلٍ، وَالسَّيْلِ في هَمَلِ
    غَرَّاءُ، تَعْلَقُهَا الأَسْمَاع مِنْ طَرَبٍ وَتَسْتَطِيرُ بِهَا الأَلْبَابُ مِنْ جَذَلِ
    حَوْلِيَّة ٌ، صَاغَهَا فكْرٌ أَقَرَّ لهُ بِالْمُعْجِزَاتِ قَبِيلُ الإِنْسِ وَالْخَبَلِ
    تلوحُ أبياتها شطرينِ في نسقٍ كالمرفية ِ قدْ سلتْ منَ الخللِ
    إِنْ أَخْلَقَتْ جِدَّة ُ الأَشْعَارِ أَثَّلَهَا لَفْظٌ أَصِيلٌ، ومَعْنى ً غَيْرُ مُنْتَحَلِ
    تفنى النفوسُ ، وَ تبقى وَ هيَ ناضرة ٌ على الدُّهُورِ بَقَاءَ السَّبْعَة ِ الطُوَلِ

    *****************************************
    طربتْ ، وَ لولاَ الحلمُ أدركني الجهلُ

    طربتْ ، وَ لولاَ الحلمُ أدركني الجهلُ وَعَاوَدَنِي مَا كَانَ مِنْ شِرَّتِي قَبْلُ
    فَرُحْتُ، كَأَنِّي خَامَرَتْنِي سَبِيئَة ٌ منَ الراحِ ، منْ يعلقْ بها الدهرَ لا يسلو
    سَلِيلَة ُ كَرْمٍ، شَابَ فِي المَهْدِ رَأْسُهَا وَ دبَّ لها نسلٌ ، وَ ما مسها بعلُ
    إِذَا وَلَجَتْ بَيْتَ الضَّمِيرِ، رَأَيْتَهَا وراءَ بناتِ الصدرِ ، تسفلُ ، أو تعلو
    كَأَنَّ لَهَا ضِغْناً عَلَى الْعَقْلِ كَامِناً فَإِنْ هِيَ حَلَّتْ مَنْزِلاً رَحَلَ الْعَقْلُ
    تعبرُ عنْ سرَّ الضميرِ بألسنٍ منَ السكرِ مقرونٍ بصحتها النقلُ
    مُحَبَّبَة ٌ لِلنَّفْسِ، وَهْيَ بَلاَؤُها كَمَا حُبِّبَتْ فِي فَتْكِهَا الأَعْيُنُ النُجْلُ
    يَكَادُ يَذُودُ اللَّيْثَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ إِذَا ما تَحَسَّى كَأْسَهَا الْعَاجِزُ الْوَغْلُ
    تَرَى لِخَوَابِيهَا أَزِيزاً، كَأنَّهَا خَلاَيَا تَغَنَّتْ فِي جَوَانِبِهَا النَّحْلُ
    سَوَاكِنُ آطَامٍ، زَفَتْهَا مَعَ الضُّحَى يدا عاسلٍ يشتارُ ، أوْ خابطٍ يفلو
    دنا ، ثمَّ ألقى النارَ بينَ بيوتها فطارتْ شعاعاً ، لا يقرُّ لها رحلُ
    مروعة ٌ ، هيجتْ ، فضلتْ سبيلها فَسَارَتْ عَلَى الدُّنْيَا، كَمَا انْتَشَرَ الرِّجْلُ
    فبتُّ أداري القلبَ بعضَ شجونهِ وأَزْجُرُ نَفْسِي أَنْ يُلِمَّ بِهَا الْهَزْلُ
    وَ ما كنتُ أدري - وَ الشبابُ مطية ٌ إلى الجهلِ - أنَّ العشقَ يعقبهُ الخبلُ
    رمى اللهُ هاتيكَ العيونَ بما رمتْ وَ حاسبها حسبانَ منْ حكمهُ العدلُ
    فَقَدْ تَرَكْتَنِي سَاهِي الْعَقَلِ، سَادِراً إلى الغيَّ ، لاَ عقدٌ لديَّ ، وَ لاَ حلٌّ
    أَسِيرُ، وَمَا أَدْرِي إِلى أَيْنَ يَنْتَهِي بِيَ السَّيْرُ، لكِنِّي تَلَقَّفُنِي السُّبْلُ
    فَلاَ تَسْأَلَنِّي عَنْ هَوَايَ؛ فَإِنَّنِي وَرَبِّكَ أَدْرِي كَيْفَ زَلَّتْ بِيَ النَّعْلُ؟
    فَمَا هِيَ إِلاَّ أَنْ نَظَرْتُ فُجَاءَة ً بحلوانَ حيثُ انهارَ ، وَ انعقدَ الرملُ
    إِلَى نِسْوَة ٍ مِثْلِ الْجُمَانِ، تَنَاسَقَتْ فرائدهُ حسناً ، وَ ألفهُ الشملُ
    منَ الماطلاتِ المرءَ ما قدْ وعدنهُ كذاباً ؛ فلا عهدٌ لهنَّ ، وَ لاَ إلٌّ
    تكنفنَ تمثالاً منَ الحسنِ رائعاً يُجَنُّ جُنُوناً عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْعَقْلُ
    فكانَ الذي لولاهُ ما درتُ هائماً أَرُودُ الْفَيَافِي، لاَ صَدِيقٌ، وَلاَ خِلُّ
    فويلمها منْ نظرة ٍ مضرجية ٍ رُمِيتُ بِهَا مِنْ حَيْثُ وَاجَهَنِي الأَثْلُ
    رُمِيتُ بِهَا وَالْقَلْبُ خِلْوٌ مِنَ الْهَوَى فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى اسْتَقَلَّ بِهِ شُغْلُ
    لقدْ علقتْ ما ليسَ للنفس دونها غَنَاءٌ، وَلاَ مِنْهَا لِذِي صَبْوَة ٍ وَصْلُ
    فَتَاة ٌ يَحَارُ الطَّرْفُ في قَسَمَاتِهَا لها منظرٌ منْ رائدِ العينِ لا يخلو
    لَطِيفَة ُ مَجْرَى الرُّوحِ، لَوْ أَنَّهَا مَشَتْ عَلَى سَارِبَاتِ الذَّرِّ مَا آدَهُ الْحِمْلُ
    لها نظرة ٌ سكرى ، إذا أرسلتْ بها إلى كبدٍ ؛ فالويلُ منْ ذاكَ وَ الثكلُ
    تُريقُ دِمَاءً حَرَّمَ اللهُ سَفْكَهَا وَتَخْرُجُ مِنْهَا، لاَ قِصَاصٌ، ولا عَقْلُ
    لنا كلَّ يومٍ في هواها مصارعٌ يهيجُ الردى فيها ، وَ يلتهبُ القتلُ
    مصارعُ شوقٍ ، ليس يجري بها دمٌ وَ مرمى نفوسٍ لا يطيرُ بهِ نبلُ
    هنيئاً لها نفسي ، على أنَّ دونها فوارسَ ، لا خرسُ الصفاحِ ، وَ لاَ عزلُ
    مِنَ الْقَوْمِ ضَرَّابِي الْعَرَاقِيبِ وَالطُّلَى إِذَا اسْتَنَّتِ الْغَارَاتُ، أَوْ فَغَرَ الْمَحْلُ
    إِذَا نَامَتِ الأَضْغَانُ عَنْ وَتَرَاتِهَا فَقَوْمِيَ قَوْمٌ لاَ يَنَامُ لَهُمْ ذَحْلُ
    رجالٌ أولو بأسٍ شديدٍ ونجدة ٍ فَقَوْلُهُمُ قَوْلٌ، وَفِعْلُهُمُ فِعْلُ
    إِذَا غَضِبُوا رَدُّوا إِلَى الأُفْقِ شَمْسَهُ وَ سالَ بدفاعِ القنا الحزنُ والسهلُ
    مساعيرُ حربٍ ، لا يخافونَ ذلة ً ألا إنَّ تهيابَ الحروبِ هوَ الذلُّ
    إذا أطرقوا أبصرتَ ، بالقومِ خيفة َ لإطراقهمْ ، أوْ بينوا ركدَ الحفلُ
    وَ إنْ زلتِ الأقدامُ في دركِ غاية ٍ تَحَارُ بِهَا الأَلْبَابُ كَانَ لَهَا الْخَصْلُ
    أولئكَ قومي ، أيَّ قومٍ وعدة ٍ فلا ربعهمْ محلٌ ، وَ لاَ ماؤهمْ ضحلُ
    يَفِيضُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَيْضاً، فَلَيْسَ فِي عطائهمُ وعدٌ ، وَ لاَ بعدهُ مطلُ
    فزرهمْ تجدْ معروفهمْ دانيَ الجنى عَلَيْكَ، وَبابَ الْخَيْرِ لَيْسَ لَهُ قُفْلُ
    تَرَى كُلَّ مَشْبُوبِ الْحَمِيَّة ِ، لمْ يَسِرْ إِلَى فِئَة ٍ إِلاَّ وَطَائِرُهُ يَعْلُو
    بَعِيدُ الْهَوَى ، لاَ يَغْلِبُ الظَّنُّ رَأْيَهُ وَ لاَ يتهادى بينَ تسراعهِ المهلُ
    تصيحُ القنا مما يدقُّ صدورها طِعَاناً، وَيَشْكُو فِعْلَ سَاعِدِهِ النَّصْلُ
    إِذَا صَالَ رَوَّى السَّيْفُ حَرَّ غَلِيلِهِ وَإِنْ قَالَ أَورَى زَنْدَهُ الْمَنْطِقُ الْفَصْلُ
    لهُ بينَ مجرى القولِ آياتُ حكمة ٍ يَدُورُ عَلَى آدَابِهَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ
    تلوحُ عليهِ منْ أبيهِ وجدهِ مَخَايِلُ سَاوَى بَيْنَهَا الْفَرْعُ وَالأَصْلُ
    فَأَشْيَبُنَا فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ أَمْرَدٌ وَ أمردنا في كلَّ معضلة ٍ كهلُ
    لَنَا الْفَصْلُ فِيمَا قَدْ مَضَى ، وَهْوَ قَائِمٌ لَدَيْنَا، وَفِيمَا بَعْدَ ذَاكَ لَنَا الْفَضْلُ

    **************************************
    مَضَى اللَّهْوُ، إِلاَّ أَنْ يُخَبَّرَ سَائِلُ

    مَضَى اللَّهْوُ، إِلاَّ أَنْ يُخَبَّرَ سَائِلُ وَوَلَّى الصِّبَا إِلاَّ بَوَاقٍ قَلاَئِلُ
    بواقٍ تماريها أفانينُ لوعة ٍ يورثها فكرٌ على النأي شاغلُ
    فللشوقِ منى عبرة ٌ مهراقة ٌ وَخَبْلٌ إِذَا نَامَ الْخَلِيُّونَ خَابِلُ
    أَلِفْتُ الضَّنَى إِلْفَ السُّهَادِ، فَلَوْ سَرَى بِيَ الْبُرْءُ غَالَتْنِي لِذَاكَ الْغَوَائِلُ
    فللهِ هذا الشوقُ ! أيَّ جراحة ٍ أسالَ بنا ؟ حتى كأنا نقاتلُ
    رضينا بحكمِ الحبَّ فينا ، وَ إننا للدٌّ إذا التفتْ علينا الجحافلُ
    وَإِنّا رِجَالٌ تَعْلَمُ الْحَرْبُ أَنَّنَا بنوها ، وَ يدري المجدُ ماذا نحاولُ
    إذا ما ابتنى الناسُ الحصونَ ، فمالنا سِوَى الْبِيضِ وَالسُّمْرِ اللِّدَانِ مَعَاقِلُ
    فما للهوى يقوى عليَّ بحكمهِ ؟ أَلَمْ يَدْرِ أَنِّي الشَّمَّرِيُّ الْحُلاَحِلُ؟
    وَ إني لثبتُ الجأشِ ، مستحصدُ القوى إذا أخذتْ أيدي الكماة ِ الأفاكلُ
    إِذَا مَا اعْتَقَلْتُ الرُّمْحُ وَالرُّمْحُ صاحِبِي عَلَى الشَّرِّ قَالَ الْقِرْنُ: إِنِّي هَازِلُ
    لَطَاعَنْتُ حَتَّى لَمْ أَجِدْ مِنْ مُطَاعِنٍ وَنَازَلْتُ حَتَّى لَمْ أَجِدْ مَنْ يُنَازِلُ
    وَشَاغَبْتُ هَذَا الدَّهْرَ مِنِّي بِعَزْمَة ٍ أَرَتْنِي سَبِيلَ الرُّشْدِ وَالْغَيُّ حَائِلُ
    إذا أنتَ أعطتكَ المقاديرُ حكمها فأضيعُ شيءٍ ما تقولُ العواذلُ
    وَمَا الْمَرْءُ إِلاَّ أَنْ يَعِيشَ مُحَسَّداً تَنَازَعُ فِيهِ النَّاجِذَيْنِ اْلأَنَامِلُ
    لَعَمْرُكَ مَا الأَخْلاَقُ إِلاَّ مَوَاهِبٌ مقسمة ٌ بينَ الورى ، وفواضلُ
    وَ ما الناسُ إلاَّ كادحانِ : فعالمٌ يسيرُ على قصدٍ ، وَ آخرُ جاهلُ
    فذو العلمِ مأخوذٌ بأسبابِ علمهِ وَذُو الْجَهْلِ مَقْطُوعُ الْقَرِينَة ِ جَافِلُ
    فلا تطلبنْ في الناس مثقالَ ذرة ٍ مِنَ الْوُدِّ؛ أُمُّ الْوُدِّ فِي النَّاسِ هابِلُ
    منَ العارِ أن يرضى الفتى غيرَ طبعهِ وَأَنْ يَصْحَبَ الإِنْسَانُ مَنْ لاَ يُشَاكِلُ
    بَلَوْتُ ضُرُوبَ النَّاسِ طُرّاً، فَلمْ يَكُنْ سوى " المرصفى َّ " الحبرِ في الناس كاملُ
    همامٌ أراني الدهرَ في طيَّ برده وَفَقَّهَنِي حَتَّى اتَّقَتْنِي الأَمَاثِلُ
    أخٌ حينَ لا يبقى أخٌ ، ومجاملٌ إذا قلَّ عندَ النائباتِ المجاملُ
    بعيدُ مجالِ الفكرِ ، لوْ خالَ خيلة ً أَرَاكَ بِظْهَرِ الْغَيْبِ مَا الدَّهْرُ فَاعِلُ
    طَرَحْتُ بَنِي الأَيَّامِ لَمَّا عَرَفْتُهُ وَ ما الناسُ عندَ البحثِ إلاَّ مخايلُ
    فلوْ سامني ما يوردُ النفسَ حتفها لأَوْرَدْتُهَا؛ وَالْحُبُّ لِلنَّفْسِ قَاتِلُ
    فَلاَ بَرِحَتْ منِّي إِلَيْهِ تَحِيَّة ٌ تناقلها عني الضحى والأصائلُ
    وَ لا زالَ غض العمرِ ، ممتنعَ الذرا مَرِيعَ الْفِنَا، تُطْوَى إِلَيْهِ الْمَرَاحِلُ

    ****************************************
    عَصَيْتُ نَذِيرَ الْحِلْمِ فِي طَاعَة ِ الْجَهْلِ

    عَصَيْتُ نَذِيرَ الْحِلْمِ فِي طَاعَة ِ الْجَهْلِ وَأَغْضَبْتُ فِي مَرْضَاة ِ حُبِّ الْمَهَا عَقْلِي
    وَنَازَعْتُ أَرْسَانَ الْبَطَالَة َ وَالصِّبَا إِلَى غَايَة ٍ لَمْ يَأْتِهَا أَحَدٌ قَبْلِي
    فخذْ في حديثٍ غيرِ لومي ، فإنني بجبَّ الغواني عنْ ملامكَ في شغلِ
    إذا كانَ سمعُ المرءِ عرضة َ ألسنٍ فما هوَ إلاَّ للخديعة ِ وَ الختلِ
    رُوَيْدَكَ، لاَ تَعْجَلْ بِلَوْمٍ عَلَى امْرِىء ٍ أَصَابَ هَوَى نَفْسٍ؛ فَفِي الدَّهْرِ مَا يُسْلِي
    فليستْ بعارٍ صبوة ُ المرءِ ذي الحجا إذا سلمتْ أخلاقهُ من أذى الخبلِ
    وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ ابْنَ كَأْسٍ وَلَذَّة ٍ لَذُو تُدْرَإٍ يَوْمَ الْكَرِيهَة ِ وَاْلأَزْلِ
    وَقُورٌ، وَأَحْلاَمُ الرِّجَالِ خَفِيفَة ٌ صبورٌ ، وَ نارُ الحربِ مرجلها يغلي
    إِذَا رَاعَتِ الظَّلْمَاءُ غَيْرِي، فَإِنَّمَا هلالُ الدجى قوسي ، وأنجمهُ نبلي
    أنا ابنُ الوغى ، والخيلِ ، والليلِ ، والظبا وَسُمْرِ الْقَنَا، وَالرَّأْيِ، وَالْعَقْدِ، والْحَلِّ
    فَقُلْ لِلَّذِي ظَنَّ الْمَعَالي قَريبَة ً رويداً ؛ فليسَ الجدُّ يدركُ بالهزلِ
    فَمَا تَصْدُقُ الآمَالُ إِلاَّ لِفَاتِكٍ إذا همَّ لمْ تعطفهُ قارعة ُ العذلِ
    لَهُ بِالْفَلا شُغْلٌ عَنِ الْمُدْنِ وَالْقُرَى و في رائداتِ الخيلِ شغلٌ عنِ الأهلِ
    إذا ارتابَ أمراً ألهبتهُ حفيظة ٌ تميتُ الرضا بالسخطِ ، والحلمَ بالجهلِ
    فَلاَ تَعْتَرِفْ بِالذُّلِّ خَوْفَ مَنِيَّة ٍ فَإِنَّ احْتِمَالَ الذُّلِّ شَرٌّ مِنَ الْقَتْلِ
    وَلاَ تَلْتَمِسْ نَيْلَ الْمُنَى مِنْ خَلِيقَة ٍ فَتَجْنِي ثِمَارَ الْيَأْسِ مِنْ شَجَرِ الْبُخْلِ
    فما الناسُ إلاَّ حاسدٌ ذو مكيدة ٍ وَ آخرُ محنيُّ الضلوعِ على دخلِ
    تِبَاعُ هَوًى ، يَمْشُونَ فِيهِ كَمَا مَشَى و سماعُ لغوٍ ، يكتبونَ كما يملى
    وَمَا أَنَا وَالأَيَّامُ شَتَّى صُرُوفُهَا بِمُهْتَضِمٍ جَارِي، وَلاَ خَاذِلٍ خِلِّي
    أَسِيرُ عَلى نَهْجِ الْوَفَاءِ سَجِيَّة ً و كلُّ امرئً في الناسِ يجري على الأصلِ
    تَرَكْتُ ضَغِينَاتِ النُّفُوسِ لأَهْلِهَا وَأَكْبَرْتُ نَفْسِي أَنْ أَبِيتَ عَلَى ذَحْلِ
    كذلكَ دأبي منذُ أبصرتُ حجتي وليداً ؛ وَ حبُّ الخيرِ منْ سمة ِ النبلِ
    وَ ربَّ صديقٍ كشفَ الخبرُ نفسهُ فعاينتُ منهُ الجورَ في صورة ِ العدلِ
    وَهَبْتُ لَهُ مَا قَدْ جَنَى مِنْ إسَاءَة ٍ وَلَوْ شِئْتُ، كَانَ السَّيْفُ أَدْنَى إِلَى الْفَصْلِ
    وَ مستخبرٍ عني ، وما كانَ جاهلاً بشأني ، وَ لكنْ عادة ُ البغضِ للفضلِ
    أَتَى سَادِراً، حَتَّى إِذا قَرَّ أَوَجَسَتْ سويداؤهُ شراً ؛ فأغضى على ذلَّ
    وَمَنْ حَدَّثَتْهُ النَّفْسُ بِالْغَيِّ بَعْدَ مَا تَنَاهَى إِلَيْهِ الرُّشْدُ سَارَ عَلى بُطْلِ
    وَإِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ الْمَجْدِ أَنْ أُرَى صَرِيعَ مَرَامٍ لا يَفُوزُ بِهَا خَصْلِي
    أقولُ وأتلو القولَ بالفعلِ كلما أَرَدْتُ؛ وَبِئْسَ الْقَوْلُ كَانَ بِلا فِعْلِ
    أَرَى السَّهْلَ مَقْرُوناً بِصَعْبٍ، وَلا أَرَى بغيرِ اقتحامِ الصعبِ مدركَ السهلِ
    و يومٍ كأنَّ النقعَ فيهِ غمامة ٌ لها أثرٌ منْ سائلِ الطعنِ كالوبلِ
    تَقَحَّمْتُهُ فَرْداً سِوَى النَّصْلِ وَحْدَهُ وَحَسْبُ الْفَتَى أَنْ يَطْلُبَ النَّصْرَ بِالنَّصْلِ
    لَوَيْتُ بِهِ كَفِّي، وَأَطْلَقْتُ سَاعِدِي وَقُلْتُ لِدَهْرِي: وَيْكَ! فَامْضِ عَلى رِسْلِ
    فما يبعثُ الغاراتِ إلاَّ مهندى وَ لا يركبُ الأخطارَ إلاَّ فتى ً مثلي

    *************************************
    ردوا عليَّ الصبا منْ عصريَ الخالي

    ردوا عليَّ الصبا منْ عصريَ الخالي وَهَلْ يَعُودُ سَوَادُ اللِّمَة ِ الْبَالِي؟
    ماضٍ منَ العيش ، ما لاحتْ مخايلهُ في صفحة ِ الفكرْ إلاَّ هاجَ بلبالي ؟
    سلتْ قلوبٌ ؛ فقرتْ في مضاجعها بَعْدَ الْحَنِينِ، وَقَلْبِي لَيْسَ بِالسَّالِي
    لمْ يدرِ منْ باتَ مسروراً بلذتهِ أني بنارِ الأسى منْ هجرهِ صالي
    يا غاضبينَ علينا ! هلْ إلى عدة ٍ بالوصلِ يومٌ أناغي فيهِ إقبالي
    غِبْتُمْ؛ فَأَظْلَمَ يَوْمِي بَعْدَ فُرْقَتِكُمْ وَ ساءَ صنعُ الليالي بعدَ إجمالِ
    قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُني مِنْكُمْ عَلى ثِقَة ٍ حتى منيتُ بما لمْ يجرِ في بالي
    لَمْ أَجْنِ فِي الْحُبِّ ذَنْباً أَسْتَحِقُّ بِهِ عتباً ، ولكنها تحريفُ أقوالِ
    وَ منْ أطاعَ رواة َ السوءِ - نفرهُ عَنِ الصَّدِيقِ سَمَاعُ الْقِيلِ وَالْقَالِ
    أدهى المصائبِ غدرٌ قبلهُ ثقة ٌ وَأَقْبَحُ الظُّلْمِ صَدٌّ بَعْدَ إِقْبَالِ
    لا عيبَ فيَّ سوى حرية ٍ ملكتْ أعتني عنْ قبولِ الذلَّ بالمالِ
    تبعتُ خطة َ آبائي ؛ فسرتُ بها عَلى وَتِيرَة ِ آدَابٍ وَآسَالِ
    فَمَا يَمُرُّ خَيَالُ الْغَدْرِ فِي خَلَدِي وَلاَ تَلُوحُ سِمَاتُ الشَّرِّ فِي خَالِي
    قلبي سليمٌ ، ونفسي حرة ٌ وَ يدي مأمونة ٌ ، وَ لساني غيرُ ختالِ
    لَكِنَّني فِي زَمَانٍ عِشْتُ مُغْتَرِباً في أهلهِ حينَ قلتْ فيهِ أمثالي
    بَلَوْتُ دَهْرِي؛ فَمَا أَحْمَدْتُ سِيرتَهُ في سابقٍ من لياليهِ ، وَ لاَ تالي
    حَلَبْتُ شَطْرَيْهِ: مِنْ يُسْرٍ، وَمَعْسُرَة ٍ وَذُقْتُ طَعْمَيْهِ: مِنْ خِصْبٍ، وَإِمْحَالِ
    فَمَا أَسِفْتُ لِبُؤْسٍ بَعْدَ مَقْدُرَة ٍ وَ لاَ فرحتُ بوفرٍ بعدَ إقلالِ
    عَفَافَة ٌ نَزَّهَتْ نَفْسِي؛ فَمَا عَلِقَتْ بلوثة ٍ منْ غبارِ الذمَّ أذيالي
    فاليومَ لا رسني طوعُ القيادِ ، ولاَ قَلْبِي إِلَى زَهْرَة ِ الدُّنْيَا بِمَيَّالِ
    لَمْ يَبْقَ لِي أَرَبٌ فِي الدَّهْرِ أَطْلُبُهُ إلاَّ صحابة ُ حرًّ صادقِ الخالِ
    وَأَيْنَ أُدْرِكُ مَا أَبْغِيهِ مِنْ وَطَرٍ وَ الصدقُ في الدهرِ أعيا كلَّ محتالِ ؟
    لا في " سرنديبَ " لي إلفٌ أجاذبهُ فضلَ الحديثِ ، وَ لاَ خلٌّ ؛ فيرعى لي
    أبيتُ منفرداً في رأس شاهقة ٍ مثلَ القطاميَّ فوقَ المربإِ العالي
    إذا تلفتُّ لمْ أبصرْ سوى صورٍ فِي الذِّهْنِ، يَرْسُمُها نَقَّاشُ آمالِي
    تهفو بيَ الريحُ أحياناً ، ويلحفني بردُ الطلالِ ببردٍ منهُ أسمالِ
    فَفِي السَّمَاءِ غُيُومٌ ذَاتُ أَرْوِقَة ٍ وَ في الفضاءِ سيولٌ ذاتُ أوْ شالِ
    كَأَنَّ قَوْسَ الْغَمَامِ الْغُرِّ قَنْطَرَة ٌ معقودة ٌ فوقَ طامي الماءِ سيالِ
    إذا الشعاعُ تراءى خلفها نشرتْ بَدَائِعاً ذَاتَ أَلْوَانٍ وَأَشْكَالِ
    فَلَوْ تَرَانِي وَبُرْدِي بِالنَّدَى لَثِقٌ لخلتني فرخَ طيرٍ بينَ أدغالِ
    غَالَ الرَّدَى أَبَوَيْهِ؛ فَهْوَ مُنْقَطِعٌ فِي جَوْفِ غَيْنَاءَ، لاَ رَاعٍ، وَلاَ وَالِي
    أزيغبَ الرأس ، لمْ يبدُ الشكيرُ بهِ وَ لمْ يصنْ نفسهُ منْ كيدِ مغتالِ
    كَأَنَّهُ كُرَة ٌ مَلْسَاءُ مِنْ أَدَمٍ خَفِيَّة ُ الدَّرْزِ، قَدْ عُلَّتْ بِجِرْيالِ
    يظلُّ في نصبٍ ، حرانَ ، مرتقباً نَقْعَ الصَّدَى بَيْنَ أَسْحَارٍ وآصَالِ
    يكادُ صوتُ البزاة ِ القمرِ يقذفه مِنْ وَكْرِهِ بَيْنَ هَابِي التُّرْبِ جَوَّالِ
    لا يستطيعُ انطلاقاً منْ غيابتهِ كأنما هوَ معقولٌ بعقالِ
    فذاكَ مثلي ، وَ لمْ أظلمْ ، وربتما فضلتهُ بجوى حزنٍ ، وإعوالِ
    شَوْقٌ، وَنَأْيٌ، وَتَبْرِيحٌ، وَمَعْتَبَة ٌ يا للحمية ِ منْ غذري وإهمالي
    أصبحتُ لا أستطيعُ الثوبَ أسحبهُ وَقَدْ أَكُونُ وَضَافِي الدِرْعِ سِرْبَالِي
    وَ لاَ تكادُ يدي شبا قلمي وَكَانَ طَوْعَ بَنَانِي كُلُّ عَسَّالِ
    فَإِنْ يَكُنْ جَفَّ عُودِي بَعْدَ نَضْرَتِهِ فَالدَّهْرُ مَصْدَرُ إِدْبَارٍ وَإِقْبَالِ
    وَإِنْ غَدَوْتُ كَرِيمَ الْعَمِّ وَالْخَالِ بصدقِ ما كانَ منْ وسمي وَ إغفالي
    راجعتُ قهرسَ آثاري ، فما لمحتْ بصيرتي فيهِ ما يزري بأعمالي
    فَكَيْفَ يُنْكِرُ قَوْمِي فَضْلَ بَادِرَتِي وَقَدْ سَرَتْ حِكَمي فِيهِمْ، وَأَمْثَالِي؟
    أنا ابن قولي ؛ وحسبي في الفخارِ بهِ وَ إنْ غدوتُ كريمَ العممَّ وَ الخالِ
    وَلِي مِنَ الشِّعْرِ آيَاتٌ مُفَصَّلَة ٌ تلوحُ في وجنة ِ الأيامِ كالخالِ
    ينسى لها الفاقدُ المحزونُ لوعتهُ و يهتدى بسناها كلُّ قوالِ
    فانظرْ لقولي تجدْ نفسي مصورة ً فِي صَفْحَتَيْهِ؛ فَقَوْلِي خَطُّ تِمْثَالِي
    وَ لاَ تغرنكَ في الدنيا مشاكلة ٌ بينَ الأنامِ ؛ فليسَ النبعُ كالضالِ
    إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَوْلاَ عَقْلُهُ شَبَحٌ مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ ذَاتِ أَوْصَالِ

    ***********************************
    سَمَا الْمُلْكُ مُخْتَالاً بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ

    سَمَا الْمُلْكُ مُخْتَالاً بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ و عادتْ بكَ الأيامُ وهيَ أصائلُ
    ربأتَ منَ العلياءِ قنة َ سوددٍ يُقَصِّرُ عَنْهَا صَاغِراً مَنْ يُطَاوِلُ
    وَ أدركتَ في عصرِ الشبيبة ِ غاية ً منَ الفضلِ لمْ يبلإْ مداها الأفاضلُ
    فَخَيْرُكَ مَأَمُولٌ، وَفَضْلُكَ وَاسِعٌ وَظِلُّكَ مَمْدُودٌ، وعَدْلُكَ شَامِلُ
    مساعٍ جلاها الرأيُ ؛ فهي كواكبٌ لها بينَ أفلاكِ القلوبِ منازلُ
    يقصرُ قابُ الفكرِ عنها ، وَ ينتهى أخو الجدَّ عنْ إدراكها وَ هوَ ذاهلُ
    وَكَيْفَ يَنَالُ الْفَهْمُ مِنْهَا نَصِيبَهُ وَأَقْرَبُهَا لِلنَّيِّرَاتِ حَبَائِلُ؟
    إليكَ تناهى المجدُ ، حتى لوانهُ أرادَ مزيداً لمْ يجدْ ما يحاولُ
    فَمُرْ بِالَّذِي تَهْوَاهُ؛ فَالسَّعْدُ قَائِمٌ بما تشتهي ، واللهُ بالنصرِ كافلُ
    فَقَدْ تَصْدُقُ الآمَالُ وَالْحَزْمُ رائِدٌ وَ تقتربُ الغاياتُ وَ النجدُّ عاملُ
    وَأَيُّ صَنِيعٍ بَعْدَ فَضْلِكَ يُرْتَجَى وَأَنْتَ مَلِيكٌ فِي الْبَرِيَّة ِ عَادِلُ؟
    يَعُمُّ الرِّضَا مَا قَامَ بِالْحَقِّ صَادِعٌ وَتَبْقَى الْعُلاَ مَا دَامَ لِلسَّيْفِ حَامِلُ
    فيا طالباً مسعاتهُ ؛ لينالها رويدكَ ؛ إنَّ الحرصَ للنفسِ خاذلُ
    فَمَا كُلُّ مَنْ رَاضَ الْبَدِيهَة َ عَاقِلٌ وَلاَ كُلُّ مَنْ خَاضَ الْكَرِيهَة َ بَاسِلُ
    وَ لولا اختلافُ الناسِ في درجاتهمْ لعادلَ " قسا " في الفصاحة ِ " باقلُ "
    هُوَ الْمَلِكُ الْمَكْفُولُ بِالنَّصْرِ جُنْدُهُ إِذَا احْمَرَّ بَأْسٌ، أَوْ تَنَمَّرَ بَاطِلُ
    لهُ بدهاتٌ لا تغبُّ ، وعزمة ٌ مؤيدة ٌ ، تعنو إليها الجحافلُ
    فآرأوهُ في المشكلاتِ كواكبٌ وَهِمَّاتُهُ فِي الْمُعْضِلاَتِ مَنَاصِلُ
    تَدُلُّ مَسَاعِيهِ عَلَى فَضْلِ نَفْسِهِ و للشمسِ منْ نورٍ عليها دلائلُ
    فَيَا مَلِكاً عَمَّتْ أَيَادِيهِ، وَالْتَقَتْ بِهِ فِرَقُ الآمَالِ وَهْيَ جَوَافِلُ
    بكَ اخضرتِ الآمالُ بعدَ ذبولها وَ حقتْ وعودُ الظنَّ وَ هيَ مخايلُ
    بسطتَ يدً بالخيرِ فينا كريمة ً هيَ الغيثُ ، أوْ في الغيثِ منها شمائلُ
    وَ أيقظتَ ألبابَ الرجالِ ؛ فسارعوا إلى الجدَّ ؛ حتى ليسَ في الناسِ خاملُ
    وَ ما " مصرُ " إلاّ جنة ٌ ، بكَ أصبحتْ مُنَوِّرَة ً أَفْنَانُهَا وَالْخَمَائِلُ
    طلعتَ عليها طلعة َ البدرِ ، أشرقتْ بلألائهِ الآفاقُ وَ الليلُ لائلُ
    وَأَجْرَيْتَ مَاءَ الْعَدْلِ فِيهَا؛ فَأَصْبَحَتْ وَسَاحَاتُهَا لِلْوَارِدِينَ مَنَاهِلُ
    وَ لمْ يأتِ منْ أوطانهِ " النيلُ " سائحاً إِلَى «مِصْرَ» إِلاَّ وَهْوَ حَرَّانُ سَائِلُ
    فَيَأَيُّهَا الصَّادِي إِلَى الْعَدْلَ وَالنَّدَى هلمَّ ؛ فذا بحرٌ لهُ البحرُ ساحلُ
    مليكٌ أقرَّ الأمنَ وَ الخوفُ شاملٌ و أحيا رميمَ العدلِ وَ الجورُ قاتلُ
    فَسَلْهُ الرِّضَا، وَانْزِلْ بِسَاحَة ِ مُلْكِهِ فثمَّ الأماني ، والعلا ، والفواضلُ
    رَعَى اللَّهُ يَوْماً قَرَّبَتْنِي سُعُودُهُ إلى سدة ٍ تأوى إليها الأماثلُ
    لثمتُ بها كفا ، هيَ البحرُ في الندى تَفِيضُ سَمَاحاً، وَالْبَنَانُ جَدَاوِلُ
    نَطَقْتُ بِفَضْلٍ مِنْكَ، لَوْلاَهُ لَمْ يَدُرْ لِسَانِي، وَلَمْ يَحْفِلْ بِقَوْلِيَ فَاضِلُ
    وَ لا أدعي أني بلغتُ بمدحتي عُلاَكَ؛ وَلَكِنْ جُهْدُ مَا أَنَا قَائِلُ
    وَ كيفَ أوفى منطقَ الشكرِ حقهُ وَدُونَ ثَنَائِي مِنْ عُلاَكَ مَرَاحِلُ؟
    وَ حسبيَ عذراً أنكَ الشمسُ رفعة ً وَكَيْفَ يَنَالُ الْكَوْكَبَ الْمُتَنَاوِلُ؟
    لِتَهْنَ بِكَ الدُّنْيَا؛ فَأَنْتَ جَمَالُهَا فلولاكَ أمسى جيدها وَ هوَ عاطلُ
    وَ دمْ للعلا ما ذرَّ بالأفقِ شارقٌ وَمَا حَنَّ مِنْ شَوْقٍ عَلَى الأَيْكِ هادِلُ
    وَ لاَ زالتِ الأيامُ تتلو مدائحي عليكَ ، ويمليها الضحى وَ الأصائلُ

    ***********************************
    أَلاَ، حيِّ مِنْ «أَسْمَاءَ» رَسْمَ الْمَنَازِلِ

    أَلاَ، حيِّ مِنْ «أَسْمَاءَ» رَسْمَ الْمَنَازِلِ وَإِنْ هِيَ لَمْ تَرْجِعْ بَيَاناً لِسَائِلِ
    خلاءٌ تعفتها الروامسُ ، والتقتْ عَلَيْهَا أَهَاضِيبُ الْغُيُومِ الْحَوَافِلِ
    فلأياً عرفتُ الدارَ بعدَ ترسمٍ أراني بها ما كانَ بالأمس شاغلي
    غدتْ وَ هيَ مرعى ً للظباءِ ، وَ طالما غَنَتْ وَهْيَ مَأْوًى لِلْحِسَانِ الْعَقَائِلِ
    فَلِلْعَيْنِ مِنْهَا بَعْدَ تَزْيَالِ أَهْلِهَا مَعَارِفُ أَطْلالٍ، كَوَحْيِ الرَّسَائِلِ
    فَأَسْبَلَتِ الْعَيْنَانِ فِيهَا بِوَاكِفٍ منَ الدمعِ ، يجري بعدَ سحًّ بوابلِ
    دِيارُ الَّتِي هَاجَتْ عَلَيَّ صَبَابَتِي وأَغْرَتْ بِقَلْبِي لاَعِجَاتُ الْبَلابِلِ
    منَ الهيفِ ، مقلاقُ الوشاحينِ ، غادة ٌ سَلِيمَة ُ مَجْرَى الدَّمْعِ، رَيَّا الْخَلاَخِلِ
    إذا ما دنتْ فوقَ الفراشِ لوسنة ٍ جفا خصرها عنْ ردفها المتخاذلِ
    تَعَلَّقْتُهَا فِي الْحَيِّ إِذْ هِيَ طِفْلَة ٌ وَإِذْ أَنَا مَجْلُوبٌ إِلَيَّ وَسَائِلِي
    فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْحُبُّ فِي الْقَلْبِ وَانْجَلَتْ غيابتهُ - هاجتْ عليَّ عواذلي
    فَيَا لَيْتَ أَنَّ الْعَهْدَ بَاقٍ، وأَنَّنَا دوارجُ في غفلٍ منَ العيش خاملِ
    تَمُرُّ بِنَا رُعْيَانُ كُلِّ قَبِيلَة ٍ فَمَا يَمْنَحُونَا غَيْرَ نَظْرَة ِ غَافِلِ
    صَغِيرَيْنِ لَمْ يَذْهَبْ بِنَا الظَّنُّ مَذْهَباً بَعِيداً، ولَمْ يُسْمَعْ لَنَا بِطَوَائِلِ
    نَسِيرُ إِذَا مَا الْقَوْمُ سَارُوا غَدِيَّة ً إلى كلَّ بهمٍ راتعاتٍ وَ جاملِ
    وَإِنْ نَحْنُ عُدْنَا بِالْعَشِيِّ أَضَافَنَا إليهِ سديلٌ منْ نقاً متقابلِ
    فويلٌ لهذا الدهرِ ، ماذا أرادهُ إلينا ، وقد كنا كرامَ المحاصلِ ؟
    عَلَى عِفَّة ٍ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهَا مبرأة ٌ منْ كلَّ غيًّ وَ باطلِ
    وَ لكنها الأيامُ لمْ تأتِ صالحاً مِنَ الأَمْرِ إِلاَّ أَعْقَبَتْ بِالتَّنَازُلِ
    إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الزَّمَانَ الَّذِي مَضَى تَسَاقَطُ نَفْسِي إِثْرَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ
    قبائلُ أفنتها الحروبُ ، ولمْ تكنْ لِتَفْنَى كِرَامُ النَّاسِ مَا لَمْ تُقَاتِلِ
    قَضَتْ بَعدَهُمْ نَفْسِي عَزَاءً، وأَصْحَبَتْ عَشَوْزَنَتِي، وَانْقَادَ لِلذُّلِّ كَاهِلِي
    وَأَصْبَحْتُ مَغْلُولَ الْيَدَيْنِ عَنِ الَّتِي أحاولها ، وَ الدهرُ جمُّ الغوائلِ
    صَرِيعُ لُبَاناتٍ تَقَسَّمْنَ نَفْسَهُ وَغَادَرْنَهُ نَهْبَ الأَكُفِّ الْخَوَاتِلِ
    كأنيَ لمْ أعقدْ معَ الفجرِ راية ً وَ لمْ أدرعَ باسمي للكميَّ المنازلِ
    وَلَمْ أَبْعَثِ الْخَيْلَ الْمُغِيرَة َ فِي الضُّحَا بكلَّ ركوبٍ للكريهة ِ باسلِ
    نَزَائِعُ يَعْلُكْنَ الشَّكِيمَ عَلَى الْوَجَى إذا عريتْ أمثالها في المنازلِ
    مِنَ الْقَوْمِ، بَادٍ مَجْدُهُمْ فِي شَمَالِهِمْ وَ لاَ مجدَ إلاَّ داخلٌ في الشمائلِ
    إذا ما دعوتَ المرءَ منهمْ لدعوة ٍ على عجلٍ - لباكَ غيرَ مسائلِ
    يكفكفُ أولى الخيلِ منهُ بطعنة ٍ تمجُّ دماً ، مطعونها غيرُ وائلِ
    يكونُ عشاءَ الزادِ آخرَ آكلٍ وَ يومَ اختلاجِ الطعنِ أولَ حاملِ
    قضوا ما قضوا منْ دهرهمْ ، ثمَّ فوزوا إِلَى دَارِ خُلْدٍ ظِلُّهَا غَيْرُ زَائِلِ

    **************************************

    ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ

    ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ وَراحَ بِالْجِدِّ مَا يَأْتِي بِهِ الْهَزَلُ
    وَعَادَ مَا كَانَ مِنْ صَبْرٍ إِلَى جَزَعٍ بَعْدَ الإِباءِ؛ وَأَيَّامُ الْفَتَى دُوَلُ
    فَلْيَصْرِفِ اللَّوْمَ عَنِّي مَنْ بَرِمْتُ بِهِ فليسَ للقلبِ في غيرِ الهوى شغلُ
    وَ كيفَ أملكُ نفسي بعدَ ما ذهبتْ يومَ الفراقِ شعاعاً إثرَ منْ رحلوا ؟
    تَقَسَّمَتْنِي النَّوَى مِنْ بَعْدِهِمْ، وَعَدَتْ عنهمْ عوادٍ ؛ فلا كتبٌ ، وَ لاَ رسلُ
    فالصبرُ منخذلٌ ، وَ الدمعُ منهملٌ وَالْعَقْلُ مُخْتَبِلٌ، وَالْقَلْبُ مُشْتَغِلُ
    أرتاحُ إنْ مرَّ منْ تلقائهمْ نسمٌ تَسْرِي بِهِ فِي أَرِيجِ الْعَنْبَرِ الأُصُلُ
    ساروا ، فما اتخذتْ عيني بهمْ بدلاً إِلاَّ الْخَيَالَ، وَحَسْبِي ذَلِكَ الْبَدَلُ
    فَخَلِّ عَنْكَ مَلامِي يَا عَذُولُ، فَقَدْ سرتْ فؤادي - على ضعفٍ بهِ - العللُ
    لاَ تَحْسَبَنَّ الْهَوَى سَهْلاً؛ فَأَيْسَرُهُ خَطْبٌ لَعَمْرُكَ لَوْ مَيَّزْتَهُ جَلَلُ
    يَسْتَنْزِلُ الْمَلْكَ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِهِ وَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الرِّعْدِيدُ وَالْبَطَلُ
    فكيفَ أدرأُ عنْ نفسي وَ قدْ علمتْ أَنْ لَيْسَ لِي بِمُنَاوَاة ِ الْهَوَى قِبَلُ؟
    فَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى شَيْءٍ هَمَمْتُ بِهِ فِي الْحُبِّ، لَكِنْ قَضَاءٌ خَطَّهُ الأَزَلُ
    وَ للمحبة ِ قبلي سنة ٌ سلفتْ فِي الذَّاهِبِينَ؛ وَلِي فِيمَنْ مَضَى مَثَلُ
    فإنْ تكنْ نازعتني النفسُ باطلها وَأَطْلَعَتْنِي عَلَى أَسْرَارِهَا الْكِلَلُ
    فَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْقَوْمِ ضَاحِيَة ً وَالْجَوُّ بِالْبَاتِرَاتِ الْبِيضِ مُشْتَعِلُ
    بِكُلِّ أَشْقَرَ قَدْ زَانَتْ قَوَائِمَهُ حُجُولُهُ غَيْرَ يُمْنَى زَانَها الْعَطَلُ
    كَأَنَّهُ خَاضَ نَهْرَ الصُّبْحِ، فَانْتَبَذَتْ يمناهُ وَ انبثَّ في أعطافهِ الطفلُ
    زُرْقٌ حَوَافِرُهُ، سُودٌ نَوَاظِرُهُ خُضْرٌ جَحَافِلُهُ، فِي خَلْقِهِ مَيَلُ
    كأنَّ في حلقهِ ناقوس راهبة ٍ باتتْ تحركهُ ، أوْ راعدٌ زجلُ
    يَمُرُّ بِالْوَحْشِ صَرْعَى فِي مَكَامِنِهَا فما تبينُ لهُ شدا ؛ فتنخذلُ
    يرى الإشارة في وحى ؛ فيفهمها وَ يسمعُ الزجرَ منْ بعدٍ ؛ فيمتثلُ
    لاَ يملكُ النظرة َ العجلاءَ صاحبها حتى تمرَّ بعطفيهِ فتحتبلُ
    إنْ مرَّ بالقومِ حلوا عقدَ حبوتهمْ وَ استشرفتْ نحوهُ الألبابُ وَ المقلُ
    تَقُودُهُ بِنْتُ خَمْسٍ؛ فَهْوَ يَتْبَعُهَا وَ يستشيطُ إذا ها هي بهِ الرجلُ
    أُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْدَاماً، وَيَصْحَبُنِي ماضي الغرارِ إذا ما استفحلَ الوهلُ
    يَمُرُّ بِالْهَامِ مَرَّ الْبَرْقِ فِي عَجَلٍ وَقْتَ الضِّرَابِ، وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ بَلَلُ
    تَرَى الرِّجَالَ وُقُوفاً بَعْدَ فَتْكَتِهِ بِهِمْ، يُظَنُّونَ أَحْيَاءً وَقَدْ قُتِلُوا
    كأنهُ شعلة ٌ في الكفَّ قائمة ٌ تهفو بها الريحُ أحياناً ، وتعتدلُ
    لولاَ الدماءُ التي يسقى بها نهلاً لكادَ منْ شدة ِ اللألاءِ يشتعلُ
    يَفُلُّ مَا بَقِيَتْ فِي الْكَفِّ قَبْضَتُهُ كُلَّ الْحَدِيدِ وَلَمْ يَثْأَرْ بِهِ فَلَلُ
    بَلْ رُبَّ سَارِيَة ٍ هَطْلاَءَ دَانِيَة ٍ تَنْمُو السَّوَامُ بِهَا، وَالنَّبْتُ يَكْتَهِلُ
    كأنَّ آثارها في كلَّ ناحية ٍ ريطٌ منشرة ٌ في الأرض ، أو حللُ
    يَمَّمْتُهَا بِرِفَاقٍ إِنْ دَعَوْتُ بِهِمْ لبوا سراعا ، وَ إن أنزلْ بهمْ نزلوا
    قصداً إلى الصيدِ ، لا نبغي بهِ بدلاً وَ كلُّ نفسٍ لها في شأنها عملُ
    حَتَّى إِذَا أَلْمَعَ الرُّوَّادُ مِنْ بَعَدٍ وَ جاءَ فارطهمْ يعلو ويستفلُ
    تغازتِ الخيلُ ، حتى كدنَ منْ مرحٍ يذهبنَ في الأرضِ لولاَ اللجمُ وَ الشكلُ
    فما مضتْ ساعة ٌ ، أوْ بعضُ ثانية ٍ إِلاَّ وَلِلصَّيْدِ فِي سَاحَاتِنَا نُزُلُ
    فكانَ يوماً قضينا فيهِ لذتنا كما اشتهينا ؛ فلا غشٌّ ، وَ لاَ دغلُ
    هذَا هُوَ الْعَيْشُ، لاَ لَغْوُ الْحَدِيثِ، وَلاَ مَا يَسْتَغِيرُ بِهِ ذُو الإِفْكَة ِ النَّمِلُ
    إنَّ النميمة َ وَ الأفواهُ تضرمها نَارٌ مُحَرِّقَة ٌ لَيْسَتْ لَهَا شُعَلُ
    فَاتْبَعْ هَوَاكَ، وَدَعْ مَا يُسْتَرَابُ بِهِ فأكثرُ الناسِ - إنْ جربتهمْ - هملُ
    وَاحْذَرْ عَدُوَّكَ تَسْلَمْ مِنْ خَدِيعَتِهِ إنَّ العداوة َ جرحٌ ليسَ يندملُ
    وَ عالجِ السرَّ بالكتمانِ تحمدهُ فَرُبَّمَا كَانَ فِي إِفْشَائِهِ الزَّلَلُ
    وَلاَ تَكُنْ مُسْرِفاً غِرّاً، وَلاَ بَخِلاً فبئستِ الخلة ُ : الإسرافُ ، وَ البخلُ
    وَ لا يهمنكَ بعضُ الأمرِ تسأمهُ لا يَنْتَهِي الشُّغْلُ حَتَّى يَنْتَهِي الأَجَلُ
    وَاعْرِفْ مَوَاضِعَ مَا تَأْتِيهِ مِنْ عَمَلٍ فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ يَحْسُنُ الْعَمَلُ
    فالريثُ يحمدُ في بعض الأمورِ ، كما في بعض حالاتهِ يستحسنُ العجلُ
    هَذَا هُوَ الأَدَبُ الْمَأْثُورُ، فَارْضَ بِهِ علماً لنفسكَ ؛ فالأخلاقُ تنتقلُ
    منْ كلَّ بيتٍ إذا الإنشادُ سيرهُ فليسَ يمنعهُ سهلٌ ، وَ لا جبلُ
    لمْ تبنَ قافية ٌ فيهِ على َ خللٍ كلا ، وَ لمْ تختلفْ في رصفها الجملُ
    فلاَ سنادٌ ، ولا حشوٌ ، وَ لاَ قلقٌ وَ لا سقوطٌ ، وَ لاَ سهوٌ ، وَ لا عللُ
    تغايرتْ فيهِ أسماعٌ وَ أفئدة ٌ فَكُلُّ نَادٍ «عُكَاظٌ» حِينَ يُرْتَجَلُ
    لا تنكرُ الكاعبُ الحسناءُ منطقهُ وَ لا يعادُ على قومٍ ، فيبتذلُ

      الوقت/التاريخ الآن هو 7/5/2024, 1:53 am