الرئيسية
من طرف أولادنا وصلاة الجماعة
أيها المسلم الحبيب:
لقد عظَّم ديننا الحنيف أمر الصلاة أيما تعظيم، ورفع قدرها، وأعلا شأنها، حتى أنه لم يفرضها الحق - سبحانه - في الأرض كسائر أركان الإسلام بل فرضها في السماء السابعة، وأخبر عن أجرها فقال: ((كل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك))1.
أيها الأب الفاضل: إن هذه الوصية التي سنتكلم عنها هي من أعظم الوصايا التي نوصيك بها وبخاصة في هذا الشهر الكريم، إنها وصية لابد للمسلمين جميعاً أن يتواصوا بها، ويحفظوها ويؤدوها؛ إنها وصية الآباء بالأولاد أن ينشئوهم على حب صلاة الجماعة، وأن يغرسوا في قلوبهم هذه الشعيرة العظيمة.
وكيف لا نوصيك بأولادك أيها الأب العزيز وقد وصى الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}2، وانظر كيف حكى الله وصية لقمان لابنه بالصلاة فقال: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}3، وما زالت الصلاة وصية نبينا - صلى الله عليه وسلم - حتى آخر رمق من حياته فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: ((الصلاة وما ملكت أيمانكم)) فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه"4.
فأوص بها - أيها الأب - نفسك وأهلك، وعلِّم أولادك كيف يتوضئون، وكيف يصلُّون، واصحبهم معك إلى المسجد ليتعلموا صلاة الجماعة، وينظروا إلى صلاة المسلمين فتنغرس في قلوبهم أهمية هذه الصلاة، ثم بيِّن لهم مع ذلك شرف صلاة الجماعة وفضلها، وعاقبة من يتهاون بها ولا يحافظ عليها، وانظر كيف مدح الله نبيه إسماعيل - عليه السلام - فقال: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}5.
فيا أيها الأب المبارك: إن شهر رمضان فرصتك الذهبية لهذه المهمة العظيمة، فإياك أن تفرط في هذه الفرصة، وإياك إياك أن تفعل فعل بعض الآباء - هدانا الله وإياهم - بأبنائهم في صلاة الفجر خاصة؛ حيث يخرج هذا الأب من بيته لصلاة الفجر، ويرى أبنائه نياماً فلا يوقظهم للصلاة معه، بل قد يزيد في تغطيتهم باللحاف! ويظن أن ذلك من الرحمة بهم، ولو كان هذا الأب يخاف على أبنائه حقيقة من الحر أو البرد، لخاف عليهم من حر النار وزمهريرها؟.
ألم يقرأ قول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}6.
وختاماً: عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته)) قال: فسمعت هؤلاء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحسب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والرجل في مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))7.
نسأل الله - تعالى - أن يصلحنا ويصلح بنا، ويهدينا ويهدي بنا، وأن يصلح ذرياتنا إنه سميع الدعاء.
--------------------------------------------------------------------------------
1 رواه البخاري برقم (7517).
2 سورة طه (132).
3 سورة لقمان (17).
4 أخرجه ابن ماجة في سننه برقم (1625)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة بنفس الرقم.
5 سورة مريم (55).
6 سورة التحريم (6).
7 رواه البخاري برقم (2409) واللفظ له، ومسلم برقم (4828).
