الرئيسية
من طرف وجوب صلاة الجماعة
لما أنزل الله - سبحانه وتعالى - دينه الإسلامي الحنيف على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بناه على خمسة أركان يرتكز ويقوم عليها؛ بيَّنها النبي - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان))1، فلا يقوم إسلام المرء، ولا يثبت عمله؛ إلا عليها.
وقد اختص الله - تعالى - بعض هذه الأركان بأماكن معينة، وأوقات محددة لا تقبل في غيرها إلا بعذر؛ ومن هذا ركن الصلاة التي فرَض - سبحانه - على الرجال أداءها في بيوته فقال - سبحانه -: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}2، فبيوت الله - تعالى - لم تبن لتكون بيوت زخرفة ونقوش، ولا آثاراً ومتاحف، ولا لتبقى مهجورة مهملة؛ لم تبن بيوت الله - تعالى - إلا ليرفع فيها رجالُ الإسلام اسمَه - تعالى -، وليعمروها عمارة حقيقية ومعنوية؛ فيقيموا فيها ما افترضه الله عليهم من صلاة، ويرتلوا فيها كتاب ربهم، ويتدارسوا فيها العلم ومواعظ الإيمان، ويحيوها وينيروها ويرفعوها بصلاة الجماعة، وذكر الله وما والاه.
وقد جاء الأمر الرباني إلى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأن يقيم صلاة الجماعة بأصحابه وإن كانوا في أحلك الظروف، وأخوف المواطن؛ عند القتال والخوف فقال - سبحانه -: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}3، فلماذا إذن تتهاون بها وأنت في أمن وراحة، ونعمة وفضل؟!
إنا والله لنخاف على من تهاون بها في جماعة أن يدخل في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرِّق عليهم بيوتهم بالنار))4.
سبحان الله ما أعظمه من وعيد، وما أشده وأغلظه!!
تدارك نفسك أيها المقصر، وبادر قبل أن تُبَادَر؛ فلقد عظم الوعيد على المقصرين في صلاة الجماعة حتى قال علي - رضي الله عنه -: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، قيل: ومن جار المسجد؟ قال: من سمع المنادي، بل قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: لأن تمتلئ أذنا ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع المنادي ثم لا يجيبه"5.
فقم أيها المسلم .. انطلق إلى ربك .. مرِّغ جبينك بين يديه .. في صلاة خاشعة مع جماعة المسلمين.
أيها الحبيب: إن أعظم فرصة لك لتُعوِّد نفسك على صلاة الجماعة في رمضان، فرصتك من الآن؛ فاجعل شهر رمضان صفحتك البيضاء مع صلاة الجماعة، ومدرستك التي تعوِّدك على حضور صلاة الجماعة، فقد لا تدرك نهاية الشهر المبارك، وقد يكون آخر رمضان في عمرك وأنت لا تدري.
اللهم بصِّر قلوبنا بالحق والهدى، وأَنِر دربنا بالتوفيق والفلاح، واختم أعمارنا بالقبول والنجاح، والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
1 رواه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (122) واللفظ له من حديث ابن عمر.
2 سورة النور (36-37).
3 سورة النساء (102).
4 أخرجه ابن حبان في صحيح برقم (2098)، وصححه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان بنفس الرقم.
5 الصلاة وأحكام تاركها (7/26).
