منتديات شريف سليمان

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:10 pm



    الشاعر : نزار قباني


    مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 ) 7


    التقصير
    ------------------

    منذُ ثلاثينَ سَنَهْ

    أحلُمُ بالتغييرْ

    وأَكتُبُ القصيدةَ الثورةَ.. والقصيدةَ الأزْمةَ..

    والقصيدةَ الحريرْ...

    منذُ ثلاثينَ سَنَهْ

    وأكتبُ التاريخَ بالشكل الذي أَشاءْ..

    وأجعلُ النقاطَ، والحروفَ ، والأسماءَ ، والأفعالَ،

    تحت سُلْطَة النساءْ.

    وأدَّعي بأنّني الأوّلُ في فَنِّ الهوى..

    وأنَّني الأخيرْ..

    ***

    وعندما دخلتُ .. يا سيِّدتي

    إنْكَسَرتْ فوق يدي قارورةُ العبيرْ

    وانْكَسَرَ التعبيرْ...

    ***

    ولا أزالُ كلَّما سافرتُ في عينَيْكِ .. يا حبيبتي

    أشعرُ بالتقصيرْ..

    وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..

    أشعرُ بالتقصيرْ..

    أشعرُ بالتقصيرْ..

    أشعرُ بالتقصيرْ..

    وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..

    قُبَيْلَ أن أراكِ يا حبيبتي..

    أشعرُ بالتقصيرْ..

    أشعرُ بالتقصيرْ..

    أشعرُ بالتقصيرْ..

    ******************************************

    قصيدة سريالية
    -------------------------

    1

    لا أنتِ ، يا حبيبتي ، معقولةٌ

    ولا أنا معقولْ..

    هل من صفات الحُبِّ..

    أن يُحَطِّمَ العاديَّ ، والمألوفَ ، والمعقولْ؟

    هل من شروط الحُبِّ ..

    أن نجهلَ ، يا حبيبتي ، أسماءَنا؟

    هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟

    أن لا نَرَى أمامَنا..

    ولا نَرَى وراءَنا..

    هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟

    بأنْ أُسَمَّى قاتلاً حينَ أنا المقتولْ..

    2

    لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..

    ولا أنا معقولْ

    فَشَطِّبي _ حينَ أكونُ غاضباً

    من كلماتي ، نِصْفَ ما أقُولْ..

    وهذِّبي مشاعري..

    وقَلِّمي أظَافري..

    ولَمْلِمي جميعَ ما أرميهِ من شوكٍ ومن وُحُولْ

    وصَدِّقيني دائماً..

    حين أجيءُ حاملاً إليكِ يا حبيبتي

    الأزهارَ .. والأقمارَ .. والفُصُولْ..

    3

    لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..

    ولا أنا معقولْ..

    ورغْمَ هذا..

    يستمرُّ الرفْضُ والقَبُولْ

    ورغْمَ هذا ..

    يستمرُّ الضِحْكُ ، والصُرَاخُ ، والشُرُوقُ ، والأُفُولْ

    فما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟

    لو أنتِ قد أعطيتني يَدَيْكِ

    وسافرتْ يَدَايَ فوق الذَهَب المَشْغُولْ

    وما الذي نخسرُ يا مليكتي؟

    لو انْطَلَقْنَا مثلَ عُصْفُورَيْنِ في الحُقُولْ

    وما الذي نخسرُ يا أميرتي؟

    إذا طَبَعْتُ قُبْلةً في الأحمر الخَجُولْ..

    وما الذي نخسرُ يا سبيكتي؟

    إذا ارْتَفَعْنَا مثل صُوفيٍّ إلى مرتبة الفَنَاءِ والحُلُولْ

    وما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟

    لو نحنُ صلَّيْنا على الرَسُولْ..

    **************************************

    من يوميّات رجل مجنون
    ----------------------------

    1

    إذا ما صَرَختُ:

    " أُحِبُّكِ جِدَّاً"

    " أُحِبُّكِ جِدَّاً"

    فلا تُسْكِتيني.

    إذا ما أضعتُ اتزّاني

    وطَوَّقتُ خَصْرَكِ فوق الرصيفِ،

    فلا تَنْهَريني..

    إذا ما ضَرَبتُ شبابيكَ نَهْدَيْكِ

    كالبَرْقِ، ذات مَسَاءٍ

    فلا تُطْفئيني..

    إذا ما نَزَفْتُ كديكٍ جريحٍ على سَاعِدَيْكِ

    فلا تُسْعِفيني..

    إذا ما خرجتُ على كلِّ عُرْفٍ ، وكُلِّ نظامٍ

    فلا تَقْمَعيني..

    أنا الآن في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ

    وسوفَ تُضيعين فُرْصَةَ عُمْركِ

    إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.

    2

    إذا ما تدفَّقْتُ كالبحر فوقَ رِمَالكِ..

    لا تُوقِفيني..

    إذا ما طلبتُ اللجوءَ إلى كُحْل عَيْنَيْكِ يوماً،

    فلا تطرُديني..

    إذا ما انْكَسَرتُ فتافيتَ ضوءٍ على قَدَميْكِ،

    فلا تَسْحقيني..

    إذا ما ارْتَكَبْتُ جريمةَ حُبٍّ..

    وضَيَّع لونُ البرونْزِ المُعَتَّقِ في كَتِفَيْكِ .. يقيني

    إذا ما تصرّفتُ مثلَ غُلامٍ شَقيٍّ

    وغَطَّسْتُ حَلْمَةَ نهداكِ بالخَمْرِ...

    لا تَضْرِبيني.

    أنا الآنَ في لَحَظات الجُنُونِ الكبيرِ

    وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمْرِكِ،

    إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.

    4

    إذا ما كتبتُ على وَرَق الوردِ،

    أَنِّي أُحِبُّكِ...

    أرجوكِ أَنْ تقرأيني..

    إذا ما رَقَدتُ كطفلٍ، بغاباتِ شَعْرِكِ،

    لا تُوقظيني.

    إذا ما حملتُ حليبَ العصافير .. مَهْرَاً

    فلا تَرْفُضيني..

    إذا ما بعثتُ بألفِ رسالةِ حُبٍّ

    إليكِ...

    فلا تُحْرِقيها .. ولا تُحْرِقيني..

    5

    إذا ما رأَوكِ معي، في مقاهي المدينة يوماً،

    فلا تُنكريني..

    فكُلُّ نِسَاء المدينة يعرفْنَ ضَعْفي أمامَ الجَمَالِ..

    ويعرفنَ ما مصدرُ الشِعْرِ والياسمينِ..

    فكيف التَخَفّي؟

    وأنتِ مُصَوَّرَةٌ في مياه عُيوني.

    أنا الآنَ في لحظات الجُنُون المُضيءِ

    وسوفَ تُضِيعينَ فُرْصَةَ عُمْركِ،

    إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني.

    6

    إذا ما النبيذُ الفَرَنْسيُّ ،

    فَكَّ دبابيسَ شَعْرِكِ دونَ اعتذارِ

    فحاصَرَني القمحُ من كُلِّ جانبْ

    وحاصَرَني الليلُ من كُلِّ جانبْ

    وحاصَرَني البحرُ من كُلِّ جانبْ

    وأصبحتُ آكلُ مثلَ المجانينِ عُشْبَ البراري..

    وما عدتُ أعرفُ أينَ يميني..

    وما عدتُ أعرفُ أينَ يساري؟

    7

    إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،

    ألغى الفُروقَ القديمةَ بين بقائي وبين انتحاري

    فأرجوكِ ، باسْمِ جميع المجاذيبِ ، أن تَفْهَميني

    وأرجوكِ، حين يقولُ النبيذُ كلاماً عن الحُبِّ.

    فوق التوقُّع .. أن تعذُريني.

    أنا الآنَ في لحظات الجُنُونِ البَهيِّ

    وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمركِ

    إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنوني..

    8

    إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،

    ألْغَى الوُجُوهَ ،

    وألْغَى الخُطُوطَ،

    وألْغَى الزوايا.

    ولم يَبْقَ بين النساءِ سواكِ.

    ولم يَبْقَ بين الرجال سوايا.

    وما عدتُ أعرفُ أين تكونُ يَدَاكِ ..

    وأينَ تكونُ يدايا..

    وما عدتُ أعرفُ كيف أُفرِّقُ بين النبيذِ،

    وبين دِمَايا..

    وما عدتُ أعرفُ كيف أُميِّز بين كلام يديْكِ

    وبين كلام المرايا..

    إذا ما تناثرتُ في آخر الليل مثلَ الشظايا

    وحاصَرَني العشْقُ من كُلِّ جانبْْ

    وحاصَرَني الكُحْلُ من كُلِّ جانبْ

    وضَيَّعتُ إسْمي.

    وعُنوانَ بيتي..

    وضيَّعْتُ أسماءَ كُلِّ المراكِبْ

    فأرجوكِ ، بعد التناثُرِ ، أن تَجْمَعيني.

    وأرجوكِ ، بعدَ انْكِساريَ ، أن تُلْصِقيني

    وأرجوكِ ، بعدَ مَمَاتيَ ، أن تَبْعَثيني

    أنا الآن في لَحَظاتِ الجنونِ الكبيرِ

    وسوف تُضِيعين فُرْصَةَ عُمْرِكِ

    إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنوني.

    9

    إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ ،

    شالَ الكيمونُو عن الجَسَد الآسيويِّ

    فأطْلَعَ من عُتْمةِ النَهْد فَجْرَا

    وأطْلَعَ منهُ مَحَاراً..

    وأطْلَعَ منه نُحاساً، وشاياً وعاجاً

    وأطْلَعَ أشياءَ أُخرى..

    إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،

    ألغى اللُّغاتِ جميعاً.

    وحوَل كُلَ الثقافات صِفْرَا..

    وكُلَّ الحضاراتِ صِفْرَا

    وحوَّل ثَغْرَكِ بُسْتَانَ وردٍ

    وحوَّلَ ثَغْريَ خمسين ثَغْرا..

    إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ أعلنَ في آخر الليلِ ،

    أنّكِ أحلى النساءْ..

    وأرشقُهُنَّ قواماً وخَصْرَا

    وأعْلَنَ أنَّ الجميلاتِ في الكون نَثْرٌ

    ووَحْدَكِ أنتِ التي صِرْتِ شِعْرَا

    فباسْم السُكَارى جميعاً

    وباسْمِ الحَيَارى جميعاً

    وباسْمِ الذينَ يُعانونَ من لعنة الحُبِّ ،

    أرجوكِ لا تَلْعَنيني..

    وباسْمِ الذين يعانونَ من ذَبْحةِ القلبِ،

    أرجوكِ لا تَذْبحيني..

    أنا الآنَ في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ

    وسوفَ تُضِيعين فُرْصَة عُمْرِكِ،

    إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني..


    تابع
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:12 pm

    فاطمة في الريف البريطاني
    ---------------------------------

    1

    شهرُ ديسمبرَ رائعْ...

    شهرُ ديسمبرَ في لندنَ ، هذا العامَ ، رائعْ

    فبِهِ هاجَمَني الحُبُّ ..

    وألقاني جريحاً كمصابيح الشَوَارعْ..

    هذه فاطمةٌ تلبسُ بَنْطَالاً من الجلد نبيذيَّاً..

    وتُوصيني بأَنْ أُمْسِكَها من يدِها كي لا أضيعْ

    وهي تدري جيِّداً..

    أنَّني من يوم ميلادي ، ببحر الحُبِّ ضَائعْ

    فلماذا في (هارودزِ) نَسِيَتْني؟

    ولماذا غضِبَتْ منّي .. لماذا أَغْضَبَتْني؟

    وهي تدري أنَّني من دُونها..

    لا أَقْطَعُ الشارعَ وحدي..

    لا ولا أدخُلُ في المعطفِ وحدي..

    لا ولا أشرَبُ فنجاناً من القهوة وحدي..

    لا ولا أعرف أن أرجعَ للفُنْدُق وحدي..

    فلماذا في (هارودزٍ) صَلَبَتْني؟

    فوق أكداس هداياها .. لماذا صَلَبَتْني؟

    وهي تدري أنني أعبُدُها

    من رأسِها حتّى الأصابعْ..

    شهرُ ديسمبرَ رائعْ.

    2

    شهرُ ديسمبرَ ، يبقى مَلِكاً بين الشُهُورْ

    فهو أعطاني مفاتيحَ السماواتِ..

    وأعطاني مفاتيحَ العُصُورْ..

    ورماني كوكباً مُشْتَعِلاً

    حول نَهْدَيْكِ يدُورْ..

    سَقَطَتْ في لندنٍ ، كلُّ التواريخِ،

    وغَابَتْ تحت جفنَيْكِ جبالٌ وبُحُورْ..

    شهرُ ديسمبرَ ، ألغاكِ .. وألغاني..

    فنحنُ الآنَ ضوءٌ غيرُ مرئيٍّ..

    وعطرٌ .. وبَخُورْ..

    شهرُ ديسمبرَ .. مجنونٌ تَعلَّمْتِ به.

    أن تَثُوري..

    وتعلَّمتُ به كيف أثُورْ..

    شهرُ ديسمبرَ ..

    ألغى عُقْدَةَ الحُبِّ التي نحملُها

    فإذا بي مثلَ عُصْفُورٍ طليقٍ..

    وإذا بكِ ، يا فاطمةٌ ،

    دونَ جُذُورْ..

    3

    لندنٌ .. باردةٌ جدّاً..

    فيا فاطمةٌ..

    إفْتَحي فوقي مِظَلاَّتِ الحَنَانْ

    لندنٌ قاسيةٌ جدّاً..

    وإنِّي خائفٌ جدّاً..

    فرُدّي لي شعوري بالأمَانْ

    خَبِّئيني تحت قفطانِكِ ، يا فاطمةٌ

    مثلَ طفلٍ..

    فلقد ضيَّعتُ أبعادي، وأبعادَ المكانْ

    حاولي أن تُصْبحي أُمِّي .. كما أنتِ الحبيبَهْ

    من زمانٍ .. لم أضَعْ رأسي على صدرٍ حَنُونٍ..

    مِنْ زمانْ...

    4

    لندنٌ حُبِّي..

    وفي بارْكَاتِها غَنَّيْتُ أحلى أُغْنِياتي

    لندنٌ مَجْدي..

    ففيها قد تَغَرْغَرْتُ بأُولى كَلِماتي..

    لندنٌ حُزْني..

    على كلِّ رصيفٍ دمْعةٌ من دَمَعَاتي

    لندنٌ عاصمةُ القلبِ..

    وفيها قد تلاقيتُ بسِتِّ المَلِكَاتِ..

    لندنٌ،

    تعرفُ وجهي جيّداً..

    فأنا جُزْءٌ من اللون الرَمَاديِّ..

    ومن أعْمِدَة النُورِ..

    وأضْوَاءِ الميادينِ..

    وصَوْتِ القُبَّراتِ..

    منذُ أنْ جئتُ إليها عاشقاً

    أصبحتْ لندنُ إحدى المُعْجزاتِ..

    لندنٌ .. تأخذني كالطفل في أحضانِها..

    وطَوَالَ الليل، تتلو من كتاب الذكرياتِ..

    لندنٌ صاحبةُ الفَضْلِ .. فقد

    علَّمَتْني العِشْقَ في كُلِّ اللُغَاتِ...

    5

    هذه فاطمةٌ..

    تقتحمُ التاريخَ من كُلِّ الجِهَاتِ..

    إنَّها تدخُلُ كالإبْرَةِ..

    في كلِّ تفاصيل حياتي..

    آهِ .. كم تعجبني فاطمةٌ..

    عندما تجلسُ كالقِطَّةِ بين المُفْرَدَاتِ..

    تأكُلُ الفَتْحَةَ .. والضَمَّةَ .. في شِعْري..

    وتَبْتَلُّ بأمطار دَوَاتي..

    مُبْحِرٌ في زَمَن الكُحْل..

    ولا أدري لأينْ؟

    مُبْحِرٌ فيكِ .. ولا أدري لأينْ؟

    يا صباحَ الخير.. يا عُصْفُورتي

    أنا في أحسن حالاتي..

    فما أطيبَ القهوةَ في قُرْبكِ..

    ما أرْشَقَ هاتَيْنِ اليَدَيْنْ..

    ثم ما أروعَ أن يكتشفَ الإنسانُ

    في ذاتِ صباحٍ لندنيٍّ..

    في مكانٍ ما.. على ظهر الحبيبَهْ...

    شامَتَينْ...

    لم تكونا، عندما جئتِ مساءَ البارحَهْ..

    مولودتْينْ...

    فاتركيني.. أضفُرُ الشَعْرَ الذي

    طالَ في لندنَ، من فَرْط حناني، بُوصَتَيْنْ..

    واتركيني..

    أُمْسكُ الشمسَ التي تغطُسُ بين الشفَتَينْ..

    أتركيني ، أوقفُ التاريخَ يا فاطمةٌ

    لحظةً .. أو لحظتَينْ..

    أخذُوا كلَّ عناويني.. ولم يبقَ أمامي

    غيرُ هذا الشارعِ الضَيِّقِ بين الناهِدَينْ...

    7

    لندنٌ تُمْطرني ثلجاً .. وأبقى باشتهائي بَدَويَّا..

    لندنٌ تمنحني كلَّ الثقافات .. وأَبقى بجنوني عربيَّا..

    لندنٌ تُمطرني عقلاً .. وأبقى فوضويَّا..

    لندنٌ تجهل حتى الآنَ .. من أنتِ لديَّا

    آهِ .. يا سَنْجابةَ الليل التي تدخُلُ في الأعماقِ

    رُمْحاً وَثَنيَّا...

    إنَّ تاريخَكِ قَبْلي كان تاريخاً غبيَّا

    إنَّ عَصْري قَبْلَ أن يُرْسِلَكِ اللهُ إليَّا

    كان عصراً حجريَّا..

    فاشْرَبي شيئاً من الخمر معي..

    إشْرَبي شيئاً من الحُلْم معي..

    إشْرَبي شيئاً من الوَهْم معي..

    إشْرَبي شيئاً من الفَوْضَى معي..

    إشْرَبي حتَّى تصيري امرأةً..

    واتْرُكي الباقي عليَّا..

    شهرُ ديسمبرَ يأتي

    لابساً معطفَ شاعرْ

    شهرُ ديسمبرَ يُهديني دموعاً .. وشُمُوعاً .. ودَفَاترْ..

    هذه فاطمةٌ تلبسُ كيمُونو من الصينِ..

    مُوَشَّى بالأزَاهرْ..

    شايُ بَعْدَ الظهر مِنْ بين يَدَيْها

    مهرجاناتٌ من اللون..

    ومُوسيقى أساورْ..

    لم تكُنْ فاطمةٌ مُشْرِقةَ الوجهِ

    كما كانتْ (بمارلُو)..

    لم تكُنْ صافيةَ العين كما كانتْ (بمارلو)..

    لم تكنْ معتزَّةَ النهدَيْن مِنْ قَبْلُ..

    كما كانتْ (بمارلو)..

    لم تكن ملفوفة الخَصْرِ..

    كما كانتْ (بمارلُو)..

    إنّني آمنتُ أنَّ الحُبَّ ساحرْ..

    9

    هذه فاطمةٌ..

    تغسلُ نَهْدَيها النُحاسِيَّينِ بالماء.. كطائرْ

    وأنا في الغرفة الخضراءِ أسْتَلقي سعيداً

    تحت أشجار الكاكاوُ..

    وهُتافاتِ المرايا والستائرْ..

    فاشْرَبي شيئاً من الشِعْر معي..

    فأنا _ دونَكِ يا سيّدتي_ لستُ بشاعرْ

    إشربي حتى تصيري امرأةً..

    إن حُبِّي لك مَجْنُونٌ .. ومَلْعُونٌ..

    وَوَحْشِيُّ الأظافرْ..

    وَرَق الأشجار في (مارلُو)..

    نحاسيٌّ .. وورديٌّ .. وأصفَرْ..

    ولقائي بكِ في الريف البريطانيِّ

    حُلْمٌ لا يُفسَّرْ..

    والعصافيرُ ترى ثغرَكِ في أحلامها

    وردةً .. أو نجمةً .. أو قُرْصَ سُكَّرْ

    وأنا معتقلٌ ما بين نهديْكِ ..

    ولا أطلبُ – يا سيّدتي- أن أتحرَّرْ..

    آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو)..

    ليتَني أقدرُ أن أغرقَ في فَرْوكِ أكثَرْ...

    ليتَني أقدرُ أن أبقى..

    بهذا الفندق الضائعِ بين الغيم أكثَرْ.

    ليتَني أقدرُ أن أدخلَ في جِلْدكِ..

    في شَعْرِكِ..

    في صوتكِ أكثَرْ..

    آهِ .. يا أيَّتُها الأنثى التي لا تتكرَّرْ

    هل عشقتُ امرأةً قَبْلَكِ.. يا فاطمةٌ؟

    إنَّني لا أتذكَّرْ..

    هل سأهوى امرأةً بَعْدَكِ .. يا فاطمةٌ

    إنَّني لا أتصوَّرْ..

    11

    آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو) الساحِرَهْ

    علِّميني .. كيف تُلغى الذَاكِرَهْ

    هل سألقاكِ (بمارلُو)؟.

    بعد عامٍ ، ربَّما ، أو بعد شَهْرِ..

    فتنامينَ على أعشاب صدري..

    وتُفيقينَ على أعشاب صدري..

    قبل (مارلُو) ليس لي عمرٌ .. فأنتِ الآن عُمْري..

    بعدَ (مارلُو) سيقولُ الناسُ:

    ما أجملَ عينيكِ .. وما أعظمَ شِعْري..

    لم أُشاهِدْ ليلةَ القَدْر.. فهلْ

    أنتِ ، يا فاطمةٌ ، ليلةُ قَدْري؟؟

    12

    أرْجِعيني مرةً أخرى إلى (مارلو)..

    ففيها عِشْتُ عصري الذَهَبيَّا..

    لم يرَ الريفُ البريطانيُّ من قبلكِ

    عَيْنَيْنِ تَقُولانِ كلاماً عربيَّا..

    قبلَ أن ألقاكِ في فندق (مارلو)

    كنتُ إنساناً..

    وأصبحتُ نبيَّا

    أَرْجِعي لي غرفتي في ملتقى النهرِ،

    وأحلامي..

    ورُكْني الشاعريَّا..

    قبل (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا

    بعدَ (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا

    إنَّ عيْنَيْكِ هُمَا ما كَتَبَ اللهُ عليَّا

    فاتركيني نائماً بينهما..

    واقْفِلي البابَ عليَّا..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:12 pm


    مع فاطمة في قطار الجنون
    --------------------------------------

    1

    إبْحَثي عن رَجُلٍ غيري..

    إذا كنتِ تريدينَ السَلامَهْ..

    كلُّ حُبٍّ حارقٍ..

    هو _ يا سيِّدتي _ ضِدَّ السلامَهْ

    كلُّ شِعْرٍ خارقٍ..

    هو _ في تشكيلِهِ _ ضِدَّ السلامَهْ

    فابحثي عن رَجُلٍ غيري..

    إذا كنتِ تُحسِّينَ بأصوات الندامَهْ

    إبحثي عن رَجُلٍ..

    يمتلكُ القدرةَ والصبرَ .. لتثقيف حَمَامَهْ

    فأنا من قَبْلُ .. ما حاولتُ تثقيفَ حَمَامَهْ...

    إنَّ حُبِّي لكِ يا سيِّدتي

    أشْبهُ في يوم القيامَهْ..

    من تُرَى يقدرُ أن يهربَ من يوم القيامَهْ؟

    فاقْبَلي ما قسمَ اللهُ عليكِ..

    بإيمانٍ عميقٍ .. وابتسامَهْ..

    واتْبَعيني ..

    عندما أركبُ في الليل قطاراتِ الجُنُونْ..

    طالما أنتِ معي..

    لستُ مهتمّاً بما كانَ..

    وما سوفَ يكُونْ...

    2

    آهِ .. يا سُنْبُلةَ القمح التي تخرج من وَسْط الدُمُوعْ

    دَخَل السيفُ إلى القلب، ولا يمكننا الآنَ الرُجُوعْ

    إنّنا الآنَ على بوَّابة العشق الخطيرَهْ..

    وأنا أهواكِ حتى الذَبْحِ..

    حتى الموتِ..

    حتى القَشْعريرَهْ..

    نحنُ مَشْهُورانِ جداً..

    وجريئانِ على التاريخ جدّاً..

    والإشاعاتُ كثيرَهْ..

    هكذا يحدث دوماً في العلاقات الكبيرَهْ.

    آهِ .. يا فاطمتي..

    يا التي عِشْتُ وإيّاها ملايينَ الحماقاتِ الصغيرَهْ

    إنّني أعرفُ معنى أن يكونَ المرءُ في حالة عشْقٍ

    خلفَ أسوار الزمان العربيّْ

    وأنا أعرفُ معنى أن يبوحَ المرءُ..

    أو يهمسَ..

    أو ينطقَ..

    في هذا الزمان العربيّْ..

    وأنا أعرفُ معنى أن تكوني امْرأتي..

    رَغْمَ إرهابِ الزمان العربيّْ..

    فأنا تطلبني الشُرْطةُ للتحقيق في ألوان عَيْنَيْكِ..

    وفيما تحتَ قُمصَاني..

    وفيما تحتَ وجداني..

    وأسفاري .. وأفكاري .. وأشعاري الأخيرَهْ..

    وأنا لو أمْسَكُوني..

    أسرُقُ الكُحْلَ الذي يُمْطِرُ من عينيْكِ..

    صَادَتْني بواريدُ العشيرَهْ..

    فافْتَحي شَعْرَكِ عن آخرِهِ..

    إنَّني مُضْطَهَدٌ مثلَ نبيٍّ..

    ووحيدٌ كجزيرَهْ..

    إفْتَحي شعرَكِ عن آخرِهِ..

    وانْزَعي منه الدبابيسَ .. فهذي فرصةُ العمر الأخيرَهْ

    3

    آهِ .. يا أَيْقُونةَ العمر الجميلَهْ

    يا التي تأخذني كلَّ صباحٍ من يدي

    نحو ساحات الطفولَهْ..

    وتُريني تحت جَفْنَيْها شُمُوعاً مُسْتَحيلَهْ..

    وبلاداً مستحيلَهْ..

    أيُّها الكنزُ الخرافيُّ الذي كان معي

    في قطاراتِ الشمالِ..

    إنَّ حِبْرَ الصين في عيْنَيْكِ _ يا سيِّدتي_

    فوق احتمالي..

    يا التي تمرُقُ من بين شراييني..

    كعطر البرتُقالِ..

    4

    يا التي تشطُرُني نِصْفَيْنِ في الليل..

    وعند الفجر، تُلقيني على رُكْبَتِها .. نِصْفَ هلالِ..

    يا التي تحتلُّني شرقاً .. وغرباً..

    ويميناً .. وشمالاً..

    إسْتَمرّي في احتلالي..

    أنا مشتاقٌ إلى أيام (وندرمير)..

    مشتاقٌ لأنْ أمشي وإياكِ على الماءِ..

    وأن أمشي على الغيمِ..

    وأن أمشي على الوقتِ..

    ومشتاقٌ لأنْ أبكي على صدركِ حتى آخرِ العمرِ..

    وحتّى آخرِ الشِعْرِ..

    ومشتاقٌ لحانات الضَواحي..

    وكراسينا أمامَ النار..

    مشتاقٌ إلى كلّ الذُرَى البيضاءِ..

    حيثُ أختلط الكُحْلُ الحجازيُّ مع الثلج..

    ومشتاقٌ إلى شيءٍ من الكونياكِ..

    في بَرْد الليالي..

    5

    آهِ .. يا عصفورةَ الماء التي تجلس قربي..

    في قطارات الشِمالِ..

    إمْسِكيني من ذراعي جيّداً..

    فالقراراتُ التي يصدرها السلطانُ لا تُشْغِلُ بالي..

    ومِلفَّاتي لدى الشُرْطة لا تُشْغِلُ بالي..

    وحدَهُ حبُّكِ – يا سيّدتي- يُشْغِلُ بالي..

    نحنُ قامرنا كثيرا..

    وتطرَّفْنَا كثيرا..

    وتجاوزنا إشاراتِ المُرُورْ..

    فامْسِكيني من ذراعي جيداً..

    لتدورَ الأرضُ..

    فالأرضُ بلا حُبٍّ كبيرٍ .. لا تدُورْ..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:13 pm


    أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي
    ------------------------------------

    1

    هل عندكِ شَكٌّ أنَّكِ أحلى امرأةٍ في الدُنيا؟.

    وأَهَمَّ امرأةٍ في الدُنيا ؟.

    هل عندكِ شكّ أنّي حين عثرتُ عليكِ . .

    ملكتُ مفاتيحَ الدُنيا ؟.

    هل عندكِ شكّ أنّي حين لَمَستُ يَدَيْكِ

    تغيَّر تكوينُ الدنيا ؟

    هل عندكِ شكّ أن دخولَكِ في قلبي

    هو أعظمُ يومٍ في التاريخ . .

    وأجمل خَبَرٍ في الدُنيا ؟

    2

    هل عندكِ شكٌّ في مَنْ أنتْ ؟

    يا مَنْ تحتلُّ بعَيْنَيْها أجزاءَ الوقتْ

    يا امرأةً تكسُر ، حين تمرُّ ، جدارَ الصوتْ

    لا أدري ماذا يحدثُ لي ؟

    فكأنَّكِ أُنثايَ الأُولى

    وكأنّي قَبْلَكِ ما أحْبَبْتْ

    وكأنّي ما مارستُ الحُبَّ . . ولا قبَّلتُ ولا قُبِّلتْ

    ميلادي أنتِ .. وقَبْلَكِ لا أتذكّرُ أنّي كُنتْ

    وغطائي أنتِ .. وقَبْلَ حنانكِ لا أتذكّرُ أنّي عِشْتْ . .

    وكأنّي أيّتها الملِكَهْ . .

    من بطنكِ كالعُصْفُور خَرَجتْ . .

    3

    هل عندكِ شكٌّ أنّكِ جزءٌ من ذاتي

    وبأنّي من عَيْنَيْكِ سرقتُ النارَ. .

    وقمتُ بأخطر ثَوْرَاتي

    أيّتها الوردةُ .. والياقُوتَةُ .. والرَيْحَانةُ ..

    والسلطانةُ ..

    والشَعْبِيَّةُ ..

    والشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ . .

    يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي

    يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ . .

    يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي

    يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ . .

    وأُدْفَنُ فيه ..

    وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي . .

    4

    يا امْرأَةَ الدَهْشةِ .. يا امرأتي

    لا أدري كيف رماني الموجُ على قَدَميْكْ

    لا ادري كيف مَشَيْتِ إليَّ . .

    وكيف مَشَيْتُ إليكْ . .

    يا مَنْ تتزاحمُ كلُّ طُيُور البحرِ . .

    لكي تَسْتوطنَ في نَهْدَيْكْ . .

    كم كان كبيراً حظّي حين عثرتُ عليكْ . .

    يا امرأةً تدخُلُ في تركيب الشِعرْ . .

    دافئةٌ أنتِ كرمل البحرْ . .

    رائعةٌ أنتِ كليلة قَدْرْ . .

    من يوم طرقتِ البابَ عليَّ .. ابتدأ العُمرْ . .

    كم صار جميلاً شِعْري . .

    حين تثقّفَ بين يديكْ ..

    كم صرتُ غنيّاً .. وقويّاً . .

    لمّا أهداكِ اللهُ إليَّ . .

    هل عندكِ شكّ أنّكِ قَبَسٌ من عَيْنَيّْ

    ويداكِ هما استمرارٌ ضوئيٌّ ليَدَيّْ . .

    هل عندكِ شكٌّ . .

    أنَّ كلامَكِ يخرجُ من شَفَتيّْ ؟

    هل عندكِ شكٌّ . .

    أنّي فيكِ . . وأنَّكِ فيَّ ؟؟

    6

    يا ناراً تجتاحُ كياني

    يا ثَمَراً يملأ أغصاني

    يا جَسَداً يقطعُ مثلَ السيفِ ،

    ويضربُ مثلَ البركانِ

    يا نهداً .. يعبقُ مثلَ حقول التَبْغِ

    ويركُضُ نحوي كحصانِ . .

    قولي لي :

    كيف سأُنقذُ نفسي من أمواج الطُوفَانِ ..

    قُولي لي :

    ماذا أفعلُ فيكِ ؟ أنا في حالة إدْمَانِ . .

    قولي لي ما الحلُّ ؟ فأشواقي

    وصلَتْ لحدود الهَذَيَانِ .. .

    7

    يا ذاتَ الأَنْف الإغْريقيِّ ..

    وذاتَ الشَعْر الإسْبَاني

    يا امْرأَةً لا تتكرَّرُ في آلاف الأزمانِ ..

    يا امرأةً ترقصُ حافيةَ القَدَمَيْنِ بمدْخَلِ شِرْياني

    من أينَ أتَيْتِ ؟ وكيفَ أتَيْتِ ؟

    وكيف عَصَفْتِ بوجداني ؟

    يا إحدى نِعَمِ الله عليَّ ..

    وغَيْمَةَ حُبٍّ وحَنَانٍ . .

    يا أغلى لؤلؤةٍ بيدي . .

    آهٍ .. كم ربّي أعطاني . .
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:15 pm

    حبيبتي تقرأ فنجانها
    -------------------------

    1

    توقَّفي .. أرجوكِ .. عن قراءةِ الفنجانْ

    حينَ تكونينَ معي..

    لأنّني أرفضُ هذا العبثَ السخيفَ،

    في مشاعر الإنسانْ.

    فما الذي تبغينَ، يا سيّدتي ، أن تعرفي؟

    وما الذي تبغينَ أن تكْتَشِفي؟.

    أنتِ التي كنتِ على رمال صدري..

    تطلبينَ الدفءَ والأَمَانْ..

    وتصهلينَ في براري الحُبِّ كالحِصَانْ...

    أَلَمْ تقولي ذاتَ يومٍ..

    إنَّ حُبِّي لكِ من عجائب الزَمَانْ؟

    أَلَمْ تَقُولي إنَّني ..

    بَحْرٌ من الرقّةِ والحَنَانْ؟

    فكيفَ تسألينَ ، يا سيِّدتي،

    عنّي .. مُلُوكَ الجانْ؟

    حين أكونُ حاضراً..

    وكيفَ لا تصدِّقينَ ما أنا أقولُهُ؟

    وتطلبينَ الرأيَ من صديقكِ الفنجانْ...

    تَوقَّفي .. أرجوكِ .. عن قراءة الغُيُوبْ..

    إنْ كانَ من بشارةٍ سعيدةٍ..

    أو خَبَرٍ..

    أو كان من حمامةٍ تحمل في منقارها مَكْتُوبْ.

    فإنّني الشخصُ الذي سيُطْلِقُ الحَمَامَهْ..

    وإنّني الشخصُ الذي سيكتُبُ المكْتُوبْ..

    أو كان يا حبيبتي من سَفَرٍ..

    فإنَّني أعرفُ من طفولتي .. خرائطَ الشمال والجنوبْ..

    وأعرفُ المدائنَ التي تبيعُ للنساءِ أروعَ الطُيُوبْ..

    وأعرفُ الشمسَ التي تنامُ تحت شَرْشَفِ المحبُوبْ..

    وأعرفُ المطاعمَ الصُغْرى التي تشتبكُ الأيدي بها..

    وتهمسُ القلوبُ للقلوبْ..

    وأعرفُ الخمرَ التي تفتحُ يا حبيبتي نوافذَ الغُرُوب

    وأعرفُ الفنادقَ الصغرى التي تعفو عن الذُنُوبْ

    فكيفَ يا سيّدتي؟

    لا تقبلينَ دعوتي

    إلى بلادٍ هَرَبتْ من مُعْجَم البُلْدَانْ..

    قصائدُ الشِعْر بها..

    تنبتُ كالعُشْبِ على الحيطانْ..

    وبَحْرُها..

    يخرجُ منه القمحُ .. والنساءُ .. والمَرْجَانْ..

    فكيفَ يا سيّدتي..

    تركتنِي .. منْكَسِرَ القلب على الإيوانْ

    وكيف يا أميرةَ الزمانْ؟.

    سافرتِ في فنجانْ...

    3

    فإنّي لستُ مُهتمّاً بكَشْفِ الفَالْ..

    ولستُ مهتمّاً بأن أُقيمَ أحلامي على رمالْ

    ولا أرى معنى لكلّ هذه الرسومِ ، والخطوطِ ، والظلالْ..

    ما دام حُبّي لكِ يا حبيبتي..

    يضربني كالبَرْقِ والزَلْزَالْ..

    فما الذي يفيدُكِ الإسْرَافُ في الخيالْ؟

    ما دام حبّي كلَّ لحظةٍ سنابلاً من ذَهَبٍ..

    وأنهراً من عَسَلٍ.. وعِطْرَ بُرتُقالْ..

    فما الذي يفيدُكِ السؤالْ؟

    عن كلِّ ما يأتيكِ من أطفالْ..

    وكيف ، يا سيّدتي ، يفكّرُ الرجالْ..

    ***

    توقّفي فوراً..

    فإنِّي أرفضُ التزييفَ في مشاعر الإنسانْ

    توقَّفي .. توقَّفي ..

    من قبل أن أُحَطِّمَ الفنجانْ...

    توقَّفي .. توقَّفي ..

    من قبل أن أُحَطِّمَ الفنجانْ...

    *******************************

    إلى ممثّلة فاشلة
    --------------------------

    1

    في طَبْعكِ التمثيلْ

    في طَبْعكِ التمثيلْ

    ثيابُكِ الغريبةُ الصارخةُ الألوانْ..

    وصوتُكِ المُفْرِطُ في الحنانْ..

    وشَعْرُكِ الضائعُ في الزمان والمكانْ..

    والحَلَقُ المغامرُ الطويلْ

    جميعُها .. جميعُها..

    من عُدَّةِ التمثيلْ..

    2

    سيّدتي:

    إيّاكِ أن تستعملي قصائدي

    في غَرَض التجميلْ

    فإنَّني أكرهُ كلَّ امرأةٍ

    تستعملُ الرجالَ للتجميلْ

    لستُ أنا .. لستُ أنا..

    الشخص الذي تُعلِّقينَ في الخِزَانَهْ

    ولا طُموحي أن أُسمَّى شاعرَ السُلْطَانَهْ

    أو أن أكونَ قِطَّةً تُرْكيةً

    تنامُ طولَ الليل تحت شَعْركِ الطويلْ

    فالدورُ مستحيلْ

    لأنَّني أرفضُ كلَّ امْرَأةٍ..

    تُحِبُّني .. في غَرَض التجميلْ..

    3

    لا تسْحَبيني من يدي..

    إلى مشاويركِ مثلَ الحَمَل الوديعْ.

    لا تحسبيني عاشقاً من جُمْلة العُشَّاق في القطيعْ.

    ما عدتُ أستطيعُ أن أحتملَ الإذلالَ يا سيِّدتي،

    والريحَ .. والصقيعْ..

    ما عدتُ أستطيعْ..

    نصيحتي إليكِ .. أن لا تَصْبغي الشفاهَ من دمائي

    نصيحتي إليكِ .. أن لا تقفزي من فوق كبريائي

    نصيحتي إليكِ .. أن لا تعرضي

    رسائلي التي كتبتُها إليكِ كالإمَاءِ..

    فإنَّني آخرُ مَنْ يُعْرَضَ كالخيول في مجالس النساءِ..

    4

    نصيحةٌ برئيةٌ إليكِ .. يا عزيزتي

    لا تحسبيني وَصْلَةً شِعْريّةً أكونُ فيها نَجْمَ حَفْلاتِكْ.

    أو تحسبيني بطلاً من وَرَقِ يموتُ في إحدى رواياتِكْ

    أو تُشْعليني شَمْعةً لتضْمَني نجاحَ سَهْراتِكْ..

    أو تلبسيني معطفاً لتعرفي رأيَ صديقاتِكْ..

    أو تجعليني عادةً يوميَّةً من بين عاداتِكْ..

    5

    نصيحةٌ أخيرةٌ إليكِ .. يا عزيزتي

    لا تسْتَغِلّي الشِعْرَ حتى تُشْبِعي إحدى هواياتِكْ

    فلنْ أكونَ راقصاَ مُحْترفاً...

    يسعى إلى إرضاء نَزْواتِكْ

    وها أنا أقدِّمُ استقالتي

    من كُلِ جنَّاتِكْ...
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:16 pm

    لا أرى أحداً سواكِ
    --------------------------

    أنا لا أفكِّرُ..

    أن أقاومَ ، أو أثُورَ على هواكِ..

    فأنا وكلُّ قصائدي..

    من بعض ما صنعتْ يداكِ..

    إنَّ الغرابةَ كلَها..

    أنّي محاطٌ بالنساءِ..

    ولا أرى أحداً سواكِ..

    *******************************

    على عينيك يضبط العالم ساعاته
    ---------------------------------

    1

    قبل أن تُصبحي حبيبتي

    كانَ هناكَ أكثرُ من تقويمٍ لحساب الزَمَنْ.

    كان للهُنُود تقويمُهُمْ،

    وللصينيِّنَ تقويمُهُم،

    وللفُرْسِ تقويمُهُمْ،

    وللمصريِّينَ تقويمُهُم،

    بعدَ أن صرتِ حبيبتي

    صارَ الناس يَقُولون:

    السنةُ الألفُ قبل عَيْنَيْها

    والقرنُ العاشر بعد عَيْنَيْها.

    وصلتُ في حُبِّكِ إلى درجة التَبَخُّرْ

    وصارَ ماءُ البحر أكبرَ من البحرْ

    ودَمْعُ العين أكبرَ من العينْ

    ومساحةُ الطَعْنَةِ..

    أكبرَ من مساحة اللَّحْمْ.

    3

    وأتوحَّدَ بكِ أكْثَرْ

    صارتْ شفتايَ لا تكفيانِ لتَغْطيةِ شَفَتَيْكِ

    وذِرَاعايَ لا تكتفيانِ لتطويقِ خَصْرِكْ

    وصارتْ الكِلماتُ التي أعرفُها

    أَقَلَّ بكثيرٍ،

    من عدد الشَامَاتِ التي تُطرِّزُ جَسَدكِ.

    4

    لم يعُدْ بوسْعي،

    فمنذُ أعوامٍ،

    وهُمْ يُعْلِنونَ في الجرائد أنَّني مفقودْ

    ولا زلتُ مَفْقُوداً..

    حتى إشعارٍ آخَرْ..

    5

    لم يَعْدْ بوسْع اللغة أن تَقُولَكِ..

    صارتِ الكِلماتُ كالخيول الخَشَبيَّهْ

    ولا تَطَالُكِ..

    كُلَّما اتَّهمُوني بحُبِّكِ..

    أشعُرُ بتفوّقي.

    وأعقدُ مؤتمراً صحفيَّاً،

    أوزِّعُ فيه صُوَرَكِ على الصحافَهْ،

    وأظهر على شَاشةِ التلفزيونْ

    وأنا أضَعُ في عروة ثوبي

    وردةَ الفضيحَهْ..

    7

    كنتُ أسمعُ العُشَّاقَ

    يتحدَّثُونَ عن أشواقِهمْ

    فأضْحَكْ..

    وشربتُ قهوتي وحدي..

    عرفتُ كيف يدخلُ خنجرُ الشوق في الخاصرة

    ولا يخرجُ أبداً..

    8

    مُشْكلتي مع النَقْد

    أنَّني كلَّما كتبتُ قصيدةً باللون الأسودْ

    قالوا إنَّني نَقَلْتُها عن عَيْنَيْكِ..

    9

    أنَّني كلَّما نفيتُ علاقتي بكِ

    سَمِعْنَ خَشْخَشَةَ أساوركِ

    في ذَبْذَبات صوتي

    ورأينَ قميصَ نَوْمكِ

    10

    لا تُعوِّديني عليكِ..

    فقد نصحني الطبيبْ

    أن لا أتركَ شفتيَّ في شَفَتَيْكِ

    أكثرَ من خَمْسِ دقائقْ

    وأن لا أجلس تحت شمس نَهْدَيْكِ

    أكثرَ من دقيقةٍ واحدةٍ

    11

    إنْ كنتِ تعرفينَ رَجُلاً..

    يُحِبُّكِ أكثرَ منّي

    فدُلّيني عليهْ

    لأُهنِّئهُ..

    وأَقْتُلَهُ بعد ذلكْ..

    أكثرَ من دقيقةٍ واحدةٍ

    حتَّى لا أحترقْ..

    11

    إنْ كنتِ تعرفينَ رَجُلاً..

    يُحِبُّكِ أكثرَ منّي

    فدُلّيني عليهْ

    لأُهنِّئهُ..

    وأَقْتُلَهُ بعد ذلكْ..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:18 pm


    في وصف قطّة سيامية
    ---------------------------

    1

    تخلعُ فاطمةُ حَذَاءَها...

    وتتكوَّمُ،

    كقِطَّةٍ سِيَاميَّةٍ في جَوْف راحتي

    ترمي حقيبتَها على مَقْعَدْ...

    وكيسَ مُشْترياتِها على مقعدْ

    وتدخُلُ...

    في أوّل شريانٍ تصادِفُهْ.

    تخلعُ فاطمةُ أسماءَها..

    وتقرّرُ في شجاعةٍ باهرَهْ

    أن تكونَ امرأتي..

    تَنْتَزعُ الحَلَقَ من أُذُنَيْها

    تَنْتَزِعُ الأساورَ من يَدَيْهَا

    ترمي خواتمَهَا..

    ودبابيسَ شَعْرِها على الأرضْ

    وذاكرتَها .. وأيَّامها المتشابهةَ على الأرض

    وتَنْدسُّ كشجرة الكاكاو...

    تحت ثيابي..

    3

    تختارُ لونَ ستائري،

    ولونَ دفاتري،

    وتَفْرضُ عليَّ ذَوقَها في الطعام، وفي الحُبّ

    وتُغَمْغَمُ من فَرَحِها..

    كقِطَّة سياميَّهْ..

    4

    تدخُلُ فاطمةُ عليَّ..

    تَضَعُ مجلاتِها النسائيّةَ على مكتبي.

    وثوبَ نومها في خزانتي..

    وملاقطَ شَعْرِها في جواريري..

    تضعُ فُرْشَاةَ أسنانها،

    قُرْبَ فُرْشاةِ أسناني،

    فأُدركُ أنَّها قرّرتِ احتلالي...

    5

    تضجر فاطمةُ من شكل نهديْها

    وتحاولُ رسْمَهُما من جديدْ..

    وتأمُرُها أن تتحوَّلَ إلى عُصْفور..

    لا شيءَ أروعَ من فاطِمَهْ

    عندما تخرجُ من بيت الطاعَهْ

    وتصهل كمِهْرَةٍ..

    تحت شمس الحريَّهْ.

    6

    تقودُ فاطمةُ انقلاباً تاريخياً على جَسَدِها..

    وتستلم السُلْطَهْ.

    تضعُ وزراءَها في السجنْ

    وقيس بنَ الملوَّحِ، وجميلَ بُثَيْنَةَ

    وجميع الشعراء العُذريّينَ في السجنْ

    وجميعَ الذين ألَّفُوا في فَنِّ الحُبّ

    ولم يلامسوا إصْبَعَ امرأهْ...

    وجميع الذينَ تحدَّثوا عن انتصاراتهم النسائيَّةَ

    دون أن يصابُوا

    بطَعْنَةٍ واحدةٍ..

    أو بقُبْلةٍ واحدةٍ

    أو بذَبْحَةٍ قلبيّةٍ واحدَهْ..

    وجميع الذين كتبُوا عن جحيم الجنسْ

    ولم يناموا مع ذبابَهْ..

    وتعلنُ فاطمةُ أمام الجماهير التي جاءتْ لمبايعتها

    وفي لحظة صدقٍ لا يعرفُها العرب

    أنَّها حبيبتي..

    7

    ترفُضُ فاطمةُ جميعَ النُصُوصِ المشكوكِ بصِحَّتها

    وتبتديءُ من أَوَّل السطرْ..

    تمزِّقُ جميع المخطوطات التي ألَّفَها الذُكُورْ

    وتبتديءُ من أبجديَّةِ أنوثتها.

    وتقرأ في كتاب فمي.

    تهاجرُ من مُدُن الغبار

    وتتبعني حافيةً إلى مُدُن الماءْ.

    تقفز من قطار الجاهلية

    وتتكلّم معي لغةَ البحر..

    تكسر ساعتَها الرمليَّه..

    وتأخذُني معها إلى خارج الوقتْ...

    8

    تعتقدُ فاطمَهْ

    -وفاطمةُ دائماً على حقّ-

    أنَّ حركةَ التاريخ تبدأ من عَيْنَيْها،

    وأن الإنسانَ الأوَّلَ،

    عمَّر مغارتَهُ ما بين نهدَيْها..

    والموسيقى لا صوت لها..

    والألوانَ لا لونَ لها..

    وأن الشِّعْرَ - إذا هي رَفَعتْ يدها عنه –

    سيُقفل البابَ على نفسه،

    وينتحرْ...

    9

    تُعْجِبُني قَرَاراتُ فاطِمَهْ

    عندما تتحوَّلُ من حَجَرٍ مُسْتَديرْ

    إلى نافُورة ماءٍ في بيتٍ أنْدَلُسيّْ

    ومن قصيدةٍ مَوْزُونةٍ ومُقفَّاةْ

    إلى حمامةٍ تحطُّ على كَتِفي

    ومن جاريةٍ في بلاط هارون السادسِ عَشَرْ

    10

    تعجبني حماقاتُ فاطمَهْ..

    عندما تتجاوزُ الإشَاراتِ الحمراءْ

    التي وضَعَها التاريخيُّونَ حول كلامِها،

    وحول أحْلامِها..

    وتذبحُهُمْ في خيمَتِهِمْ

    واحداً .. واحداً..

    وتعجبُني مبالاتُ فاطمَهْ

    وتُعيِّنني حارساً على نهدَيْها

    بمرتَّبٍ قدرُهُ عَشَرَةُ آلافِ قُبْلةٍ

    في الليلة الواحدَهْ....

    11

    أُحِبُّ فاطمَهْ

    حين تشربُ قهوتَها الصباحيَّةَ،

    وتشربُني..

    وأُحبُّها أكثَرْ

    حين تؤكِّدُ لي:

    أنَّها سوفَ تحتلُّ العالَمَ،

    وتَحْتَلُّني..

    12

    وهي تصطادُ السَمَكَ الأحمرْ

    على شواطئِ دمي..

    13

    تعتقلني فاطمةُ تحت أهدابِها

    فلا أعرفُ متى ينتهي الليل

    ومتى يبدأ النَهَارْ..

    14

    على يَدَيْ فاطِمَهْ

    ومحارباً جيّداً

    كما علَّمتني أن أحِبَّها جيداً

    وعلى يَدَيْ فاطمَهْ

    تعلَّمتُ أن الليبراليَّةَ هي امرأَهْ.

    فَهُوَ رَجُلُ مخابَراتْ...

    15

    مَنْ لم يعرِفْ فاطِمَهْ

    لم يعرِفْ ما هي أعظَمُ أعمالِ اللهْ..

    16

    تُحَطِّمُ فاطمَهْ

    جميعَ قوارير الطبِّ العربيّْ

    وجميعَ مُعْتَقلاتِ الحُبِّ العربيّْ

    وتُخْرجُني من ثبات النَصِّ العربيّْ

    وتفتحُ لي بابَ الإجتهادْ.

    17

    فاطِمَهْ.

    هي أهَمُّ امرأةٍ بين نساء العالَمْ.

    وحَمَلَ السلاحَ معها..

    مَنْ لم يعرِفْ فاطِمَهْ

    لم يعرِفْ ما هي أعظَمُ أعمالِ اللهْ..

    ولَمْ يعرفْ ما هو الشِعْرْ..

    16

    تُحَطِّمُ فاطمَهْ

    جميعَ قوارير الطبِّ العربيّْ

    وجميعَ مُعْتَقلاتِ الحُبِّ العربيّْ

    وتُخْرجُني من ثبات النَصِّ العربيّْ

    وتفتحُ لي بابَ الإجتهادْ.

    17

    فاطِمَهْ.

    هي أهَمُّ امرأةٍ بين نساء العالَمْ.

    وأنا، أَهَمُّ رَجُلٍ أحَبَّها

    وحَمَلَ السلاحَ معها..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:22 pm


    إنها تُثلج نِساءً
    ---------------------------

    1

    إنَّها تُثْلِجُ نساءً..

    أَنْزَعُ معطفَ المطر الذي أرتديهْ،

    وأُقفل مظلَّتي،

    وأتْرُكُهنَّ يتساقَطْنَ على جسدي

    واحدةً .. واحدَهْ

    ثماراً من النارْ

    وعصافيرَ من الذَهَبْ.

    إنَّها تُثْلِجُ نساءً..

    أفْتَحُ جميعَ أزرار قميصي

    وأتركُهُنَّ يَتَزَحْلَقْنَ على هضابي

    ويغْتَسِلْنَ بمياهي

    ويَرْقُصْنَ في غاباتي

    ويَنمْنَ في آخر الليل كالطيور فوق أشجاري..

    3

    أخرجُ كالطفل إلى الحديقَهْ

    وأتركُهُنَّ يكرُجْنَ كاللآليء على جبيني

    إمرأةً .. إمرأَهْ

    ولُؤْلُؤةً .. لُؤلُؤَهْ..

    أحملُهُنَّ كالثلج على راحة يدي

    وأخافُ عليهنَّ أن يذُبْنَ كالثلج بين أصابعي

    من حرارة العشقْ.

    4

    إنَّها تُثْلِجُ نساءً..

    البوادي تخرجُ .. والحواضرُ تَخْرُجْ

    الأغنياءُ يخرجونَ .. والفقراءُ يخرجون

    واحدٌ يحملُ بارودةَ صيدْ

    وواحدٌ يحملُ صنَّارةَ سمكْ

    وواحدٌ يحمل بَطْحَةَ عَرَقْ

    وواحدٌ يحملُ مخدَّةً وسريرا..

    5

    إنَّها تُثْلِجُ نساءً..

    والوطَنُ كلُّهُ مُسْتَنْفَرٌ للهجوم على اللون الأبيضْ

    وواحدٌ يريد أن يتزوَّجَ الثلجْ..

    وواحدٌ يريدُ أن يأكلَهُ..

    وواحدٌ يريدُ أن يأخذَه لبيت الطاعَهْ..

    وواحدٌ يسحبُ دفترَ شيكاته من جيبه

    ليشتري أيَّ نهدٍ أشْقَرَ يسقطُ من السماءْ

    كي يجعلهُ ديكوراً في حجرة نومِهْ....

    6

    يَسْمَعُ الثلجُ قَرْعَ الطبولِ ، وخَشْخَشَةَ السلاسِلْ

    ويَرَى بريقَ الخناجر ، والتماعَ الأنيابْ

    يخافُ الثلجُ على عذريَّتهِ..

    ويقرّرُ أن يسقطَ في بلادٍ أُخرى...

    يَسْمَعُ الثلجُ قَرْعَ الطبولِ ، وخَشْخَشَةَ السلاسِلْ

    ويَرَى بريقَ الخناجر ، والتماعَ الأنيابْ

    يخافُ الثلجُ على عذريَّتهِ..

    فيحزم حقيبتَهُ،

    ويقرّرُ أن يسقطَ في بلادٍ أُخرى...

    ************************************

    الحبّ لا يقف على الضوء الأحمر
    -------------------------------

    1

    لا تُفَكِّرْ أبداً.. فالضوءُ أحمَرْ..

    لا تُكلِّمْ أحداً .. فالضوءُ أحمَرْ

    لا تًجادلْ في نصوص الفقْهِ..

    أو في النَحْوِ..

    أو في الصَرْفِ..

    أو في الشِعْرِ..

    أو في النَثْرِ..

    إنَّ العقلَ ملعونٌ ، ومَكْروهٌ ، ومُنْكَرْ...

    لا تُغادرْ..

    قُنَّكَ المختومَ بالشَمْع.. فإنَّ الضوءَ أحمَرْ

    لا تُحِبَّ امْرَأةً .. أو فَاْرةً..

    إنَّ ضوءَ الحُبِّ أحمَرْ..

    لا تُضاجعْ حائطاً .. أو حَجَراً .. أو مَقْعَداً..

    إنَّ ضوءَ الجنْسِ أحمَرْ..

    إبْقَ سِرِّياً..

    ولا تكشِفْ قَرَاراتِكَ حتَّى لذُبَابَهْ..

    إبْقَ أُمِّياً..

    ولا تدخُلْ شريكاً في الزنى أو في الكتابَهْ..

    فالزنى في عصرنا..

    أهونُ من جُرْم الكتابَهْ..

    3

    وبأشجارِ .. وبأنهارِ .. وأخبارِ الوطَنْ

    لا تُفكِّرْ بالذين اغتصبُوا شمسَ الوطَنْ..

    إنَّ سيفَ القَمْع يأتيكَ صباحاً

    في عناوين الجريدَهْ..

    وتَفَاعيلِ القصيدَهْ..

    وبقايا قَهْوَتِكْ

    لا تَنمْ بين ذرَاعَيْ زوجتِكْ...

    إنَّ زُوَّاركَ عند الفجر موجودونَ تحت الكَنَبَهْ..

    4

    لا تُطالعْ كُتُباً في النقد أو في الفلسفَهْ

    مزروعونَ مثلَ السُوسِ في كلِّ رفوف المكْتَبَهْ..

    إبْقَ في برميلكَ المملوءِ نَمْلاً.. وبَعُوضاً.. وقِمَامَهْ

    إبْقَ مِنْ رجْلَيْكَ مشنوقاً إلى يوم القيامَهْ..

    إبقَ من صوتِكَ مشنوقاً إلى يومِ القيامَهْ..

    إبْقَ من عقلكَ .. مشنوقاً إلى يوم القيامَهْ..

    إبْقَ في البرميل.. حتَّى لا ترى

    وَجْهَ هذي الأمّةِ المُغْتَصبَهْ..

    5

    أنتَ لو حاولتَ أن تذهبَ للسلطانِ..

    أو زوجتِهِ..

    أو كلبِهِ المسؤولِ عن أَمن البلادْ..

    والذي يأكُلُ أسماكاً.. وتُفَّاحاً.. وأطفالاً..

    كما يأكُلُ من لحم العبادْ..

    لوجدتَ الضوءَ أحمرْ..

    6

    أنتَ لو حاولتَ أن تقرأَ يوماً

    نَشْرةَ الطقس.. وأسماءَ الوفيّاتِ.. وأخبارَ الجرائمْ..

    لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..

    أو أحذيةِ الأطفالِ..

    أو سعرِ الطماطمْ..

    لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..

    أنتَ لو حاولتَ أن تقرأ يوماً

    صفحةَ الأبراجِ..

    كي تعرفَ ما حَظُّكَ قَبْلَ النَفْطِ..

    أو حظُكَ بعدَ النَفْطِ..

    أو تعرفَ ما رقْمُكَ ما بين طوابير البهَائمْ..

    لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..

    7

    أنتَ لو حاولتَ..

    أن تبحثَ عن بيتٍ من الكرتُون يأويكَ..

    أو سيِّدةٍ – من بقايا الحرب- ترضى أن تُسَلِّيكَ.

    وعن نهديْنِ معطُوبيْنِ..

    لوجدت الضوءَ أحمَرْ..

    أنتَ لو حاولتَ..

    أن تسألَ أستاذَكَ في الصفّ.. لماذا؟

    يتسَلَّى عربُ اليوم بأخبار الهزائمْ؟

    ولماذا عربُ اليوم زُجَاجٌ فوقَ بعضٍ يتكسَّرْ؟

    لوجدتَ الضوءَ أحمَرْ..

    8

    لا تُسافِرْ بجوازٍ عربيّْ..

    لا تسافرْ مرةً أخرى لأوروبّا

    فأوروبّا – كما تعلمُ – ضاقَتْ بجميع السُفَهَاءْ..

    أيُّها المنبوذُ..

    والمشبُوهُ..

    أيُّها الديكُ الطعينُ الكبرياءْ..

    أيُّها المقتولُ من غير قتالٍ..

    أيُّها المذبوحُ من غير دماءْ..

    لا تُسافرْ لبلاد اللهِ..

    إنَّ الله لا يرضى لقاءَ الجُبَنَاءْ..

    9

    لا تُسافِرْ بجوازٍ عربيّْ..

    وانتظرْ كالجُرْذ في كُلِّ المطاراتِ،

    فنَّ الضوءَ أحمَرْ..

    لا تقُلْ باللغة الفُصْحَى..

    أنا مروانُ.. أو عدنانُ..

    أو سَحْبَانُ

    إنَّ الإسمَ لا يعني لها شيئاً..

    وتاريخُكَ – يا مولايَ – تاريخٌ مُزَوَّرْ..

    لا تُفاخِرْ ببطولاتكَ في (لليدو)

    فسوزانُ..

    وجانينُ..

    وكوليتُ..

    وآلافُ الفَرَنْسِيَّاتِ.. لم يقرأنَ يوماً

    قصّةَ الزيرِ وعنتَرْ..

    يا صديقي:

    أنتَ تبدو مُضْحكاً في ليل باريسَ..

    فَعُدْ فوراً إلى الفندقِ..

    إنَّ الضوءَ أحمَرْ..

    11

    لا تُسافِرْ..

    بجوازٍ عربيٍّ بين أحياءِ العَرَبْ!!

    فهُمُ من أجل قرشٍ يقتُلُونَكْ..

    وهُمُ – حين يَجُوعُونَ مساءً – يأكُلُونَكْ

    لا تكنْ ضيفاً على حاتمِ طيّْ

    فهو كذَّابٌ..

    ونصَّابٌ..

    وصناديقُ الذَهَبْ..

    12

    يا صديقي:

    لا تَسِرْ وحْدَكَ ليلاً

    بين أنيابِ العَرَبْ..

    أنتَ في بيتكَ محدودُ الإقامَهْ..

    أنتَ في قومكَ مجهولُ النَسَبْ..

    يا صديقي:

    رحِمَ اللهُ العَرَبْ!!.

    وصناديقُ الذَهَبْ..

    12

    يا صديقي:

    لا تَسِرْ وحْدَكَ ليلاً

    بين أنيابِ العَرَبْ..

    أنتَ في بيتكَ محدودُ الإقامَهْ..

    أنتَ في قومكَ مجهولُ النَسَبْ..

    يا صديقي:

    رحِمَ اللهُ العَرَبْ!!.
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:23 pm


    محاولاتٌ لقتل امرأةٍ لا تُقْتَل
    --------------------------------

    1

    وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..

    ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ

    وعدتُكِ أن لا أعودَ...

    وعُدْتْ...

    وأن لا أموتَ اشتياقاً

    ومُتّْ

    وعدتُ مراراً

    وقررتُ أن أستقيلَ مراراً

    ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ...

    2

    وعدتُ بأشياء أكبرَ منّي..

    فماذا غداً ستقولُ الجرائدُ عنّي؟

    أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي جُنِنْتْ..

    أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي انتحرتْ

    وعدتُكِ..

    أن لا أكونَ ضعيفاً... وكُنتْ..

    وأن لا أقولَ بعينيكِ شعراً..

    وقُلتْ...

    وعدتُ بأَنْ لا ...

    وأَنْ لا..

    وأَنْ لا ...

    وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ...

    3

    وَعَدْتُكِ..

    أن لا أُبالي بشَعْرِكِ حين يمرُّ أمامي

    وحين تدفَّقَ كالليل فوق الرصيفِ..

    صَرَخْتْ..

    وعدتُكِ..

    أن أتجاهَلَ عَيْنَيكِ ، مهما دعاني الحنينْ

    وحينَ رأيتُهُما تُمطرانِ نجوماً...

    شَهَقْتْ...

    وعدتُكِ..

    أنْ لا أوجِّهَ أيَّ رسالة حبٍ إليكِ..

    ولكنني – رغم أنفي – كتبتْ

    وعَدْتُكِ..

    أن لا أكونَ بأيِ مكانٍ تكونينَ فيهِ..

    وحين عرفتُ بأنكِ مدعوةٌ للعشاءِ..

    ذهبتْ..

    وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..

    كيفَ؟

    وأينَ؟

    وفي أيِّ يومٍ تُراني وَعَدْتْ؟

    لقد كنتُ أكْذِبُ من شِدَّة الصِدْقِ،

    والحمدُ لله أني كَذَبْتْ....

    4

    وَعَدْتُ..

    بكل بُرُودٍ.. وكُلِّ غَبَاءِ

    بإحراق كُلّ الجسور ورائي

    وقرّرتُ بالسِّرِ، قَتْلَ جميع النساءِ

    وأعلنتُ حربي عليكِ.

    وحينَ رفعتُ السلاحَ على ناهديْكِ

    انْهَزَمتْ..

    وحين رأيتُ يَدَيْكِ المُسالمْتينِ..

    اختلجتْ..

    وَعَدْتُ بأنْ لا .. وأنْ لا .. وأنْ لا ..

    وكانت جميعُ وعودي

    دُخَاناً ، وبعثرتُهُ في الهواءِ.

    5

    وَغَدْتُكِ..

    أن لا أُتَلْفِنَ ليلاً إليكِ

    وأنْ لا أفكّرَ فيكِ، إذا تمرضينْ

    وأنْ لا أخافَ عليكْ

    وأن لا أقدَّمَ ورداً...

    وأن لا أبُوسَ يَدَيْكْ..

    وَتَلْفَنْتُ ليلاً.. على الرغم منّي..

    وأرسلتُ ورداً.. على الرغم منّي..

    وبِسْتُكِ من بين عينيْكِ، حتى شبِعتْ

    وعدتُ بأنْ لا.. وأنْ لا .. وأنْ لا..

    وحين اكتشفتُ غبائي ضحكتْ...

    6

    وَعَدْتُ...

    بذبحِكِ خمسينَ مَرَّهْ..

    وحين رأيتُ الدماءَ تُغطّي ثيابي

    تأكَّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتْ..

    فلا تأخذيني على مَحْمَلِ الجَدِّ..

    مهما غضبتُ.. ومهما انْفَعَلْتْ..

    ومهما اشْتَعَلتُ.. ومهما انْطَفَأْتْ..

    لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدْقِ

    والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...

    7

    وعدتُكِ.. أن أحسِمَ الأمرَ فوْراً..

    وحين رأيتُ الدموعَ تُهَرْهِرُ من مقلتيكِ..

    ارتبكْتْ..

    وحين رأيتُ الحقائبَ في الأرضِ،

    أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَهْ

    فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القبيلَهْ..

    وأنتِ القصيدةُ قبلَ التكوُّنِ،

    أنتِ الدفاترُ.. أنتِ المشاويرُ.. أنت الطفولَهْ..

    وأنتِ نشيدُ الأناشيدِ..

    أنتِ المزاميرُ..

    أنتِ المُضِيئةُ..

    أنتِ الرَسُولَهْ...

    8

    وَعَدْتُ..

    بإلغاء عينيْكِ من دفتر الذكرياتِ

    ولم أكُ أعلمُ أنّي سأُلغي حياتي

    ولم أكُ أعلمُ أنِك..

    - رغمَ الخلافِ الصغيرِ – أنا..

    وأنّي أنتْ..

    وَعَدْتُكِ أن لا أُحبّكِ...

    - يا للحماقةِ -

    ماذا بنفسي فعلتْ؟

    لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،

    والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...

    9

    وَعَدْتُكِ..

    أنْ لا أكونَ هنا بعد خمس دقائقْ..

    ولكنْ.. إلى أين أذهبُ؟

    إنَّ الشوارعَ مغسولةٌ بالمَطَرْ..

    إلى أينَ أدخُلُ؟

    إن مقاهي المدينة مسكونةٌ بالضَجَرْ..

    إلى أينَ أُبْحِرُ وحدي؟

    وأنتِ البحارُ..

    وأنتِ القلوعُ..

    وأنتِ السَفَرْ..

    فهل ممكنٌ..

    أن أظلَّ لعشر دقائقَ أخرى

    لحين انقطاع المَطَرْ؟

    أكيدٌ بأنّي سأرحلُ بعد رحيل الغُيُومِ

    وبعد هدوء الرياحْ..

    وإلا..

    سأنزلُ ضيفاً عليكِ

    إلى أن يجيءَ الصباحْ....

    *

    10

    وعدتُكِ..

    أن لا أحبَّكِ، مثلَ المجانين، في المرَّة الثانيَهْ

    وأن لا أُهاجمَ مثلَ العصافيرِ..

    أشجارَ تُفّاحكِ العاليَهْ..

    وأن لا أُمَشّطَ شَعْرَكِ – حين تنامينَ –

    يا قطّتي الغاليَهْ..

    وعدتُكِ، أن لا أُضيعَ بقيّة عقلي

    إذا ما سقطتِ على جسدي نَجْمةً حافيَهْ

    وعدتُ بكبْح جماح جُنوني

    ويُسْعدني أنني لا أزالُ

    شديدَ التطرُّفِ حين أُحِبُّ...

    تماماً، كما كنتُ في المرّة الماضيَهْ..

    11

    وَعَدْتُكِ..

    أن لا أُطَارحَكِ الحبَّ، طيلةَ عامْ

    وأنْ لا أخبئَ وجهي..

    بغابات شَعْرِكِ طيلةَ عامْ..

    وأن لا أصيد المحارَ بشُطآن عينيكِ طيلةَ عامْ..

    فكيف أقولُ كلاماً سخيفاً كهذا الكلامْ؟

    وعيناكِ داري.. ودارُ السَلامْ.

    وكيف سمحتُ لنفسي بجرح شعور الرخامْ؟

    وبيني وبينكِ..

    خبزٌ.. وملحٌ..

    وسَكْبُ نبيذٍ.. وشَدْوُ حَمَامْ..

    وأنتِ البدايةُ في كلّ شيءٍ..

    ومِسْكُ الختامْ..

    12

    وعدتُكِ..

    أنْ لا أعودَ .. وعُدْتْ..

    وأنْ لا أموتَ اشتياقاً..

    ومُتّ..

    وعدتُ بأشياءَ أكبرَ منّي

    فماذا بنفسي فعلتْ؟

    لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،

    والحمدُ للهِ أنّي كذبتْ....
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:25 pm

    التانغو الأخير
    -------------------------

    فوق حقل من التوليب الأحمر..

    1

    كُنْتِ..

    في أحسن حالاتِكِ – يا سيّدتي – هذا المساءْ

    كانَ نَهْداكِ..

    يُذِيعانِ بلاغَ الثورة الأولى بتاريخ النساءْ

    ويقُودان انقلاباً ضدَّ كلّ الخُلَفَاءْ..

    كانَ في عينيكِ غَيْمٌ أسودٌ..

    وبداياتُ شتاءْ..

    ونُبُوءاتُ جميع الأنبياءْ..

    2

    لم تكوني امرأة عاديةً...

    في ذلك اليوم الشتائيِّ الذي يحكمُهُ الكونياكْ،

    والقهوةُ.. والجِنْسُ.. وإيقاعُ المزاريبِ،

    وموسيقى المَطَرْ..

    كنتِ جَمْراً. كُنْتِ فَحْما

    كنت شيئاً لا يُسَمَّى.

    لم تكوني دُمْيَةً مَحْشُوةً بالقطنِ.. مثلَ الأخْرَياتِ

    كنتِ وَحْشاً رائعَ الجلد جميلا..

    لم تكوني نَسْمةً من نسمات الصيفِ..

    لكنْ كنتِ زلزالاً مَهُولا.

    لم تكوني زهرةً من ورقٍ..

    بل حصاناً.. يمضغ الشرشَفَ شوقاً وصهيلا..

    3

    كان تشرينُ بلا عقلٍ..

    وكان العشبُ متروكاً على فطرته الأولى..

    وماري، تصنعُ الحُبَّ على فطرتها الأولى..

    وكانت تتهجّى جَسَدي حرفاً فحرفا..

    دونَ أن تُخْطئَ في تشكيل كلِّ الكَلِماتِ

    ربّما الكونياكُ قد ثقَّفَ ماري..

    فهي تختارُ أرقَّ المُفْرَدَاتِ.

    ربّما الكونياكُ قد علَّمَها

    أنَّ في إمكان نهدَيْها احتلالَ الكائناتِ

    هذه الليلةَ، يا ماري، سأبقى صامتاً

    فالبراندي، هو سُلْطَانُ اللغاتِ..

    4

    كنتِ في أخصب أيامِكِ، يا ماري،

    وكانت أنْهُرُ الياقوتِ تجري بهدوءٍ..

    والأزاهيرُ تغطي كلّ أنحاء السريرْ..

    لم تكوني امرأةً مذعورة.. أو خائفَهْ

    كُنْتِ سِكّينا بقلب العاصفَهْ

    شَرِبتْ سجّادةُ الموكيت، يا سيدتي، نصفَ دمي

    وأنا اقتطفُ التوليبَ مبهوراً..

    وأحسو المَطَرَ الورديَّ من أعلى الينابيعِ..

    وأكوي بالبراندي شَفَةَ الجُرْح..

    ولا أحسبُ للنار حسابْ..

    آهِ.. يا ماري التي تفتحُ لي أسوارَها مثلَ كتابْ

    لم يعُد عنديَ ما أقرؤهُ.

    فأنا آتٍ من الأرض الخرابْ..

    5

    آهِ.. يا ماري التي تلبس لي

    في أوّل الليل قميصاً معجزَهْ..

    وإذا ما انتصفَ الليلُ..

    قميصاً معجزَهْ..

    كيفَ صارَ الزَغَبُ الطالعُ من إبْطيْكِ..

    أسلاكَ حريرْ؟

    آهِ.. يا ماري التي تحفرني في بطنها العاري..

    كجرحٍ مستديرْ..

    يا التي أزرعُ في أحشائِها..

    السيفَ الأخيرْ..

    6

    أحرقَ الكونياكُ أعصابي..

    وفي عينيْكِ بَرْقٌ.. ورعودٌ.. ومَطَرْ

    وقلوعٌ.. واحتمالاتُ سَفَرْ

    لم أكن أُدْرِكُ ما يجري تماماً..

    غيرَ أن الأرضَ كانت تحتَنا تهتزُّ..

    والجدرانُ، والأبوابُ، والأكوابُ، واللوحاتُ،

    والأشجارُ، والأوراقُ في الريح تطيرْ

    لم أكن أسمعُ إلا جَرَس القرية في الليلِ،

    وإلا وَقْعَ أقدامٍ على الثلجِ،

    وإلا صَرْخَةَ الأنثى التي تُشْعِلُ النارَ بقلب الزمهريرْ

    آهِ.. يا ماري التي تشرح لي كلَّ شيءٍ.. مثل

    تلميذٍ صغيرْ.

    أنتِ منفاي النهائيُّ.. ومينائي الأخيرْ

    فاسحبيني من يدي..

    قبلَ أن يبلعني البحرُ الكبيرْ....

    *******************************

    إلى سمكةٍ قبرصية.. تُدعى تامارا
    ---------------------------------

    1

    باسم ليماسُولَ..

    شكراً يا تامارا

    باسْم هذا الخاتم المشغولِ بالفيروزِ..

    شُكْراً يا تامارا

    باسْمِ هذا الدفتر المفتوح للضوءِ.. وللشِعْر..

    وللعشَّاقِ..

    شكراً يا تامارا

    باسم أسرابٍ من النَوْرَسِ كانَتْ

    تنقر الحنطةَ من ثغركِ..

    شكراً يا تامارا

    باسم كلِّ القبرصيينَ الذين اكتشفُوا

    اللؤلؤَ الأسودَ في عينيْكِ.

    شكراً يا تامارا

    باسم أحزاني التي ألقيتُها في بحر بيروت.

    وأجزائي التي أبحث عنها..

    في زوايا الأرضِ ليلاً ونَهَاراً...

    ألفُ شكرٍ.. يا تامارا.

    *

    يا تامارا القبرصيّة:

    أيُّها السيفُ الذي يقتلني من قبل أن يُلقي التحيَّة

    باسْمِ مقهانا البدائيِّ على البحرِ..

    وكُرْسيَّيْنِ مزروعينِ في الرمل..

    و (أنطونيو) الذي كان خلالَ الصيف عرَّابَ هوانا.

    والذي كان وديعاً مثلَ قط منزليٍّ..

    وعريقاً مثل تمثال حكيمٍ من أثينا،

    ورقيقاً.. وصديقاً.. عندما يختارُ في الليل لنا

    فاكهةَ البحر..

    ويوصيكِ بأن ترتشفي (الأوزو)

    الذي تشربُه آلهةُ اليونانِ في الحبِّ وفي الحربِ..

    ويرجوكِ بأن تستمتعي بمذاقِ (الكالامارْ)

    ومَذَاقِ العشق في تلك الجزيرَهْ

    باسم آلاف التفاصيل الصغيرَهْ..

    ألفُ شكرٍ .. يا تامارا

    3

    كيف أنسى امرأةً من قبرصٍ..

    تُدْعى تامارا..

    شَعْرُها تعلكهُ الريحُ..

    ونهداها يُقِيمان مع الله حِوارَا..

    خرجَتْ من رَغْوَة البحر كعَشْتَارٍ.. وكانتْ

    تلبسُ الشمسَ بساقَيْها سِوارَا..

    كيفَ أنسى جسداً؟

    يقدحُ كالفوسفور في الليل شَرارَا..

    كيفَ أنسى حَلْمَةً مجنونةً

    مزَّقتْ لحمي، صعوداً..

    وانحدارا...

    4

    إصْهلي.. يا فَرَسَ الماء الجميلَهْ

    إصرخي.. يا قطّةَ الليل الجميلَهْ

    بلّليني برَذَاذِ الماء والكُحْلِ..

    فلولاكِ لكانتْ هذه الأرضُ صَحَارى..

    بلّليني.. بالأغاني القبرصيَّهْ

    ما تهمُّ الأبجديّاتُ.. فأنتِ الأبجديَّهْ..

    يا التي عشتُ إلى جانبها العشقَ.. جُنُوناً

    وانتحارا..

    يا التي ساحلها الرمليّ يرمي لي..

    زُهوراً.. ونبيذاً قبرصياً.. ومَحَارا..

    لم يكُنْ حبُّ تامارا..

    ذلك الحبّ الروائيّ ، ولكنْ

    كانَ عَصْفاً ودمارا.

    لم يكُنْ جدولَ ماءٍ

    إنما كانَ حُبّاَ صغيراً..

    فقد احتلَ بلاداً.. وشعوباً.. وبحارا..

    كلُّ أمجادي سرابٌ خادعٌ

    ليس من مجدٍ حقيقيٍ..

    سوى عينيْ تامارا..

    5

    تحت سطح الماء.. أحببتُ تامارا..

    ورأيتُ السَمَكَ الأحمرَ.. والأزرقَ.

    والفضيَّ..

    فوجئتُ بغاباتٍ من المرجانِ..

    داعبتُ كطفلٍ سلحفاةَ البحرِ،

    لامستُ النباتات التي تفترسُ الإنسانَ،

    حاولتُ انتشالَ السفن الغرقى من القَعْرِ..

    ولملمْتُ كنوزاً ليسَ تُحصى..

    ونجوماً .. وثمارا..

    تحت سطحِ الماءِ.. أعلنتُ زواجي بتامارا.

    فإذا بالموج قد صار نبيذاً..

    وإذا الأسماكُ أصبحنَ سُكارى..

    6

    ما الذي يحدثُ تحت الماء في جلد تامارا؟

    فهُنا.. الأحمرُ يزدادُ احمرارا..

    وهنا .. الأخضرُ يزداد اخضرارا..

    وهنا السُرَّةُ تزدادُ أمام الضوءِ..

    خوفاً.. وانبهارا..

    ما الذي يحدثُ في عقلي.. وفي عقل تامارا؟

    سَمَكُ الدولفين يرمي نفسَهُ.

    كالمجانين يميناً.. ويسارا..

    سَمَكُ الدولفين يدعوني لكي أقفزَ في الماءِ..

    وفي مملكة الأسماكِ..

    لا أملكُ رأياً أو خيارا..

    عَبَثٌ.. أن يُسْأَلَ الإنسانُ عن ماضيه أو حاضرهِ،

    عندما يتّخذ البحرُ القرارا...

    7

    يا تامارا..

    أنتِ في قبرضَ كبريتٌ .. وشَمْعٌ

    وأنا موسى الذي أوقَدَ تحت الماء نارا...
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:31 pm

    ثلاث مفاجآتٍ لامرأة رومانسية
    --------------------------------

    سَتُفاجأ – سيِّدتي – لو تعلمُ

    أني أجهلُ ما تعريفُ الحبّْ!!

    وستحزن جداً.. حين ستعلمُ

    أن الشاعرَ ليس بعلاّمٍ للغيبْ..

    أنا آخرُ رجلٍ في الدنيا

    يَتنبَّأُ عن أحوال القلبْ

    سيّدتي.

    إنّي حين أحبُّكِ..

    لا أحتاجُ إلى (أل) التعريفْ

    سأكونُ غيباً لو حاولتُ،

    وهل شمسٌ تدخُلُ في ثقبْ

    لو عندكِ تعريفٌ للشِعْرِ.

    فعندي تعريفٌ للحُبّْ..

    *

    ستُفاجأ سيّدتي لو تعلمُ

    أنّي أميٌّ جداً في علم التفسيرْ

    إنْ كنتُ نجحتُ كتابياً في عَمَل الحُبّ

    فما نَفْعُ التنظيرْ؟؟

    أيصدِّقُ أحدٌ أن مليكَ العِشْقِ، وصيَّادَ الكلماتْ

    والديكَ الأقوى في كلّ الحَلَباتْ

    لا يعرفُ أينَ.. وكيفَ..

    تبلّلنا أمطارُ الوجدْ

    ولماذا هندٌ تُدخِلُنا في زمن الشِعر..

    ولا تُدْخِلُنا دعدْ..

    أيصدّقُ أحدٌ أن فقيهَ الحبِّ ، ومرجعَهُ

    لا يُحسِنُ تفسيرَ الآياتْ..

    *

    ستُفاجأُ سيّدتي لو تعلمُ،

    أني لا أهتمُّ بتحصيل الدرَجَاتْ

    وبأني رجلٌ لا يُرْعبُهُ تكرارُ السَنَواتْ

    وتُفاجأُ أكثرَ..

    حين ستعلمُ أني رغْمَ الشيب.. ورغْمَ الخبرةِ..

    لم أتخرَّجْ من جامعة الحُبّْ..

    إني تلميذٌ سيّدتي..

    إني تلميذُكِ سيّدتي..

    وسأبقى – حتى يأذَنَ ربّي – طالبَ علمْ

    وسأبقى دوماً عصفوراً..

    يتعلَّمُ في مدرسة الحُلْمْ...

    ******************************

    الجديد
    --------------

    .. وأجهلُ حين أكونُ بحضرة عينيكِ

    ماذا أُريدُ.. وما لا أريدْ.

    ولم يكُن الحبّ شيئاً جديداً عليَّ..

    ولكنَّ حبَّكِ كان الجديدْ...

    ******************************

    5 دقائق
    -------------------

    إجلسي خَمْسَ دقائقْ

    لا يريدُُ الشِعْرُ كي يسقطَ كالدرويشِ

    في الغيبوبة الكبرى

    سوى خَمْسِ دقائقْ..

    لا يريدُ الشعرُ كي يثقبَ لحمَ الورقِ العاري

    سوى خمْسِ دقائقْ

    فاعشقيني لدقائقْ..

    واخْتَفِي عن ناظري بعد دقائقْ

    لستُ أحتاجُ إلى أكثرَ من عُلْبَة كبريتٍ

    لإشعالِ ملايين الحرائقْ

    إن أقوى قِصَصِ الحبّ التي أعرفُها

    لم تدُمْ أكثرَ من خمس دقائقْ...

    *******************************

    الديك
    --------------

    سَبَقَ السيفُ العَزَلْ

    سَبَقَ السيفُ العَزَلْ

    غرقَ المركبُ في الليل بِنَا

    قبل أن نبدأَ في شهر العَسَلْ

    واستقال الديكُ من منصبهِ

    تاركاً من خلفهِ،

    عشرينَ ديوانَ غَزَلْ

    واستقالَ الليلُ من عبء الهوى

    واستقال الثغرُ من نار القُبَلْ

    فلماذا أنتِ في المسرح يا سيّدتي

    بعد أن ماتَ البَطَلْ؟؟

    *******************************

    نرجسيّة
    ----------------

    إمرأةٌ مُطْفَأَةُ الذكاءْ

    غبيّةٌ في قمّة الغبَاءْ

    هل ممكنٌ أن تبلُغي خمْسَاً وعشرينَ سَنَهْ؟

    ولا تزالين تعيشين على هوامش التاريخ والأشياءْ

    هل ممكنٌ..

    أيّتها الساذجَةُ، السطحيّةُ، الحمقاءْ

    هل ممكنٌ أن تجهلي..

    أنّي الذي أسَّسَ جمهوريةَ النساءْ؟؟

    **********************************

    بروتوكول
    ------------------

    بوُسعك أن تجلسي حيثُ شئتِ..

    لكنْ..

    حَذَارِ بأن تجلسي في مكان القصيدَهْ

    صحيحٌ بأني أُحِبُّكِ جداً

    ولكنني في سرير الهوى

    سأنسى تفاصيلَ جسمكِ أنتِ..

    وأختارُ جسْمَ القصيدَهْ..

    *********************************

    التراجيديا
    --------------------

    يُسمُّونني في بلادي (مليكَ النساءْ).

    وما عرفوا أنّ قصري زجاجٌ

    وعَرْشي هواءْ

    يقولون إنّي بخيرٍ..

    وما شاهدوني

    أخوّضُ في بِرْكةٍ من دماءْ

    *

    يقولونَ إني القويُّ المهيمنُ، والفاتحُ الأعظمُ

    وأن حريميَ لا تغربُ الشمسُ عنهُ

    وممتلكاتي العيونُ الكبيرةُ، والأنجُمُ

    فأيّ مليكٍ تعيسٍ أنا؟

    إذا كنتُ أملكُ جيشَ نساءٍ

    ولا أحكُمُ!!!

    **********************************

    الرجل المعدني
    ---------------------

    شَفَتَاكَ من حَجَرٍ.. وصوتُك من حَجَرْ

    ويداكَ آنيتانِ من عصر الحَجرْ..

    وأنا على طرف السرير.. كنَخْلةٍ

    من ألف قرنٍ.. وهي تنتظر المَطَرْ

    إنْهَضْ.. فإنَّكَ حالة ميئوسةٌ

    إنْهَضْ.. فلا عِلْمٌ لديكَ ولا خَبَرْ..

    أنْسَيْتني شكلي.. وشكْلَ أنوثتي

    وكسرت أغصاني.. وأَتْلَفْتَ الزَهَر

    إنّي أعضُّ على بياضِ شَراشِفي

    وأعضُّ من قهري شبابيكَ القَمَرْ

    يا أيُّها الرجُلُ النحاسيّْ الذي أحبَبْتُهُ

    خطأً.. وهذا بعضُ سخرية القَدَرْ

    الجِنْسُ عندكَ.. كيمياءٌ صِرْفةٌ

    والعشقُ عندكَ من تقاليد السَفرْ

    يا فاقدَ الإحساسِ.. قُلْ لي كِلْمةٌ

    قُلْ لي كلاماً حامضاً.. أو مالحا..

    قُلْ لي كلاماً غامضاً.. أو واضحا

    قلْ قصةً.. قلْ طُرْفةً

    فأنا أموتُ من الضَجَرْ...

    يا أيُّها القرويّْ.. عاملني معاملةَ الشَجَرْ

    رُشَّ المياهَ على فمي

    إزْرَعْ بذوركَ في دمي..

    إزْرَعْ مساماتي عصافيراً.. وعبِّئْني ثَمَرْ..

    يا أيُّها البدويُّ.. إحسبْني هلالاً أو قَمَرْ

    إعْزِفْ على خصري..

    أما شاهدتَ قبل الآن.. ناياً أو وَتَرْ؟

    *

    يا داخلاً سوقَ النساء بناقةٍ

    ودجاجتينِ.

    أليسَ هذا من أعاجيبِ القَدَرْ؟

    إنّي بقمَّةِ فِتْنَتي وتفجّري

    وأراكَ. لا علمٌ لديكَ ولا خَبَرْ

    *

    يا أيُّها المتخلّفُ العقليُّ.. قد أخْجَلْتَني

    فالناسُ قد دخلوا إلى عصر الفضاءِ

    وأنتَ – واأسفي عليكَ-

    بقيتَ في عصر الحجرْ..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:33 pm

    حوارٌ مع يدين أرستقراطيتين
    --------------------------------

    1

    بالرغم من نزعتي الراديكاليَّهْ

    وتعاطفي مع جميع الثورات الثقافية في العالمْ

    فإنني مضطرٌ أن أرفع قبّعتي

    ليديْكِ البورجوازيتيْنْ...

    المصنوعتين من الذَهب الخالصْ..

    مُضْطَرٌ أن أعترف بنعومتها القصوى

    وأنوثتها القصوى..

    وسلطتِهما المطلقة على الماء والنَبَاتْ

    والحَجَرِ والبَشَرْ..

    ومضطرٌ أن أعترف بفضلهما

    على حضارة الإغريقْ

    وحضارة الفراعنَهْ

    وحضارة ما بين النَهْرَيْنْ.

    ومضطرٌ أن أعترفْ

    بذكائهما حين تتكلَّمانْ

    وبعمقهما حين تصمتان

    وبحضارتهما...

    حين تُمْسِكان إبريقَ الفضَّهْ

    وتسكبان الشايَ في فنجاني...

    يداكِ أرستقراطيتانِ.. بالوراثَهْ

    كما الزُرَافَةُ ممشوقةٌ بالوراثَهْ

    وكما البلبلُ موسيقيٌّ بالوراثَهْ

    وأنا...

    لستُ ضدُّ يديْكِ.. المرفّهتيْن.. المدلّلتيْنْ..

    ولا أفكّرُ – حين أكونُ معهما-

    بأيِّ مشاعرَ طبقيِهْ...

    فأنا لا أخلطُ أبداً..

    وبين ما أعتقد أنه جميلْ..

    بين الأيديولوجيات التي ألمسها بذهني

    والأيديولوجيات التي تنقّط حليباً وعسلاً

    في راحة يدي...

    بين روعة المبادئْ

    وروعة يديْكِ المليستيْنْ

    كأواني الأوبالينْ

    وزجاج (غَاليهْ)...

    3

    يداكِ ملوكيّتانْ..

    وأنا لا أعرف كيف أجلس على طاولة الملوكْ

    وما هي اللغةُ المستعملة في مخاطبة الملوكْ

    إنني لم أعشقْ في حياتي مليكةً غيرك..

    ولم أتورط مع امرأةٍ..

    من صاحبات الدم الأزرقِ سواكِ...

    فأنا واحدٌ من أفراد هذا الشعبْ

    قلبُهُ ينبضُ كتفّاحةٍ حمراءْ

    وأنفهُ يشمُ رائحةَ الأنثى

    بصورةٍ بدائيّهْ...

    فعلِّميني..

    كيف أكون مهذَّباً مع يديكِ المُهذَّبتيْنْ..

    علّميني كلمة السرّ التي توصل إلى كنوز يَدَيكْ

    وعلميني كيف أستعملُ ملاعقَ الفضّهْ

    وكيف أتسلّق السلالمَ العاجيَّهْ

    وكيف أسند رأسي..

    على المخدات المصنوعة من القطيفة وريش

    العصافيرْ

    يا ذاتَ اليدينْ اللتيْن تربَّتا في العزّ والدلالْ

    علميني ماذا أقول لحَرَسِكْ؟

    حتى يسمحوا لي بالدخول إلى قاعة العرشْ

    لأقدِّمَ ولائي لأصابعكِ الخرافية التكوين

    وأتلو صلواتي أمام أغلى شمعدانين من الفضّهْ

    في تاريخ الكنائس البيزنطيَّهْ....

    4

    يداكِ مثقَّفتانِ كثيراً..

    وأُستاذتانِ في علم الجمالْ

    وأذاكرُ جميعَ دروسي

    وأدخلُ جميعَ امتحاناتي

    وأنالُ جميعَ شهاداتي

    برعايتهما، وحنانهما، ودَعَواتهما الصالحاتْ

    فيا ذاتَ اليديْن اللتينِ أدينُ لهما بكل ما أعرفْ

    لا تُخْبري أحداً..

    أنَّ يديْكِ هما مصدرُ ثقافتي..

    5

    زرتُ متاحفَ الدنيا

    من اللوفر، إلى المتروبوليتان، إلى البرادو

    ورأيتُ أروعَ الأعمال التشكيليَّهْ

    ولكنني لم أشاهد مَنْحُوتةً

    بَهَرَتْني أكثرَ من يَدَيْك...

    6

    يداكِ مخطوطتانِ عربيّتان نادرتانْ

    وكتابانِ .. ليس لهما نسخة ثانيَهْ

    فلا تسحبي يَدَكِ من يدي

    حتى لا أعودَ أُمِيّاً...

    يداكِ أميرتانِ من العصر الوسيطْ

    تركبانِ عربةً من الذَهبْ

    فمتى يصبح النظامُ في وطني ديمقراطياً

    لأتمكّن من مصافحة الأميرتينْ؟

    8

    أن يَدَيْكِ تتردّدانِ على المقهى كلَّ يومْ

    لتركوا فناجينَ قهوتهمْ

    وشربُوا يَدَيْكِ...

    9

    يقفُ المؤمنونْ

    مبهورينْ...

    وأقفُ أمامَ كنيسة يديْكِ..

    حاملاً زيتي.. وشموعي..

    علّني أحظى بمفاتيح الجنّةْ...

    10

    وأنت تقرأينَ فنجاني

    فأطمئنُّ على مستقبلي..

    11

    يَدَاكِ سحابتانِ ربيعيّتانْ

    لولاهُمَا..

    لمات العالمُ عَطَشاً...

    12

    من فيرجيل إلى رامبو..

    ومن المتنبي إلى ماياكوفسكي

    تبدو أمام كلام يديكِ الموهوبَتيْن

    وكأنَّهما مُسودَّات لقصائدَ لم تكتمِلْ..

    أصابعُ موزارتْ

    توصلني إلى حالة انعدام الوزنْ

    وأصابعكْ..

    تُوصلني إلى اللهْ....

    12

    كلّ قصائد الشعرْ

    من فيرجيل إلى رامبو..

    ومن المتنبي إلى ماياكوفسكي

    تبدو أمام كلام يديكِ الموهوبَتيْن

    وكأنَّهما مُسودَّات لقصائدَ لم تكتمِلْ..

    13

    أصابعُ موزارتْ

    توصلني إلى حالة انعدام الوزنْ

    وأصابعكْ..

    تُوصلني إلى اللهْ....
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:34 pm


    الخروج عن النص
    -----------------------

    1

    أرسمُ على كرَّاستي مُهْرَيْنِ صغيرينْ

    يلعبان على ساحل البحرْ

    ويرشَّان بعضهما بالماءْ

    واحدٌ له جناحٌ من صوف الأنغورا

    والثاني له جناحٌ من دانتيل فينيسيا

    واحدٌ يأكل العشب من مراعي القمرْ

    وواحد يأكل العشْب من مراعي صدري

    واحدٌ.. أضعُ على رأسه نقطةً حمراءْ

    وواحدٌ.. أتركه بلا تنقيطْ

    أرسمُ على كراستي مُهْرَيْن صغيرينْ

    واحدٌ تعوّد أن يرضع حليبَ أمه..

    والثاني تعوّد أن يرضع دمي..

    وأسمّيهما مجازاً (النهْدَينْ)..

    يكفّرني الذين لم يشاهدوا في حياتهم نهداً حقيقياً.

    لأنني رسمتُ على كرَّاستي حصاناً

    وعندما انتهيتُ من رسم الحصانْ

    قفز من الكرّاسة، وطارْ..

    يعتبرونَ عملي بِدْعَةً

    وخروجاً عن النصّ..

    فالنصّ سجنٌ للنساءْ

    النهدُ انقلابٌ أبيضْ

    النصّ نظام استعماريّ قديمْ

    النهدُ حركة ليبراليهْ..

    النصّ زجاجةٌ ضيقة العُنُقْ

    والنهدُ سمكهْ...

    3

    عندما أخبرهم أنني عرفتُ في أسفاري

    نهوداً من جُزُر تاهيتي

    تنبت كأشجار جوز الهندْ

    ونهوداً من بساتين شط العَرَبْ

    تنطّ على كتف الرجل.. كضفدعةٍ نهريِّهْ

    ونهوداً من تايلاند

    تختصر رقّةَ كونفوشيوس

    وعنفَ ماوتسي تونغ..

    ونهوداً من جنوب السودان

    لها رائحةُ البُنّ المحروقْ

    تدخُلُ في خاصرة العاشقْ

    ولا تخرجُ.. إلى أن يشاء اللَّهْ..

    4

    يُدينني..

    أرنباً يركضْ

    يطلقونَ النارَ على أسماكي..

    وضفادعي..

    وأزاهيري الاستوائيهْ..

    يطلقونَ النارَ على حصاني

    لأنه حملكِ على ظهره ذاتَ ليلهْ

    ومشى سبعة أيامٍ.. وسبعَ ليالٍ

    حتى أوصلك بسلامة الله

    إلى شواطئ صدري

    ومشى سبعة أيامٍ.. وسبعَ ليالٍ

    حتى أوصلك بسلامة الله

    إلى شواطئ صدري
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:36 pm

    أريد أن أعيش
    ---------------------------

    ساعديني على الخروج حياً..

    من متاهات الشفتين المكتنزتين.. والشعر الأسودْ

    إنّ معركتي معكِ ليست متكافئهْ

    فأنا لستُ سوى سمكةٍ صغيرهْ

    تسبح في حوض من النحاس السائلْ

    ساعديني على التقاط أنفاسي

    فإنَّ نَبْضي لم يعد طبيعياً

    ووقتي صار مرهوناً بمزاجيّة نهديْكِ

    فإذا ناما نمتْ..

    وإذا استيقظا استيقظتْ

    ساعديني على التفريق بين بدايات أصابعي

    ونهايات عمودك الفقريّ..

    ساعديني على السفر من خريطة جسدكْ

    فإنني أريدُ أن أعيشْ...

    *********************************

    قراءة في كفّ امرأة جميلة
    ------------------------------------

    ليس هناك امرأةٌ في الدنيا أجملَ منك..

    ولكن مشكلتكِ..

    كمُشْكِلة الوردة التي لا تشمُّ عطرَها..

    كمشكلة الكتاب الذي لا يعرفُ القراءة..

    أنتِ أهمُّ امرأة في العالم..

    لا لأن عينيكِ هما حديقتان آسيويتان مقمرتانْ

    ولا لأن شفتيك تحتكران نصفَ محصول فرنسا

    من النبيذْ

    ولا لأن نهديكِ هما أوَّل ديكتاتوريْنِ يحكمان

    العالم الثالثْ..

    ولا لأن جسَدك الذكيّ..

    يفهم ما أقوله، قبل أن أقوله..

    أنتِ أهمّ امرأة في العالم..

    لأنني أحبُّك....

    ******************************

    أشهرك في وجه البشاعة.. دفتر شِعْر
    ------------------------------------

    1

    أُشْهِرُكِ في وجه العالم

    سيفاً من الياسمين..

    وأُعلنُ انتصاري..

    أُشْهِرُكِ في وجه الكافرينَ،

    كتاباً مقدّساً

    وفي وجه الأميينَ، قصيدهْ..

    وفي وجه البداوةِ، مملكةً من الرخَامْ..

    أرمي جوازَ سفري في البحرْ..

    وأُسمّيكِ وطني..

    أرمي جميعَ معاجمي في النارْ

    وأسمّيكِ لُغَتي..

    وأغتالُ جميعَ ملوكِ الطوائفْ

    وأُسمّيكِ مليكتي..

    2

    أُشهِرُكِ في وجه تَمُّوزَ

    وعداً بالمَطَرْ

    وفي وجه العَصَافيرِ..

    وعداً بالشَجَرْ

    وفي وجه النوارس..

    وعداً باللون الأزرقْ

    وأرافقُ الأطفالَ في رحلةٍ مدرسيةٍ

    حولَ نهديكِ..

    ليلعبوا بكُرات الثلج..

    ويصطادوا البطَّ المائيّْ

    ويُشاهدوا – على الطبيعة-

    كُرويّةَ الأرضْ...

    أُشْهِرُكِ في وجه الصحراء

    نَخْلَهْ...

    وفي وجه الجَفَاف، سُنْبُلَةَ قمح

    وفي وجه الظلام،

    شمعداناً من الذَهَبْ

    وفي وجه الجائعينَ، رغيفَ خُبْزْ

    وفي وجه المسْتَعْبَدِينْ

    رايةَ حُرّيةْ..

    أُشْهِرُكِ في وجه البشاعَةْ

    حمامةً بيضاءْ

    ونافورةَ ماءٍ.. وكتابَ شعرْ

    4

    أغنيَهْ..

    وفي وجه النفط العربيّْ

    قارورةَ عطرْ

    وفي وجه الموت العربيّْ

    بشارةَ ولادَهْ...

    5

    أعلنُ أمامَ أكَلَة لحوم النساءْ

    فيرمونَ أضراسهُمْ في البحرْ

    ويقلعونَ أظافرهُمُ

    ويغسلونَ الدمَ عن ثيابهمْ

    ويدخلون عصر النهضةْ...

    ويقلعونَ أظافرهُمُ

    ويغسلونَ الدمَ عن ثيابهمْ

    ويدخلون عصر النهضةْ...
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:36 pm


    الطيران فوق سطح العالم
    ----------------------------------

    1

    قرّرتُ نهائياً.. أن أتفرَّغ لكِ..

    فليس هناك قضيةٌ

    تستحق أن يموتَ الإنسان من أجلها

    إلا حبُّكِ..

    ولا محطةٌ تستحقّ الوقوف فيها

    إلا محطة شَعْرك الليليّْ

    وليس هناك أيديولوجية متكاملة

    أكثرَ إقناعاً من تقاطيع وجهكْ..

    وليس هناك مكانٌ للانتحار

    أعلى من ذروة نهديْكِ..

    لقد جرّبتُ كلَّ الأعمال اليدويَّهْ

    من رَسْمٍ على الزجاج..

    وحفرٍ على الخَشَبْ

    واستنفدتُ جميعَ امكانيات الصلصال والسيراميكْ

    فلم أكتشف آنيةً خزفيّةً

    أكثرَ تناسقاً من جسدكْ

    وأصغيتُ إلى عَشَرات التنويعات على البيانو

    فلم أستمع إلى معزوفةٍ

    أحسنَ تأليفاً من أصابعكْ...

    3

    أن أتخلى عن جواز سفري

    وأصبحَ واحداً من رعاياكِ.

    قرّرتُ نهائياً..

    أن أتعلَّق بأية سحابةٍ

    هاربةٍ مع أطفالها باتجاه البحرْ

    فلم يَعُدْ لي وطنٌ أَلتجئ إليهِ..

    سوى سواحل يَدَيْكِ..

    أنتِ الوطنُ الأخيرُ الباقي على خريطة الحريّهْ

    أنتِ الوطنُ الأخير الذي أطعمني من جوعٍ..

    وآمنني من خوفْ..

    وكلُّ الأوطان الأخرى.. أوطانٌ كاريكاتوريّهْ

    كرسوم والت ديزني..

    أو بوليسية...

    كمؤلفات آغاتا كريستي..

    أنتِ آخرُ سنْبُلَهْ..

    وآخرُ قَمَرْ..

    وآخرُ حمامَهْ..

    وآخرُ غمامَهْ

    وآخرُ مركبٍ أتعلَّقُ به..

    قبل وصول التَتَارْ....

    *

    أنتِ آخرُ وردةٍ أشُمُّها

    قبل أن ينتهي زمنُ الوردْ..

    وآخرُ كتابٍ أقرؤه..

    قبل أن تحترقَ كلُّ المكتباتْ

    وآخرُ كلمةٍ أكتُبُها

    قبل أن يأتي زُوَّارُ الفجرْ

    وآخرُ عَلاقةٍ أُقيمها مع امرأَهْ

    قبلَ أن تصبحَ الأنوثَهْ

    كلمةً نفتش عنها بالعَدَسات المكبِّرَهْ

    في المعاجم والموسوعاتْ....

    4

    قرّرتُ أن أذهبَ معكِ..

    وآخرِ نقطةٍ من دمي...

    إنني مشتاقٌ إلى الجُزُرِ التي لا تتعاملُ مع الوقتْ

    ولا تقرأ الجرائدَ اليوميَّهْ

    لم يَعُدْ عندي أيُّ مَتَاعٍ يُؤسَفُ عليه...

    فلحمي.. أكلته الأسماكُ بين بيروت ولارنكا

    ووطني..

    نَشَلُوهُ من جيبي قبل أن أصعد إلى ظهر

    السفينهْ...

    وتذكرة هويتي...

    عليها صورةُ رجلٍ آخَرْ..

    كان يُشْبِهُني قبلَ خمسينَ عاماً..

    ماذا تنتظرينَ كي تَفْتَحي قلوعَ شعرك الأسودْ؟؟

    إن رائحةَ الملح والتُوتياءِ في الميناءْ

    تخترقُني كسيفٍ معدنيّْ

    فلماذا لا تفتحينَ واحداً من شرايينكِ لإيوائي؟

    أنا الذي فتحتُ جميعَ شراييني..

    لاستقبالِكْ...

    5

    لم يَعُدْ عندي أسئلةٌ أطرحُها

    فأنتِ والبحرُ..

    لم يعد عندي ارتباطاتٌ بأيِّ حَجَرْ...

    أو بأية شجرهْ

    أو بأية رائحهْ..

    أو بأية خزانة ملابسْ..

    فكلُّ ما تبقى لي..

    هو سروالُ الجينز الأزرق الذي ألبسه.

    والذي كان رفيقَ تسكّعي..

    ورفيقَ السَفَرِ.. والمنفى، والمقاهي،

    والقطاراتِ،

    وبواخرِ الشحن، والدُّوار، والليل، والبراندي،

    والجنس، والصراخِ العصبيِّ في دهاليز الجنونْ.

    كلُّ ما تبقى لي...

    هو هذا الجينزُ التاريخيّْ..

    المغطَّى بالطَعَناتِ.. وفُتَات الخبز..

    وفُتات الجِنْسِ.. وفُتَات صرخاتي ودموعي..

    والذي صارَ المتحفَ القومي لمشاعري..

    والمفكّرةَ التي أسجّلُ عليها مواعيدَ الإقلاع..

    والرسو.. ومواعيدَ الغيبوبة والكحولْ

    وصارَ، بعد سقوط كلِّ الأوطان..

    وَطَني...

    6

    لن أعود إلى حماقاتي السابقَهْ..

    ولن أسألكِ إلى أينْ؟

    إن الجغرافيا لم تعد عندي ذاتَ موضوعْ

    العالمْ.

    والمسافةُ بين ولادتي وموتي تُحسب

    بالسنتيمراتْ.

    لن أسألك إلى أينْ؟

    المهمّ.. أن تنتزعيني من ذاكرتي

    ومن أوراق الرزنامة العربية..

    وترميني على ظهر سفينةٍ

    لا ترفعُ عَلَمَ أي دولَهْ....

    فأنا لم أعُدْ مكترثاً بالممالك.. ولا

    بالجمهورياتْ..

    إن زجاجة البراندي..

    هي الجمهوريةُ الأكثرُ عدلاً وأماناً في التاريخ..

    فاغسلي قَدَميكِ بمائها المقدَّسْ

    فهذه فرصتُنا الوحيدَهْ..

    للطيران فوق سطح العالَمْ....

    إن زجاجة البراندي..

    هي الجمهوريةُ الأكثرُ عدلاً وأماناً في التاريخ..

    فاغسلي قَدَميكِ بمائها المقدَّسْ

    فهذه فرصتُنا الوحيدَهْ..

    للطيران فوق سطح العالَمْ....
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:37 pm

    درسٌ في اللغة لتلميذة مبتدئة
    -----------------------------------

    1

    خُذي كلَّ شيءٍ تريدينَهْ..

    واتركي لي لُغتي..

    فأنا بحاجةٍ حين تكونينَ معي

    إلى لغةٍ جديدةٍ أُحبُّكِ بها..

    وأُمشِّطُ شعرَكِ بها..

    وأغسلُ أقدامَكِ بها..

    وأُغطّيكِ بحنان حروفِها،

    عندما تنامينْ..

    2

    إنني أعرفُ أنّكِ من أقدم اللُغاتْ

    ومن أخْصَب اللُغاتْ

    ومن أصعب اللغاتْ

    ولكنني بحاجةٍ حين تكونينَ معي

    أن أصنعَ معجزةً صغيرَهْ

    أتحدَّى بها نَهْدَيْكِ الرافِضَينِ لكلِّ شيءْ..

    والقادرينِ على كلِّ شيءْ

    بحاجةٍ إلى لغةٍ ثانيَهْ..

    أتفوَّق فيها على جسدك الخرافيّْ..

    وأرفعُ فيها بيارقي

    على أبراجك التي لا تغيب عنها الشمسْ...

    3

    بلا لُغَتي..

    أنتِ امرأةٌ مثل باقي النساءْ

    وبها، أنتِ كلُّ النساءْ

    بلا لُغتي..

    أنتِ إشاعةُ امرأَهْ..

    قُصاصةُ امرأهْ..

    مشروعُ امرأه..

    رَسْمٌ تجريديٌ لم يستوعبه أَحَدْ..

    ومخطوطةٌ شِعْرِيّةٌ

    كُتِبتْ بحبرٍ سريّ

    ولم ينتبه إليها الناشرونْ...

    4

    بلا لغتي..

    أنتِ إسْوَارةٌ بلا مِعْصَمْ

    وملكةٌ بلا شعبْ

    ووطنٌ بلا مواطنينْ..

    وكنيسةٌ بلا مصلّينْ..

    وقصيدةٌ جميلةٌ لم يقرأها أَحَدْ

    وها أنذا جئتُ لكي أعلّم الناسْ

    كيفَ يَتَهجُّونَكِ...

    5

    بلا لُغتي..

    أنتِ فراشةٌ من حَجَرْ

    لا تحطُّ .. ولا تطيرْ

    وبيدرٌ لا تهاجمه العصافيرْ

    وجزيرةٌ لا تقصدها المراكبْ

    وشفةٌ مكتظّةٌ بالعنبْ

    لكنَّها..

    لا تعرفُ طعْمَ النبيذْ...

    6

    بلا لُغتي..

    لن تجدي مرآةً تتمرّينَ بها..

    ولن تجدي مكحلةً تتكحَّلين بها..

    ولن تجدي حَلَقاً تضعينَه في أُذُنَيْكِ..

    أصفى من دموعي..

    فكلماتي هي مراياكِ

    ومفرداتي هي أدواتُ زينتِكْ

    فخذي كلَّ شيء تريدينهْ..

    واتركي لي لغتي..

    فهي صولجانُ مجدكْ

    وإكليلُ الغار على جبينكْ

    وهي العصفورُ الجميل الذي سيحملك على جناحيهْ

    ويطير بك حول الكرة الأرضيَّهْ.

    7

    بلا لغتي..

    أنتِ كتابٌ لا يزالُ تحت الطبعْ

    وقبلةٌ مؤجَّلةُ التنفيذْ

    وصلصالٌ لم يتشكَّلْ بعدْ..

    ووردةٌ لم تكتشف عطرها بعدْ..

    ونهدٌ .. لم يعرف ما اسمُهُ بعدْ..

    فهو ينتظرني حتى أسمّيهْ..

    8

    خُذي كلَّ شيء تريدينَهْ

    واتركي لي لغتي..

    فهي الورقةُ الوحيدةُ التي بقيتْ في يدي..

    والحصانُ الأخيرُ الذي أقامرُ عليهْ..

    لقد ربحتِ حتى الآن عَشَراتِ الجولاتْ..

    وهزمتِني عشرات المرّاتْ..

    في معركة الحبّ..

    فاسمحي لي أن أنتصرَ عليكِ

    ولو لمرةٍ واحدةْ..

    في معركة الكلماتْ..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:38 pm

    الموت الأخير
    --------------------

    هذا هو الحدُّ الأقصى لجُنُوني

    ولم أعُدْ أقدر أن أحِبّكِ أكثرْ..

    هذا هو المدى الأخيرُ لذراعيّْ

    ولم أعُدْ أستطيعُ أن أضُمَّكِ أكثرْ..

    هذه أعلى نقطة يمكنني الوصول إليها

    على جبال نهديكِ.. المتوّجين بالثلج والذَهَبْ..

    ولم يَعُدْ بوسعي أن أتسلَّق أكثرْ..

    هذه آخرُ معركةٍ أدخلها..

    للوصول إلى نوافير الماء في غرناطهْ

    ولم يعد بوسعي أن أقاتلَ أكثرْ..

    هذا آخرُ موتٍ.. أموتُه مع امرأهْ

    ومن أجل امرأهْ..

    ولم يَعُدْ يمكنني أن أموتَ أكثَرْ..

    **********************************

    من ملفّات محاكم التفتيش
    -------------------------------------

    1

    يطالبُني حكماءُ القبيلَهْ

    أن أتركَ أشعاري على باب خَيْمتِكْ

    وأدخلَ عليكِ، مجرّداً من السلاحْ

    ماذا يبقى مني؟

    إذا نزلتُ عن فَرَس العشقْ

    ورهنتُ راياتي وأوسمتي

    ومعطفَ الكلمات الجميلَهْ

    الذي كنتُ أختالُ به

    كفهدٍ إفريقيٍ مرقّطْ..

    يطالبني عقلاءُ القبيلَهْ

    حتى لا تشتعلَ الفتنَهْ

    وحتى لا يتقاتلَ الرجالُ مع الرجالْ

    من أجل حَفْنةِ كُحْلْ..

    وحتى لا يسيلَ دمُ التاريخ من أجل غزالَهْ

    أن أفكّ ارتباطي بعينيكِ السوداوينْ

    وأحتكمَ إلى العقلْ..

    ماذا يبقى من وطن الكحلْ؟

    الذي أعطاني جنسيّتي، وجوازَ سفري

    إذا قبلتُ التحكيمْ

    وخرجتُ من عينيكِ السوداوينْ

    تلبيةً لمقتضيات الأمن البدويِّ....

    3

    باسم الوصايا العشْرِ التي لم أقرأها

    وباسم دولة الذكور التي لا أعترف بها

    وباسم المؤلفات التي ألَّفها الجرادُ الصحراويّ

    وباسم شجرة العائلة

    التي كسرتُها.. وتدفأتُ على حطبها

    أن أتركَ عشقي لكِ في غمدهْ..

    وأتخلى عن أجمل سيفٍ من الذَهَبْ

    اقتنيتُهُ في حياتي...

    4

    يحاكمني على حبّي بكِ..

    العشقْ

    ولم يسمعوا بـ (طَوْق الحمامة) لابن حَزْمْ..

    وبـ (فنّ الحب) لأوفيد

    ويطالبُ برأسي..

    مثقفونَ يمارسون الحبَّ مع ذباب المقاهي

    ولُوطيُّونْ..

    لم يتشرفوا بالوقوف في حضرة امرأهْ

    أو بالسباحة في صوت امرأهْ..

    5

    ينصحني شعراءُ القبيلَهْ

    الذين رفضت الأميرةُ قصائدَهُمْ

    لأنهم لم يفهموا لُعْبَة الأنوثَهْ

    ولا لُعْبَةَ الشِعرْ..

    وتلعثموا حين سألَتْهُمْ:

    عن الفرق بين إيقاعات البحر الطويلْ

    وإيقاعات شعرها الطويلْ

    وعن الفرق بين خصائص شفتيْها

    وخصائص النبيذ الفرنسيّْ

    وعن الفرق بين النقطة في آخر السَطرْ

    والشَامَة في أعلى الظهرْ...

    6

    ينصحني مرتزقةُ البَلاطْ

    أن أعودَ من حيثُ أَتيتْ

    لأن الأميرةَ لا تفتحُ نافذتها

    وأنني لو فشلتْ..

    دفنتني في عتمة ضفائِرها..

    7

    أضعُ دمي على كفّي

    وأرشُّ شراشفَ الأميرة بأشعاري

    يستيقظُ النَهْدانِ الكَسُولان من نَوْمهما،

    ويهربانِ معي....

    يجتمع حكماءُ القبيلة ومستشاروها في جلسةٍ طارئَهْ

    ويدرسونَ مِلفّي ورقةً ورقهْ..

    وأعمالي قصيدةً .. قصيدَهْ..

    ويستعرضون حبيباتي إمرأةً.. إمرأهْ..

    يأخذونَ بصمات يدي.. وبَصَمات فمي..

    جاؤوا من كلِّ المدن العربية ليشهدوا ضدّي...

    9

    يقرِّرون بالإجماع: أنني فضيحةٌ مقروءَه

    وأنني خطرٌ على الأمن النسائيّْ..

    يطلبون مني أن أغادر الوَطَنْ

    خلال ثمانٍ وأربعين ساعَهْ

    فأغادره...

    وتتبعني إلى المنفى كلُّ نساء القبيلَهْ...

    9

    يقرِّرون بالإجماع: أنني فضيحةٌ مقروءَه

    وأنني خطرٌ على الأمن النسائيّْ..

    يطلبون مني أن أغادر الوَطَنْ

    خلال ثمانٍ وأربعين ساعَهْ

    فأغادره...

    وتتبعني إلى المنفى كلُّ نساء القبيلَهْ...
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:39 pm


    ليلةٌ في مناجم الذهب
    ------------------------------

    1

    جسمُكِ مدْعُوكٌ بالثلج والنارْ

    ومعجونٌ ببعضهْ..

    كمربّى التين والسفرجَلْ

    ومطروقٌ كأباريق النحاسْ

    ومليسٌ كالبروكار الدمشقيّ

    وعابقٌ كأسواق البهارْ

    في مدينةٍ آسيويَّهْ.

    جسمُكِ مطرّزٌ بالشاماتِ

    كليل الباديَهْ

    ومزخرفٌ بالأزهارِ،

    كالخَط الكوفيّ

    وطازجٌ كعروق النعناعْ

    ولامعٌ تحت الشمس كفَقَمةِ البحرْ

    ومُسْتَنْفَرٌ للقتال..

    كديكٍ لا يَنامْ....

    3

    يُقَامُ تحت رعاية اللهْ....

    4

    جسمك ليرةٌ ذهبيَّهْ

    ولم يجرؤ أيٌّ من السلاطينْ

    أن يصكَّ مثلَها مرةً ثانيَهْ...

    5

    جسمُكِ مكتظٌّ بالأحجار الكريمَهْ

    مكتظٌ بالمعادن،

    والتوت البريّْ

    وأشجار السُمَّاقْ

    مكتظٌّ بالنُبُوءات كالكُتُب المقدَّسهْ

    ومضروبٌ بالحليبِ والعَسَلِ الأسودْ

    ومُشرَّبٌ بالشمس

    كلحم الفاكهة الاستوائيَّهْ..

    6

    جسمكِ له رائحةُ القِرْفة واليانسونْ

    ورائحةُ الأطفالْ

    في اليوم الأول من ولادتهمْ..

    جسمُكِ مَقَامٌ عراقيٌّ قديمْ

    وقهوةٌ.. وهالْ

    وأمطارُ لؤلؤٍ كريمْ

    و "إنّه من سليمانَ،

    8

    جسمُكِ مكتنزٌ كبرتقالَهْ

    ومغامرٌ كسَمَكَهْ

    ومفتوحٌ كورقة الكتابَهْ..

    9

    جسمُكِ برجٌ من الذَهَبْ

    ويودّع ألفَ حمامَهْ

    10

    جسمُكِ شَجَرةُ موسيقى

    كلّما هززتُها

    ودموعُ إسحق الموصلي..

    11

    جسمُكِ دفترٌ سريّْ

    سجّلتُ عليه

    وكلَّ تفاصيل ليلة القَدْرْ

    12

    جسمُكِ وليمةٌ مجنونَهْ

    من ولائم الرومانْ

    يسكرُ فيها النهدْ..

    نجمةً محترقَهْ...

    13

    جسمُكِ قبيلةٌ تحترف الحربْ

    كتيبةٌ مدجّجةٌ بالأنوثَهْ..

    غَزْوَةٌ حضارية

    14

    جسمُكِ كاتدرائيةٌ قوطيّةُ الأقواسْ

    تمارَسُ فيها كلُّ الدياناتْ

    وتُضاءُ الشموعْ

    وتقرعُ الأجراسْ

    جسمُكِ منارةُ المناراتْ

    ووطن العصافير التي تموت من شدّة البردْ

    ووطنُ الكلمات

    التي تموتُ من شدة القمعْ..

    15

    جسمُكِ مزارٌ..

    ومخطوطةٌ من العهد القديمْ

    عليها تواقيعُ ملوكٍ وأنبياءْ

    ومغنّنين وشعراءْ

    ورسّامينَ من عصر النهضَهْ

    ومعماريينَ..

    من السلالة الفرعونية الرابعَهْ..

    16

    جسمُكِ عصفورٌ يلعبُ على البيانو جيداً

    ويغنّي.. ويرقص..

    ويكتب الشعرَ جيداً..

    تسافرُ في لحمي.. جيداً..

    وتذبحني..

    جيداً.. جيداً.. جيداً....

    17

    جسمُكِ حاضرُ البديهة دائماً

    كثعلبٍ متربّصٍ في غابَهْ...

    18

    جسمُكِ كتابٌ يُقرأ من كلِّ الجهاتْ

    عَمُودياً يُقرأْ..

    وفي الصباح يُقرأْ

    وفي المساء يُقرأْ

    وفي وقت القيلولة يُقرأْ

    ومن الْتِفَاتَةِ العُنُق يُقرأْ

    ومن شموخ النهدين يُقرأْ

    ومن أصابع القدمينِ يُقرأْ

    ومن استدارة الفخذَين يُقرأْ

    جسمُكِ قارةٌ متعدّدةُ اللغاتْ...

    جسمُكِ فيه كلُّ عَظَمة التراثْ

    وكلُّ دهْشَة الحداثََهْ

    فيه شيءٌ من أصولية المتنبي

    وهَلْوَسَات سيلفادور دالي...

    20

    جسمُكِ ثَوْريٌّ بالفطرَهْ

    وفدائيّ بالفطرَهْ

    وقاتلٌ أو مقتولٌ..

    بالفطرَهْ..

    12

    إذا كان نهداكِ مثقّفينِ ثقافةً عاليَهْ

    - كما تقولينْ -

    فلماذا لم يعترفا حتى الآنْ

    بقانون الجاذبية الأرضيّهْ؟

    22

    أن نَهْدَكِ..

    هو أقدمُ إعلان للحريّة

    عرفه العالمْ..

    23

    جسمُكِ إشكالٌ لغويٌّ كبيرْ

    فلا أنا أعرف كيف أحفظُهْ..

    24

    جسمُكِ هو المَلِكْ

    وهو يحكُمُنَا باسم اللهْ...

    ويطردنا منها .. بأَمْرِ اللهْ...

    25

    ويقررُ جسمُكِ أن يلقيَ قصيدتَهْ..

    أستقيلُ أنا من الكلامْ....

    - كما تقولينْ -

    فلماذا لم يعترفا حتى الآنْ

    بقانون الجاذبية الأرضيّهْ؟

    22

    درَّسُونا في كلية الحقوقْ

    أن نَهْدَكِ..

    هو أقدمُ إعلان للحريّة

    عرفه العالمْ..

    23

    جسمُكِ إشكالٌ لغويٌّ كبيرْ

    فلا أنا أعرف كيف أحفظُهْ..

    ولا أنا أعرفُ كيف أنساهْ

    24

    جسمُكِ هو المَلِكْ

    وهو يحكُمُنَا باسم اللهْ...

    ويطردنا منها .. بأَمْرِ اللهْ...

    25

    عندما تجلسين على المقعد الأخضرْ

    ويقررُ جسمُكِ أن يلقيَ قصيدتَهْ..

    أستقيلُ أنا من الكلامْ....
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:39 pm

    قبل أن.. بعد أن..
    -------------------------

    1

    قبل أن أحبّكِ..

    كنتُ متصالحاً مع اللغَهْ

    ألعبُ لها، بمهارة ساحرٍ محترفْ

    وأحرِّك خيوطَها..

    كما يحرِّك طفلٌ طيارةً من ورقْ

    كنتُ أميرَ الطير.. وسيِّد المُغنّينْ

    وكنتُ إذا سرتُ في الغابَهْ

    تركض خلفي الأرانبْ..

    وتتبعني الأشجارْ

    وتكلمني الضفادعُ النهريّهْ

    وتنزلُ النجومُ من شُرُفاتها

    لتنامَ على كَتِفي..

    قبل أن أحبّكِ..

    كانت إقطاعاتي الأدبيَّهْ

    لا تغيبُ عنها الشمسْ

    ومملكتي الشعريَّهْ

    تمتدُّ من الماء إلى الماءْ

    ومن النساءِ.. إلى النساءْ

    وكانت الشفةُ التي لا أكتب عنها

    تتحوّلُ إلى وردةٍ من وَرَقْ..

    وكان النهدُ الذي لا يبايعني

    ملكاً مدى الحياهْ

    يُعتبر نهداً أميّاً.. ورجْعياً

    وتسقطُ عنه حقوقُه المدنيّهْ..

    3

    كان يختبئُ في حنجرتي عشُّ عصافيرْ

    ويعزفُ في دمي

    ألفُ تشايكوفسكي..

    وألفُ رحمانينوفْ

    وألفُ سيّد درويشْ

    كانت الأبجديّةُ صديقتي

    وكانت الثمانيةُ وعشرونَ حرفاً

    تكفي لبوحي، واعترافاتي

    وتتبعني كقطيعٍ من الغزلانْ

    تأكُلُ العشبَ من يدي

    وتشربُ الماءَ من يدي..

    وتتعلَّمُ أصولَ الحبّ على يدي..

    4

    قبل أن أحبّكِ..

    وأحلامي على قَدِّي

    وحزني.. وفَرَحي.. وجنوني

    على قَدِّي..

    وحين جاء الحبّ الكبيرْ

    بدأ المأزِقُ الكبيرْ

    وتمزّقتْ خرائطُ اللغَهْ

    وصارَ كلُّ ما أعرفه من كلامٍ جميلْ

    لا يكفي لتغطية عَشْر دقائقَ من الحنينْ

    عندما أدعوكِ للعشاءْ..

    5

    قبل أن تصبحي حبيبتي

    كنتُ أضطجعُ على سرير اللغَهْ

    أتغزّلُ بالكلمة التي أريدْ

    وأتزوّجُ المُفْرَدَةَ التي أريدْ

    لم يكنْ عندي مشكلةٌ مع اللغَهْ

    كنتُ مسكوناً بالرنين كأرغُنِ كنيسَهْ

    وكنتُ أهدل كالحمائمْ

    وأصدح كطيور الكناري

    وألبس اللغةَ في إصبعي

    خاتماً من الزمرّد الأخضرْ..

    6

    بعد أن صرتِ حبيبتي

    أضعتُ ذاكرتي اللغويّةَ نهائياً

    ونسيتُ كيف تُهجَّى الحروف.. وكيف تُكْتَبْ..

    إلا إسمَكِ..

    ولم أعُدْ أتذكر من الأصوات..

    إلا صوتَكِ...

    ولا أتذكّر من موانئ البحر الأبيض المتوسّطْ

    سوى عينيكِ المكتظتينِ..

    بالحزنِ..

    والكُحْلِ..

    وطيورِ النَوْرَسْ...

    7

    بعدَ.. أن دخَلَ سيفُكِ في لحمي

    ولحم ثقافتي

    إكتشفتُ أن مساحةَ الفن تضيقْ

    كلما اتَّسعتْ مساحةُ العشقْ

    سقطتْ من التداولْ

    كعملةٍ ورقية ليس لها تغطيَهْ

    وأن جميعَ ما أعرفه من مفرداتْ

    لا يكفي لتسديد ثمن فنجانيْ قهوَهْ

    في أحد مقاهي فينيسيا.. أو كومو..

    أو فيينا.. أو لوغانو..

    أو بيروتْ..

    8

    يا التي تعتقلني في داخل قصائدي

    وتتحكم بمفاتيح حنجرتي

    ومقامات صوتي..

    لم يعد يكفيني أن أقولَ (أُحبّكِ)

    أريد أن أصل معكِ إلى مرحلة ما بَعْدَ اللغَهْ

    وسُحَيْم..

    وعُرْوَةِ بنِ الوردْ

    والرمزيين، والبرناسيين، والسرياليينْ...

    فيا سيّدتي، التي أخذت في حقيبتها اللغهْ..

    وسافرتْ...

    لماذا أطلقتِ الرصاصَ على فمي؟

    وأرجعتنِي إلى مرحلة التَأْتأَهْ....

    وسُحَيْم..

    وعُرْوَةِ بنِ الوردْ

    والرمزيين، والبرناسيين، والسرياليينْ...

    فيا سيّدتي، التي أخذت في حقيبتها اللغهْ..

    وسافرتْ...

    لماذا أطلقتِ الرصاصَ على فمي؟

    وأرجعتنِي إلى مرحلة التَأْتأَهْ....
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى ( 6 )

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 9:41 pm

    الحب.. على شريط تسجيل
    ----------------------------

    1

    كلامُكِ ليسَ يُطاقُ..

    وتعبيرُ عينيكِ ليسَ يُطاقُ..

    وهذي الأغاني التي يَتَغَرْغَرُ فيها المُسجِّلُ

    منذُ ابتداء النهار، إلى مطلعِ الفجرِ

    ليست تطاقُ..

    ولا بدَّ لي أن أغادرْ..

    لماذا أظلُّ هنا؟ حين كلُّ الوسائد ضدِّي..

    وكلُّ المقاعد ضدّي..

    وكلُّ المرايا.. وكلُّ الزوايا .. وكلُّ الستائرْ..

    لماذا أظلُّ هنا بعد موت جميع المشاعرْ؟

    لماذا أظلُّ هنا؟

    حين أشعر أني سأُشنقُ في آخر الليل..

    فوقَ الضفائرْ..

    لماذا أظلُّ هنا؟

    حين أعرفُ أني سأُدفَنُ تحت رنين العُقُودِ..

    وضَوْع البخورِ..

    وشكوى الأساورْ..

    سأذهبُ حتى أقابلَ شِعْري

    فإني نسيتُ تماماً، طريقةَ رَسْمِ الحُروفِ،

    نسيتُ بياضَ الدفاترْ..

    فنصفي مقيمٌ لديكِ

    ونصفي مسافرْ...

    3

    لكنَّ هذا المناخَ العدائيَّ بيني وبينكِ..

    أطفأ كلَّ النجوم،

    وأيْبَسَ كلَّ البيادرْ

    صحيحٌ.. بأنَّ المكانَ أنيقٌ

    وأن النبيذَ عميقٌ

    وأنَّ التماثيلَ رائعةٌ، والأزاهرْ

    ولكنّني، رَغْمَ هذا الإطار الملوكيِّ حولي،

    أحِسُّ بأني أموتُ كشاعرْ...

    4

    ويا ستَّ كل الجميلاتِ..

    وأنَ جُنودَكِ كُثْرٌ..

    وأنَّ وصالَكِ قَهْرٌ.. وهَجْرَكِ قَهْرٌ..

    وأنَّ الذي لا يسبّحُ باسمكِ كافرْ

    فلا تَضَعيني.. بقائمة الرُكَّع الساجدينْ

    ولا تُدْخليني.. بجيشِ الدراويش والصابرينْ

    ولا تحسبيني..

    خَرُوفاً تَجُزِّينَ عن جسمه الصوفَ.. كالآخرينْ

    ولا تستبدّي برأيكِ فوقَ فراش الهوى

    لأنّي من اللهِ.. لا أتلقى الأوامرْ...

    خَرُوفاً تَجُزِّينَ عن جسمه الصوفَ.. كالآخرينْ

    ولا تستبدّي برأيكِ فوقَ فراش الهوى

    لأنّي من اللهِ.. لا أتلقى الأوامرْ...

    ********************************

    أنا والنساء
    ---------------------

    1

    أريدُ الذهابَ ..

    إلى زَمَنٍ سابقٍ لمجيء النساءْ..

    إلى زمنٍ سابقٍ لقُدُوم البكاءْ

    فلا فيهِ ألمحُ وجهَ امرأهْ..

    ولا فيهِ أسمعُ صوتَ امرأهْ..

    ولا فيهِ أشنقُ نفسي بثدي امرأَهْ..

    ولا فيه ألعقُ كالهرِّ رُكْبَةَ أيّ امرأَهْ...

    2

    أريدُ الخروجَ من البئر حيَّاً..

    لكي لا أموتَ بضَرْبَة نَهْدٍ..

    وأُهْرَسَ تحت الكُعُوب الرفيعةِ..

    تحت العيون الكبيرةِ،

    تحت الشفاه الغليظةِ،

    تحتَ رنين الحِلَى، وجُلُود الفِراءْ

    أريدُ الخروجَ من الثقبِ

    كي أتنفَّسَ بعضَ الهواءْ..

    3

    أريدُ الخروجَ من القِنِّ..

    حيثُ يفرّقْنَ بين الصباحِ وبين المَسَاءْ

    أُريدُ الخروجَ من القِنِّ..

    إنَّ الدَجَاجاتِ مزَّقْنَ ثوبي..

    وحللنَ لحمي..

    وسَمَّيْنَني شاعرَ الشُعَراءْ....

    4

    كرهتُ الإقامةَ في جَوْف هذي الزُجاجَهْ..

    كرهتُ الإقامَهْ..

    أيمكنُ أن أتولّى

    حِرَاسَةَ نَهْدَيْنِ..

    حتى تقومَ القيامَهْ؟؟

    أيمكنُ أن يصبح الجِنْسُ سِجْناً

    أعيشُ به ألفَ عامٍ وعامْ

    أريدُ الذهابَ..

    إلى حيث يمكنني أن أنامْ...

    فإني مللتُ النبيذَ القديمَ..

    الفِرَاشَ القديمَ..

    البيانو القديمَ..

    الحوارَ القديمَ..

    وأشعارَ رامبو..

    ولَوْحَات دالي..

    وأعينَ (إلْزَا)

    وعُقْدَةَ كافْكَا..

    وما قالَ مجنونُ لَيْلَى

    لشرح الغرامْ...

    متى كانَ هذا المُخَبَّلُ مجنونُ ليلى..

    خبيراً بفنّ الغرامْ؟

    أريدُ الذهابَ إلى زمن البحرِ..

    كي أتخلَّصَ من كل هذي الكوابيسِ،

    من كلّ هذا الفِصَامْ

    فهل ممكنٌ؟

    - بعد خمسينَ عاماً من الحُبِّ-

    أن أستعيدَ السلامْ؟؟

    5

    أريدُ الذهابَ.. لما قَبْلَ عصر الضفائرْ

    وما قَبْلَ عصر عُيُون المَهَا..

    وما قَبْلَ عصر رنين الأساورْ

    وما قَبْلَ هندٍ..

    ودَعْدٍ..

    ولُبْنَى..

    وما قَبْلَ هزِّ القُدُودِ،

    وشَدِّ النهودِ..

    ورَبْط الزنانير حول الخواصرْ..

    أريدُ الرحيلَ بأيِّ قطارٍ مُسَافرْ

    فإنَّ حُرُوبَ النساءْ

    بدائيّةٌ كحروب العشائرْ

    فقَبْلَ المعاركِ بالسيفِ،

    كانتْ هناكَ الأظافِرْ!!.

    *

    6

    كرهتُ كتابةَ شعري على جسد الغانياتْ

    كرهتُ التَسَلُّق كلَّ صباحٍ، وكلَّ مساءٍ

    إلى قمة الحَلَماتْ..

    أريدُ انتشالَ القصيدة من تحت أحذية العابراتْ

    أريدُ الدخولَ إلى لغةٍ لا تجيد اللغاتْ

    أريدُ عناقاً بلا مُفْرَداتْ

    وجنْساً بلا مُفْرَداتْ

    وموتاً بلا مُفْرَداتْ

    أريدُ استعادةَ وجهي البريءِ كوجه الصلاةْ

    أريدُ الرجوعَ إلى صدر أمّي

    أريدُ الحياةْ...

      الوقت/التاريخ الآن هو 11/5/2024, 11:57 pm