منتديات شريف سليمان

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


2 مشترك

    مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:48 pm


    الشاعر : نزار قباني


    مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب 7


    100 رسالة حُبّ (1)-(10)
    ----------------------------

    (1)

    أريد أن أكتب لك كلاماً

    لا يُشبهُ الكلامْ

    وأخترع لغةً لكِ وحدكِ

    أفصّلها على مقاييس جسدك

    ومساحةِ حبّي.

    *

    أريدُ أن أسافرَ من أوراق القاموس

    وأطلبَ إجازةً من فمي.

    فلقد تعبتُ من استدارة فمي

    أريدُ فماً آخر..

    يستطيع أن يتحوّل متى أرادْ

    إلى شجرة كَرَز

    أو علبة كبريت

    أريد فماً جديداً

    تخرج منه الكلماتْ

    كما تخرج الحوريّات من زَبَد البحر

    وكما تخرج الصيصَانُ البيضاء

    من قبَّعة الساحر..

    *

    خذُوا جميعَ الكتب

    التي قرأتُها في طفولتي

    خذُوا جميع كراريسي المدرسيّة

    خذوا الطباشيرَ..

    والأقلامَ..

    والألواحَ السوداءْ..

    وعلّموني كلمةً جديدة

    أُعلّقها كالحَلَقْ

    في أُذُن حبيبتي

    *

    أريدُ أصابعَ أخرى..

    لأكتبَ بطريقةٍ أخرى

    فأنا أكرهُ الأصابعَ التي لا تطول .. ولا تقصر

    كما أكرهُ الأشجار التي لا تموت .. ولا تكبر

    أريد أصابعَ جديدة..

    عاليةً كصوراي المراكبْ

    وطويلةً ، كأعناق الزرافاتْ

    حتى أفصّل لحبيبتي

    قميصاً من الشِعرْ..

    لم تلبسه قبلي.

    أريدُ أن أصنع لكِ أبجديّة

    غيرَ كلّ الأبجدياتْ.

    فيها شيء من إيقاع المطرْ

    وشيء من غبار القمرْ

    وشيء من حزن الغيوم الرماديّة

    وشيء من توجّع أوراق الصفصاف

    تحت عَرَبات أيلول.

    *

    أريد أن أهديكِ كنوزاً من الكلماتْ

    لم تُهْدَ لامرأةٍ قبلك..

    ولنْ تُهْدَى لامرأةٍ بعدكْ.

    يا امرأةً..

    ليس قَبْلَها قَبْلْ

    وليس بَعْدَها بَعْدَ

    *

    أريدُ أن أعلَّم نهديْكِ الكسوليْنْ

    كيف يُهجِّيان اسمي..

    وكيف يقرءان مكاتيبي

    أريدُ .. أن أجعلكِ اللغة..

    (2)

    نهارَ دخلتِ عليَّ

    في صبيحة يومٍ من أيام آذارْ

    كقصيدةٍ جميلةٍ .. تمشي على قَدَمَيْها

    دخلت الشمسُ معك..

    ودخل الربيعُ معك..

    كان على مكتبي أوراقٌ.. فأورقَتْ

    وكان أمامي فنجانُ قهوة

    فشربني قبل أن أشربه

    وكان على جداري لوحةٌ زيتية

    وكان على جداري لوحةٌ زيتية

    لخيول تركض..

    فتركتْني الخيولُ حين رأتكِ

    وركضتْ نحوك..

    *

    نهارَ زُرتني..

    في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ

    حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض

    وسقَطَ في مكان ما.. من العالم

    وسقَطَ في مكان ما.. من العالم

    نيزكٌ مشتعلْ..

    حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسلْ..

    وحسبتهُ النساء..

    سواراً مرصَّعاً بالماسْ..

    وحسبه الرجال..

    من علامات ليلة القدْرْ..

    *

    وحين نزعتِ معطفكِ الربيعيّ

    وجلستِ أمامي..

    فراشةً تحمل في أحقابها ثيابَ الصيف..

    تأكّدتُ أن الأطفال كانوا على حقّ..

    والنساء كُنَّ على حقّ..

    والرجال كانوا على حقّ..

    وأنّكِ..

    شهيّةٌ كالعسلْ..

    وصافيةٌ كالماسْ..

    ومذهلةٌ كليلة القدرْ...

    (3)

    عندما قلتُ لكِ :

    "أُحبّكِ".

    كنتُ أعرف..

    أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة

    وأقرع أجراسَ الفضيحة

    كنتُ أريد أن أستلم السلطة

    لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً

    وبحارَ العالم أكثرَ زرقةً

    وأطفالَ العالم أكثرَ براءة.

    كنتُ أريد..

    أن أُنهي عصرَ البربريَّة

    وأقتلَ آخر الخلفاء

    كان في نيّتي _عندما أحببتكِ_

    أن أكسر أبوابَ الحريم

    وأنقذَ أثداءَ النساء..

    من أسنان الرجال..

    وأجعلَ حَلَمَاتهنّ

    ترقصُ في الهواء مبتهجة

    كحبّات الزعرور الأحمر..

    عندما قلتُ لكِ:

    "أُحبّكِ".

    كنتُ أعرف..

    أنني أخترع أبجديةً جديدة

    لمدينةٍ لا تقرأ..

    وأنشد أشعاري في قاعة فارغة

    وأقدّم النبيذ

    لمن لا يعرفون نعمة السُكْرْ.

    *

    عندما قلتُ لكِ:

    "أُحبّكِ"

    كنتُ أعرف.. أن المتوحّشين سيتعقبونني

    بالرماح المسمومة.. وأقواس النشّاب.

    وأنّ صُوَري..

    ستُلصَق على كلّ الحيطان

    وأنَّ بَصَماتي..

    ستوزَّع على كلَّ المخافر

    وأن جائزةً كبرى..

    ستُعطى لمن يحمل لهم رأسي

    ليُعلّقَ على بوّابة المدينة

    كبرتقالةٍ فلسطينية..

    عندما كتبتُ اسمكِ على دفاتر الورد..

    كنتُ أعرف..

    أنّ كلَّ الأُميّين سيقفون ضدّي

    وكلَّ آلِ عثمان.. ضدّي

    وكلَّ الدراويش .. والطرابيش .. ضدّي.

    وكلّ العاطلين بالوراثة

    عن ممارسة الحبّ .. ضدّي

    وكلَّ المرضى بوَرَم الجنس..

    ضدّي..

    عندما قرّرتُ أن أقتلَ آخر الخلفاءْ

    وأُعلنَ قيامَ دولةٍ للحبّ..

    تكونين أنتِ مليكتَها..

    كنتُ أعرف..

    أنَّ العصافير وحدَها..

    ستعلنُ الثورةَ معي..

    (4)

    حين وزَّع اللهُ النساءَ على الرجالْ

    وأعطاني إيَّاكِ..

    شعرتُ..

    أنّه انحاز بصورة مكشوفة إليّْ

    وخالفَ كلَّ الكتب السماويّة التي ألَّفها

    فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة

    ألبسني الحرير، وألبسهم القطن

    أهدى إليَّ الوردة

    وأهداهم الغصن..

    *

    حين عَرَّفني اللهُ عليكِ..

    وذهب إلى بيته

    فكَّرتُ .. أن أكتب له رسالة

    على ورقٍ أزرقْ

    وأضعها في مُغلّفٍ أزرقْ

    وأغسلها بالدمع الأزرقْ

    أبدؤها بعبارة: يا صديقي

    كنتُ أريد أن أشكرَهُ

    لأنّه اختاركِ لي..

    فاللهُ _ كما قالوا لي _

    لا يستلم إلا رسائلَ الحب.

    ولا يجاوب إلا عليها..

    *

    حين استلمتُ مكافأتي

    ورجعتُ أحملك على راحة يديا

    كزهرة مانوليا

    بستُ يدَ الله..

    وبستُ القمر والكواكب

    واحداً .. واحداً

    وبستُ الجبال .. والأودية

    وأجنحة الطواحين

    بستُ الغيومَ الكبيرة

    والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة

    بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط

    والجُزُرَ التي لا تزال بذاكرة الخرائط

    بستُ الأمشاط التي ستتمشّطين بها

    والمرايا .. التي سترتسمين عليها..

    وكلَّ الحمائم البيضاء..

    التي ستحمل على أجنحتها

    جهازَ عرسك..

    (5)

    لم أكُنْ يوماً ملِكاً

    ولم أنحدر من سلالات الملوكْ

    غير أن الإحساسَ بأنّكِ لي..

    يعطيني الشعورَ

    بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمسْ

    وأسيطر على نزوات المطر، وعَرَبات الريح

    وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس..

    وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي..

    وألعب بكواكب المجموعة الشمسية..

    كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر...

    لم أكنْ يوماً مَلِكاً

    ولا أريدُ أن أكونه

    غيرَ أن مُجرَّدَ إحساسي

    بأنّكِ تنامين في جوف يدي..

    كلؤلؤة كبيرة..

    في جوف يدي..

    يجعلني أتوهَّم..

    بأنّني قيصر من قياصرة روسيا

    أو أنّني..

    كسرى أنو شروانْ..

    (6)

    لماذا أنتِ؟

    لماذا أنتِ وحدك؟

    من دون جميع النساء

    تغيِّرين هندسةَ حياتي

    وإيقاعَ أيّامي

    وتتسلّلين حافيةً..

    إلى عالم شؤوني الصغيرة

    وتُقفلين وراءكِ الباب..

    ولا أعترض..

    *

    لماذا؟

    أُحبّكِ أنتِ بالذاتْ

    وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ

    وأسمح لكِ..

    بأن تجلسي فوق أهدابي

    تُغنّين،

    وتُدخّنين،

    وتلعبين الورق..

    ولا أعترض.

    *

    لماذا ؟

    تشطبينَ كلَّ الأزمنة

    وتوقفين حركةَ العصور

    وتغتالين في داخلي

    جميعَ نساء العشيرة

    واحدة .. واحدة..

    ولا أعترض

    *

    لماذا؟

    أعطيكِ، من دون جميع النساء

    مفاتيحَ مُدُني

    التي لم تفتح أبوابَها..

    لأيّ طاغية

    ولم ترفع راياتها البيضاء..

    لأيّة امرأة..

    وأطلب من جنودي

    أن يستقبلوك بالأناشيد

    والمناديل..

    وأكاليل الغار..

    وأبايعكِ..

    أمامَ جميع المواطنين

    وعلى أنغام الموسيقى، ورنين الأجراس

    أميرةً مدى الحياة..

    (7)

    علّمتُ أطفالَ العالم

    كيف يهجّون اسمكِ..

    فتحولت شفاهُهُم إلى أشجار توتْ.

    أصبحتِ يا حبيبتي..

    في كُتُب القراءة ، وأكياس الحلوى.

    خبأتُكِ في كلمات الأنبياء

    ونبيذ الرهبان.. ومناديل الوداع

    رسمتكِ على نوافذ الكنائس

    ومرايا الحُلُم..

    وخشب المراكب المسافرة..

    أعطيتُ أسماكَ البحر..

    عنوانَ عينيكِ

    فنسيتْ عناوينها القديمة

    أخبرتُ تجّار الشرق..

    عن كنوز جسدك..

    فصارت القوافل الذاهبةُ إلى الهند

    لا تشتري العاج

    إلا من أسواق نهديك..

    أوصيتُ الريحَ

    أن تمشّط خصلات شعرك الفاحم

    فاعتذرتْ.. بأنَّ وقتها قصيرْ..

    وشعركِ طويلْ..

    (8)

    من أنتِ يا امرأة؟

    أيّتها الداخلة كالخنجر في تاريخي

    أيّتها الطيّبة كعيون الأرانب

    والناعمة كوَبَر الخوخة

    أيتها النقيّة، كأطواق الياسمين

    والبريئة كمرايل الأطفال..

    أيتها المفترسة كالكلمة..

    أُخرجي من أوراق دفاتري

    أُخرجي من شراشف سريري..

    أُخرجي من فناجين القهوة

    وملاعق السُكَّرْ..

    أُخرجي من أزرار قمصاني

    وخيوط مناديلي..

    أخرجي من فرشاة أسناني

    ورغوة الصابون على وجهي

    أخرجي من كلّ أشيائي الصغيرة

    حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل...

    (9)

    إني أُحبّكِ..

    ولا ألعبُ معكِ لعبةَ الحبّ

    ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماكِ البحر

    سمكة حمراء لكِ..

    وسمكة زرقاء لي..

    خذي كلَّ السمك الأحمر والأزرقْ

    وظلّي حبيبتي..

    خذي البحرَ ، والمراكبَ ، والمسافرين.

    وظلّي حبيبتي..

    إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك..

    ولا أفكر في حساب الربح والخسارة..

    ربّما ..

    لم يكن عندي أرصدة في البنوك

    ولا آبار بترول أتغرغر بها..

    وتستحمّ فيها عشيقاتي..

    ربّما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان..

    ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيس

    فأنا لستُ سوى شاعر..

    كلُّ ثروتي.. موجودةٌ في دفاتري

    وفي عينيكِ الجميلتينْ..

    (10)

    رماني حبُّكِ على أرض الدهشة

    هاجمني..

    كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ..

    فاجأني..

    وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة

    نسيتُ القصيدة..

    فاجأني..

    وأنا أقرأُ خطوطَ يدي

    نسيتُ يدي..

    داهمني كديكٍ متوحّش

    لا يرى.. ولا يسمع

    إختلط ريشُه بريشي

    إختلطتْ صيحاتُه بصيحاتي

    فاجأني..

    وأنا قاعدٌ على حقائبي

    أنتظر قطارَ الأيام..

    نسيتُ القطارْ..

    ونسيتُ الأيّامْ..

    وسافرتُ معكِ..

    إلى أرض الدهشة..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:49 pm

    رسالة حُبّ (11)-(20)
    ---------------------------

    (11)

    أحملكُ كالوّشم على ذراع بدويّ،

    أَحملكِ .. كطُعْم الجُدَريّ

    وأتسكّع معك..

    على كلّ أرصفة العالم.

    ليس عندي جوازُ سفر

    وليس عندي صورةُ فوتوغرافية

    منذ كنتُ في الثالثة من عمري.

    إنّني لا أُحبّ التصاوير..

    كلّ يوم يتغيّر لونُ عيوني

    كلّ يوم يتغيّر مكانُ فمي

    كلّ يوم يتغير عددُ أسناني

    إنّني لا أحبّ الجلوس

    على كراسي المصوّرين..

    ولا أحبّ الصورَ التذكارية

    كلّ أطفال العالم يتشابهون..

    وكلّ المعذّبين في الأرض يتشابهون

    كأسنان المشط..

    لذلك..

    نقعتُ جوازَ سفري القديم..

    في ماء أحزاني.. وشربتُه..

    وقررتُ..

    أن أطوفَ العالم على درّاجة الحريّة

    وبنفس الطريقة غير الشرعيّة

    التي تستعملها الريح عندما تسافر..

    وإذا سألوني عن عُنواني

    أعطيتُهمْ عنوان كلّ الأرصفة

    التي اخترتُها مكاناً دائماً لاقامتي.

    وإذا سألوني عن أوراقي

    أريتهمْ عينيك يا حبيبتي..

    فتركوني أمرُّ

    لأنّهم يعرفون..

    أن السفر في مدائن عينيكِ..

    من حقّ جميع المواطنين في العالم

    (12)

    وجهُكِ محفورٌ على ميناء ساعتي

    محفورٌ على عقرب الدقائق..

    وعقرب الثواني..

    محفورٌ على الأسابيع..

    والشهور.. والسَنَواتْ..

    لم يعد لي زمنٌ خصوصيّ

    أصبحتِ أنتِ الزمنْ.

    *

    إنتهتْ معكِ..

    مملكةُ شؤوني الصغيرة.

    لم يعد لديَّ أشياء أملكها وحدي.

    لم يعد عندي زهورٌ أنسّقها وحدي.

    لم يعد عندي كُتُبٌ

    أقرؤها وحدي..

    أنتِ تتدخّلين بين عيني وبين وَرَقتي.

    بين فمي ، وبين صوتي.

    بين رأسي ، وبين مخدَّتي.

    بين أصابعي ، وبين لُفافتي.

    *

    طبعاً..

    أنا لا أشكو من سُكْناكِ فيّْ..

    ومن تدخّلك في حركة يدي..

    وحركة جفني.. وحركة أفكاري

    فحقولُ القمح لا تشكو من وفرة سنابلها

    وأشجارُ التين لا تضيق بعصافيرها

    والكؤوس لا تضيق بسكنى النبيذ الأحمر فيها.

    كلُّ ما أطلبه منكِ يا سيّدتي

    أن لا تتحرّكي في داخل قلبي كثيراً..

    حتى لا أتوجّع..

    (13)

    ليس لكِ زمانٌ حقيقي خارجَ لهفتي

    أنا زمانكِ

    ليس لكِ أبعادٌ واضحة

    خارج امتداد ذراعيّ

    أنا أبعادُكِ كلّها

    زواياك ودوائرك..

    خُطوطُكِ المنحنية..

    وخُطوطُكِ المستقيمة.

    يومَ دخلتِ إلى غابات صدري

    دخلتِ إلى الحريّة

    يومَ خرجتِ منها

    صرتِ جارية..

    واشتراكِ شيخُ القبيلة.

    *

    أنا علّمتُكِ أسماءَ الشجرْ

    وحوارَ الصراصير الليليّة

    وأعطيتكِ عناوينَ النجوم البعيدة.

    أنا أدخلتكِ مدرسةَ الربيع

    وعلّمتكِ لغة الطير

    وأبجديَّةَ الينابيع.

    أنا كتبتُكِ على دفاتر المطرْ

    وشراشف الثلج ، وأكواز الصنوبر

    وعلّمتُكِ كيف تكلّمين الأرانبَ والثعالب..

    وكيف تمشّطين صُوفَ الخِراف الربيعيَّة.

    أنا أطلعتُكِ..

    على مكاتيب العصافير التي لم تُنْشَرْ

    وأعطيتُكِ .. خرائطَ الصيف والشتاء..

    لتتعلّمي .. كيف ترتفع السنابلْ

    وتزقزقُ الصيصانُ البيضاءْ..

    وتتزوّج الأسماكُ بعضَها..

    ويتدفّق الحليبُ من ثدي القمرْ..

    لكنّكِ ..

    تعبتِ من حصان الحريّة

    فرماكِ حصانُ الحريّة

    تعبتِ من غابات صدري

    ومن سمفونية الصراصير الليليّة

    تعبتِ من النوم عاريةً..

    فوق شراشف القمر..

    فتركتِ الغابة..

    ليأكلكِ الذئب..

    ويفترسَكِ ــ على سُنَّة الله ورسُوله

    شيخُ القبيلة..

    (14)

    السنتان اللتان كنتِ فيهما حبيبتي

    هما أهمُّ صفحتين..

    في كتاب الحبّ المعاصرْ.

    كلُّ الصفحات ، قبلَهما ، بيضاء

    وكلُّ الصفحات ، بعدَهما ، بيضاءْ

    إنّهما خطّ الاستواء

    المارّ بين فمي وفمك

    وهُما المقياس الزمنيّ

    الذي تعتمده المراصد

    وتُضبطُ عليه كلّ ساعات العالم..

    (15)

    كُلّما طالَ شَعْرُكِ

    طالَ عُمْري..

    كُلَّما رأَيتُهُ منثوراً على كتفيكِ

    لوحةً مرسومةً بالفحم،

    والحبر الصينيّ..

    وأجنحة السنُونُو

    حوَّطتُهُ بكلّ أسماء الله..

    هل تعرفين؟

    لماذا أستميتُ في عبادة شَعْرك..

    لأنّ تفاصيلَ قصّتنا

    من أوّل سطر إلى آخر سطرٍ فيها

    منقوشةٌ عليه..

    شعرُكِ .. هو دفترُ مذكّراتنا

    فلا تتركي أحداً..

    يسرقُ هذا الدفترْ..

    (16)

    عندما تضعين رأسكِ على كَتِفي..

    وأنا أسوق سيّارتي

    تترك النجومُ مداراتها

    وتنزل بالألوف..

    لتتزحلق على النوافذ الزجاجيّة..

    وينزل القمر..

    ليستوطنَ على كَتِفي..

    عندئذ..

    يصبح التدخينُ معكِ مُتْعة..

    والحوارُ متعة

    والسكوتُ متعة

    والضَياعُ في الطُرُقاتِ الشتائيهْ

    التي لا أسماء لها..

    متعة.

    وأتمنّى .. لو نبقى هكذا إلى الأبد

    المطر يُغنّي..

    ومَسَّاحات المطر تُغنّي

    ورأسك الصغير،

    متكمّشٌ بأعشاب صدري

    كفراشةٍ إفريقية ملوّنة

    ترفض أن تطير..

    (17)

    كُلَّما رأيتُكِ..

    أيأسُ من قصائدي.

    إنّني لا أيأس من قصائدي

    إلا حين أكونُ معك..

    جميلةٌ أنتِ .. إلى درجةِ أنّني

    حين أفكّر بروعتك .. ألهث..

    تلهث لغتي..

    وتلهث مُفْرَداتي..

    خلّصيني من هذا الإشكال..

    كُوني أقلّ جمالاً...

    حتى أستردَّ شاعريتي

    كُوني امرأةً عادية..

    تتكحّل .. وتتعطّر .. وتحبل .. وتلِدْ

    كُوني امرأةً مثلَ كلّ النساء..

    حتى أتصالح مع لغتي..

    ومع فمي..

    (18)

    لستُ معلِّماً..

    لأعلّمك كيف تُحبّينْ.

    فالأسماك، لا تحتاج إلى معلِّمْ

    لتتعلَّمَ كيف تسبحْ..

    والعصافير، لا تحتاج إلى معلِّمْ

    لتتعلّمَ كيف تطير..

    إسبحي وحدَكِ..

    وطيري وحدَكِ..

    إن الحبّ ليس له دفاتر..

    وأعظمُ عشّاق التاريخ..

    كانوا لا يعرفون القراءة..

    (19)

    دعي بورجوازيَّتكِ ، يا سيّدتي

    وسريرَ لويس السادس عشر

    الذي تنامين عليه..

    دعي عطورَك الفرنسية

    وحقائبك المصنوعة من جلد التمساح..

    واتبعيني..

    إلى جُزُر المطر..

    والأناناسْ..

    والتوابل الحارقة..

    حيث مياه السواحل ساخنة كجسدك..

    وثمار المانغو..

    مستديرة كنهديكِ..

    إرمي كلَّ شيء وراءك..

    واقفزي على صدري..

    كسنجاب إفريقي..

    فأنا يعجبني..

    أن تتركي خدشاً واحداً على سطح جلدي.

    أو جرحاً واحداً على زاوية فمي..

    أتباهى به..

    أمام رجال العشيرة..

    آهِ .. يا امرأةَ التردّد .. والبرودْ

    يا امرأة ماكس فاكتور.. وإليزابيت آردنْ

    متحضِّرة أنتِ إلى درجة لا تحتملْ..

    تجلسين على طاولة الحب..

    وتأكلين بالشوكة والسكّينْ

    أما أنا يا سيّدتي..

    فبدويّ يختزن في شفتيه

    عصوراً من العطش..

    ويخبّئ تحت عباءته

    ملايينَ الشموس..

    فلا تغضبي منّي..

    إذا خالفتُ آدابَ المائدة

    ونزعتُ عن رقبتي الفوطةَ البيضاء

    وعرَّيتكِ من ملابسك التنكّرية

    وعلّمتكِ ..

    كيف تأكلين بكلتا يديكِ

    وتعشقين بكلتا يديكِ

    وتركضين على رمال صدري

    كمهْرةٍ بيضاءْ

    تصهل في البادية..

    (20)

    لأنّني أُحبُّكِ..

    يحدث شيءٌ غير عاديّ

    في تقاليد السماء..

    يصبح الملائكةُ أحراراً في ممارسة الحبّ..

    ويتزوّج اللهُ .. حبيبته..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:50 pm

    رسالة حُبّ (21)-(28)
    --------------------------

    (21)

    وَعَدتُكِ..

    أن أبقى محتفظاً بوقاري

    كلّما ذكروا اسمكِ أمامي

    أرجوكِ . أن تحرّريني من وعدي القديم.

    لأنّني كلّما سمعتُهم..

    يتلفّظون باسمك..

    أبذُلُ جهدَ الأنبياء..

    حتى لا أصرخ..

    (22)

    أتغرغرُ بذكرياتك الصغيرة الملوَّنة

    كما يتغرغر عصفورٌ بأغنية..

    كما تتغرغر نافورةُ بيتٍ أندلسي

    بمياهها الزرقاءْ...

    (23)

    فكّرتُ أن أستولدكِ طفلاً..

    يأتي.. وفي فمه قصيدة.

    فكّرتُ أن استولدكِ قصيدة..

    فكّرتُ..

    في ليالي الشتاء الطويلة

    أن أعتدي على جميع الشرائع

    وأزرعَ في رحمك عصفوراً..

    يحفظ سلالةَ العصافير..

    فكّرتُ ..

    في ساعات الهّذَيان واحتراق الأعصابْ..

    أن أستنبت في أحشائكِ

    غابةَ أطفال..

    يحفظون تقاليدَ الأُسرة

    في كتابة الشعر

    ومغازلةِ النساءْ..

    (24)

    من أيّ جنسٍ أنتِ يا امرأة؟

    من قبَّعة أيّ ساحرٍ خرجتِ؟

    مَنْ يدّعي أنه سرق مكتوباً واحداً

    من مكاتيب حبّك .. يكذبْ

    مَنْ يدّعي أنه سرق إسوارةَ ذهبٍ صغيرة

    من خزانتك يكذبْ..

    مَنْ يدّعي أنّه سرق مشطاً واحداً

    من أمشاط العاج التي تتمشّطين بها..

    يكذبْ..

    مَنْ يدّعي..

    أنه اصطاد سمكةً واحدة..

    من بحار عينيك.. يكذبْ.

    من يدّعي أنه اكتشف..

    نوعَ العطر الذي تستعملينه

    وعنوانَ الرجل الذي تكاتبينه..

    يكذبْ..

    من يدّعي .. أنه اصطحبكِ

    إلى أيّ فندق من فنادق العالم

    أو دعاكِ إلى أيّ مسرح من مسارح المدينة

    أو اشترى لكَِ طوقاً من الياسمين..

    يكذبْ .. يكذبْ .. يكذبْ ..

    فأنتِ متحفٌ مُغْلَقْ..

    يومَ السبت، ويوم الأحدْ..

    يومَ الثلاثاء ، ويوم الأربعاءْ

    وفي كلّ أيّام الأسبوع

    متحفٌ مغلقْ..

    في وُجُوه جميع الرجالْ

    طَوَالَ أيّام السنة...

    (25)

    رسائلي إليكِ..

    تتخطّاني.. وتتخطّاكِ..

    لأن الضوءَ أهمُّ من المصباحْ

    والقصيدةَ أهمُّ من الدفترْ

    والقبلةَ أهمُّ من الشفة..

    رسائلي إليكِ..

    أهمُّ منكِ .. وأهمُّ منّي

    إنّها الوثائق الوحيدة..

    التي سيكتشفُ فيها الناس

    جمالكِ..

    وجُنوني..

    (26)

    لن أكونَ آخر رجلٍ في حياتكِ.

    ولكنني آخرُ قصيدة

    مكتوبةٍ بماء الذهبْ

    تُعلَق على جدار نهديْكِ

    وآخرُ نبيّ

    أقنع الناسَ بوجود جنّة ثانية

    وراء أهداب عينيكِ.

    (27)

    بيني وبينك..

    اثنتان وعشرون سنةً من العُمْرْ..

    وبين فمي وفمك..

    حين يلتصقان..

    تنسحق السَنَوات..

    وينكسر زجاجُ العمرْ..

    (28)

    في أيّام الصيف..

    أَتمدّد على رمال الشاطئ

    وأمارس هوايةَ التفكير بكِ..

    لو أنّني أقول للبحر..

    ما أشعر به نحوكِ

    لترك شواطئَه..

    وأصدافَه..

    وأسماكَه..

    وتبعني...
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:51 pm

    رسالة حُبّ (29)-(50)
    -----------------------

    (29)

    عندما أسمعُ الرجال..

    يتحدّثون عنكِ بحماسة

    وأسمع النساء..

    يتحدّثن عنكِ بعصبيَّة..

    أعرفُ..

    كم أنتِ جميلة..

    (30)

    كنتُ أعرفُ دائماً..

    أنّكِ فُلّة..

    ولكنّني عندما رأيتُكِ بثياب البحر.

    أدركتُ ..

    أنّك شجرةُ فُلّْ..

    (31)

    صداقةُ يَدَيْنَا..

    أقوى من صداقتي معك..

    وأصفى .. وأعمقْ..

    فحين كنَّا نختصمُ .. ونغضبْ..

    ونرفعُ قبضاتنا في الهواءْ..

    كانت يدانا تلتصقان.. وتتعانقان..

    وتتغامزان.. على غبائنا...

    (32)

    طالت أظافرُ حبّنا كثيراً..

    علينا..

    أن نقصَّ له أظافرَهْ

    وإلا ذبحكِ..

    وذبحني..

    (33)

    كلّما قبَلتُكِ..

    بعد طول افتراق..

    أشعر أنني..

    أضعُ رسالةَ حبٍّ مستعجلة

    في علبة بريد حمراء..

    (34)

    رسائلي إليكِ..

    ليستْ مقاعد من القطيفة

    تستريحين عليها..

    إنّني لا أكتب إليكِ .. كي تستريحي

    إنني أكتب إليكِ..

    كي تحتضري معي..

    وتموتي معي..

    (35)

    يندفع حبِّي نحوكِ..

    كحصانٍ أبيض..

    يرفضُ سرجَه وفارسَه

    لو كنتِ يا سيّدتي

    تعرفينَ أشواقَ الخيول

    لملأتِ فمي..

    لوزاً .. وكرزاً..

    وفستقاً أخضر..

    (36)

    عندما تذهبين إلى الجَبَل

    تصبحُ بيروت قارةً غيرَ مسكونة..

    تصبحُ أرملة..

    أنا ضدَّ الاصطياف كلّه

    ضد كلّ ما يأخذك

    بعيداً عن صدري..

    (37)

    كلُّ رجل سيُقبِّلُكِ بعدي..

    سيكتشف فوق فمك

    عريشةً صغيرةً من العنب

    زرعتُها أنا...

    (38)

    إبتعدي قليلاً عن حدقتيْ عينيّ

    حتى أُميِّزَ بين الألوان

    إنهضي عن أصابعي الخمسة

    حتى أعرف حجمَ الكون..

    وأقتنع..

    أن الأرض كُرويَّة..

    (39)

    كان المطرُ ينزل علينا معاً..

    فتنمو ألوفُ الحشائش

    على معطفينا.

    بعد رحيلك..

    صار المطر يسقط عليَّ وحدي..

    فلا ينبت شيء..

    على معطفي..

    (40)

    أتكوَّم..

    على رمال نهديكِ.. مُتْعبَاً

    كطفلٍ لم ينم منذ يوم ولادته

    (41)

    آهِ.. لو تتحرّرينَ يوماً..

    من غريزة الأرانب..

    وتعرفين..

    أنني لستُ صيّادَكِ

    لكنني حبيبُكِ..

    (42)

    خطر لي ذاتَ يوم..

    أن أخطفكِ على طريقة الشراكسة..

    وأتزوّجَكِ..

    تحت طَلَقات الرصاصْ..

    والتماع الخناجرْ..

    لكنّكِ قتلت حصاني

    وهو يَلحس الشمعَ عن أصابع قدميك

    وقتلتِ معه..

    أجملَ لحظة شعر.. في حياتك.

    (43)

    عندما تزورينني..

    بثوبٍ جديدْ..

    أشعر بما يشعر به البستانيّ

    حين تُزهر لديه شجرة..

    (44)

    عيناكِ..

    حفلةُ ألعاب ناريّة

    أتفرّج عليها مرةً .. كلَّ سنة.

    وأظلّ طَوَالَ العام..

    أُطفيء الحرائق المشتعلة..

    في جلدي..

    وفي ثيابي..

    (45)

    أريد أن أركب معكِ

    ولو لمرةٍ واحدة..

    قطارَ الجنون..

    قطاراً ينسى أرصفتَه،

    وقضبانَهُ ، وأسماءَ مسافريه..

    أريد أن تلبسي..

    ولو لمرة واحدة...

    معطفَ المطر..

    وتقابليني في محطّة الجنون..

    (46)

    شكراً .. على الدفاتر الملوّنة

    التي أهديتها إليّ.

    لا شيء يفتح شهيتي في الدنيا

    أكثر من ورق الدفاتر الملوّنة

    أنا كالثور الإسباني..

    يطيب لي أن أموت..

    على أية ورقة ملوّنة

    ترتعش أمامي..

    فهل كنتِ تعرفين يوم أهديتني دفاترك

    نَزَواتي الإسبانية؟

    (47)

    كلّما سافرتِ..

    طالبني عطرُكِ بكِ

    كما يطالب الطفل بعودة أمّه..

    تصوّري..

    حتّى العطور..

    حتّى العطورْْ..

    تعرفُ الغربةَ..

    وتعرف النفيْ..

    (48)

    هل فكّرتِ يوماً .. إلى أينْ؟

    المراكبُ تعرف إلى أينْ..

    والأسماكُ تعرف إلى أينْ..

    وأسرابُ السنونو تعرف إلى أينْ..

    إلا نحن..

    نحن نتخبَّط في الماء ولا نغرفْ..

    ونلبس ثيابَ السفر ولا نسافرْ

    ونكتب المكاتيبَ ، ولا نرسلها..

    ونحجز تذكرتينْ..

    على كلّ الطائرات المسافرة..

    ونبقى في المطار.

    أنتِ ، وأنا ، أجبنُ مسافريْنْ

    عرفَهما العصرْ..

    (49)

    مزّقتُ ، يومَ عرفتُكِ ،

    كلَّ خرائطي .. ونُبُوءاتي.

    وصرتُ كالخيول العربية

    أشمُّ رائحةَ أَمطاركِ ، قبل أن تبلّلني

    وأسمعُ إيقاعَ صوتك

    قبل أن تتكلَّمي..

    وأفكُّ ضفائرَك .. بيدي

    قبل أن تضفريها..

    (50)

    إغلقي جميعَ كُتُبي

    واقرأي خطوطَ يدي

    أو خطوطَ وجهي..

    إنني أتطلّع إليك بانبهار طفل

    أمامَ شجرةِ عيد الميلادْ..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:51 pm

    رسالة حُبّ (51)-(60)
    ------------------------

    (51)

    فكّرتُ أمس.. بحبّي لكِ..

    وأحببتُ التفكيرَ بتفكيري..

    تذكّرتُ فجأةً..

    قَطَراتِ العَسَل على شفتيكِ

    فلحستُ السُكَّرَ عن جدران ذاكرتي..

    (52)

    أرجوكِ أن تحترمي صمتي..

    إنَّ أقوى أسلحتي هو الصمتْ.

    هل شعرتِ ببلاغتي عندما أسكت؟

    هل شعرتِ بروعة الأشياء التي أقولها؟

    عندما لا أقولُ شيئاً..

    (53)

    عندما ركبتِ معي..

    (تِلفرِيك) جونيه..

    وانزلقتْ المركبةُ بنا على رؤوس الشجرْ..

    وأكواز الصنوبرْ..

    وصواري السفن..

    شعرتُ أنّني ورثتُ العرشَ فجأة..

    وخطر لي أن أتزوّجك

    في هذه الغرفة الزجاجيّة

    المتدحرجة على الغيم.. كفندقٍ صغير

    وأن يكون شاهدَ عُرْسِنا الوحيدْ

    هو الله..

    (54)

    علاّقةُ المفاتيح الذهبيّة

    التي أهديتنيها..

    لا تفتحُ باباً واحداً

    من أبوابك الحجريّة

    وإنما تفتحُ..

    أبوابَ جُروحي..

    (55)

    لماذا تطلبينَ منّي أن أكتبَ إليكِ؟

    لماذا تطلبين منّي

    أن أتعرّى أمامكِ كرجل بدائيّ؟

    الكتابةُ هي العملُ الوحيدُ الذي يعرّيني.

    عندما أتكلّم..

    فإنني أحتفظ ببعض الثياب

    أما عندما أكتب..

    فإنني أصير حرّاً ، وخفيفاً

    كعصفور خرافيٍّ لا وزن له..

    عندما أكتب..

    أنفصل عن التاريخ.. وعن جاذبيَّة الأرض..

    وأدورُ ككوكبٍ..

    في فضاء عينيك..

    (56)

    المتعاملُ معكِ..

    كالمتعامل مع طيّارة وَرَقْ..

    كالمتعامل..

    مع الريح، والصُدْفة، ودُوار البحر.

    لم أشعر معكِ في يوم من الأيام

    بأنني أقف على شيء ثابت..

    وإنما كنتُ أتدحرجُ..

    من غيمة.. إلى غيمة

    كالأطفال المرسومين على سقوف الكنائس.

    (57)

    إنزعي الخنجرَ المدفونَ في خاصرتي

    واتركيني أعيش..

    إنزعي رائحتَك من مسامات جلدي

    واتركيني أعيش..

    إمنحيني الفرصة..

    لأتعرّف على امرأة جديدة

    تشطب اسمَكِ من مفكّرتي

    وتقطعُ خُصُلاتِ شعرك

    الملتفّة حول عنقي..

    إمنحيني الفرصة..

    لأبحث عن طُرُقٍ لم أمشِ عليها معكِ

    ومقاعد لم أجلس عليها معكِ..

    ومقاهٍ لا تعرفكِ كراسيها..

    وأمكنةٍ ..

    لا تذكركِ ذاكرتُها.

    إمنحيني الفرصة..

    لأبحث عن عناوين النساء اللواتي

    تركتٌهنّ من أجلك..

    وقتلتُهنّ من أجلك

    فأنا أريد أن أعيش..

    (58)

    كلّما ضربَ المطرُ شبابيكي..

    أتلمّس مكانكِ الخالي..

    كلّما لَحَسَ الضبابُ زجاجَ سياّراتي

    وحاصرني الصقيع..

    وتجمّعت العصافير

    لتنتشل سيّارتي المدفونة في الثلج

    أَتذكّر حرارةَ يديكِ الصغيرتين..

    والسجائر التي كنا نقتسمها

    كالجنود في خنادقهم..

    نصفٌ لكِ ..

    ونصفٌ لي..

    كلما علكت الرياحُ ستائرَ غرفتي

    وعلكتْني..

    أتذكر حبَّكِ الشتائي..

    وأتوسّل إلى الأمطار

    أن تُمطِرَ في بلادٍ أخرى

    وأتوسّلُ إلى الثلج

    أن يتساقطَ في مُدُنٍ أخرى

    وأتوسّل إلى الله

    أن يلغي الشتاء من مفكّرته

    لأنني لا أعرف..

    كيف سأقابل الشتاء بعدك..

    (59)

    الطائرة ترتفع أكثرَ .. وأكثرْ..

    وأنا أحبّكِ أكثرَ .. وأكثرْ..

    إنني أعاني تجربةً جديدة

    تجربةَ حبّ امرأة على ارتفاع ثلاثين ألف قدم.

    بدأتُ الآن أفهم الصوفيّة

    وأشواقَ المتصوّفين..

    *

    من الطائرة..

    يرى الإنسانُ عواطفه بشكل مختلف

    يتحرّر الحبُّ من غُبار الأرض

    من جاذبيتها..

    من قوانينها..

    يصبح الحبُّ كرةً من القطن، معدومةَ الوزن.

    الطائرة تنزلق على سجّادة من الغيم المنَّتف.

    وعيناك تركضان خلفها..

    كعصفوريْْنِ فضوليّينْ..

    يلاحقان .. فراشة.

    *

    أحمق أنا..

    حين ظننتُ أنّي مسافرٌ وحدي..

    ففي كلِّ مطار نزلتُ فيه..

    عثروا عليكِ..

    في حقيبة يدي..

    (60)

    قبلَ أن أدخلَ مدائنَ فمك

    كانت شفتاكِ زهرتيْ حَجَرْ

    وقدحي نبيذٍ .. بلا نبيذْ

    وجزيرتين متجمّدتين في بحار الشمالْ..

    ويوم وصلتُ إلى مدينة فمك..

    خرجت المدينة كلُّها..

    لترشَّني بماء الورد

    وتفرشَ تحت موكبي السّجادَ الأحمرْ

    وتبايعني خليفةً عليها..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:52 pm

    رسالة حُبّ (61) - (70)
    -----------------------------

    (61)

    قُضيَ الأمرُ.. وأصبحتِ حبيبتي

    قُضيَ الأمر..

    ودخلتِ في طيّات لحمي.. كالظفر الطويلْ..

    كالزِرِّ في العُرْوَة..

    كالحَلَق في أُذُن امرأةٍ إسبانية..

    *

    لن تستطيعي بعد اليوم..

    أن تحتجّي..

    بأنّي مَلِكٌ غيرُ ديمُقراطي

    فأنا في شؤون الحُبِّ.. أصنعُ دساتيري

    وأحكم وحدي.

    هل تستشير الورقةُ الشجرةَ قبل أن تطلع؟

    هل يستشير الجنينُ أمَّه قبل أن ينزل؟

    هل يستشير النهدُ الغلالة..

    قبل أن يتكوَّر؟

    *

    كوني إذَنْ حبيبتي

    واسكتي..

    ولا تناقشيني في شرعيّة حبّي لكِ

    لأن حبّي لكِ شريعةٌ

    أنا أكتُبها..

    وأنا أنفّذها..

    أما أنتِ..

    فمهمّتك أن تنامي كزهرة مارغريت

    بين ذراعيّ

    وتتركيني أحكمُ..

    مهمّتك يا حبيبتي

    أنْ تظلي حبيبتي..

    (62)

    أنتِ امرأةٌ مستريحة..

    مستريحةٌ ككلّ المقاعد التي لا طموح لها..

    وككلّ الجرائد المتروكة في الحدائق العامة.

    الحبّ لديك.. حصانٌ

    لا يتقدّم.. ولا يتقهقر

    ساعي بريد .. يجيء أو لا يجيء

    أيّامك كلُها..

    مرسومةٌ في خطوط فناجين القهوة..

    ووَرَق اللعِبْ..

    ووَدَع المنجّماتْ..

    مستريحةٌ أنتِ.. كأرجُلِ الطاولة..

    نهدُكِ الأيمنُ، لا يعرف شيئاً ، عن نهدك الأيسرْ

    وشفتُك العليا..

    لا تدري، بشفتك السفلى..

    *

    أردتُ أن أنقل الثورة..

    إلى مرتفعات نهديك.. ففشلتْ.

    أردتُ أن أعلّمكِ الغضبَ، والكفرَ ، والحرّية

    ففشلتْ..

    الغضبُ لا يعرفه إلا الغاضبون

    والكفرُ لا يعرفه إلا الكافرون..

    والحرية سيفٌ..

    لا يقطع إلا في يد الأحرار

    أما أنتِ..

    فمستريحةٌ إلى درجة الفجيعة

    تراهنينَ على الخيول الراكضة

    ولا تمتطينها..

    وتلعبين بالرجال..

    ولا تحترمين قواعدَ اللُّعْبَة..

    أنتِ لا تعرفينَ قشعريرةَ المغامرة

    والصدام مع المجهول ، واللامنتظَرْ

    أنتِ تنتظرينَ المنتظَرْ..

    كما ينتظر الكتابُ من يقرؤه..

    والمقعدُ من يجلس عليه..

    والإصبعُ خاتمَ الخطبة..

    تنتظرين رجلاً..

    يُقشِّر لكِ اللوزَ والفستق

    ويسقيكِ لبَنَ العصافيرْ

    ويعطيكِ مفاتيحَ مدينةٍ

    لم تحاربي من أجلها..

    ولا تستحقّين شرفَ الدخول إليها..

    (63)

    يخطُرُ لي أحياناً..

    أن أجلدكِ في إحدى الساحات العامة..

    حتى تنشر الجرائد..

    صورتي وصورتك في صفحاتها الأولى

    وحتى يعرفَ الذين لا يعرفونْ..

    أنّكِ حبيبتي.

    *

    لقد ضجرتُ .. من ممارسة الحبّ خلف الكواليس

    ومن تمثيل دور العشَّاق الكلاسيكيين..

    أريد أن أعتلي خشبةَ المسرحْ..

    وأمزّق السيناريو..

    وأعلن أمام الجمهور..

    أنني عاشق على مستوى العصرْ

    وأنكِ حبيبتي

    رغمَ أنفِ العصرْ..

    *

    أريدُ..

    أن تعترف الصحافةُ بي

    كواحدٍ .. من أكبر فوضوييّ التاريخ

    فهذه هي فرصتي الوحيدة..

    لأظهرَ معكِ في صورةٍ واحدة

    وليعرفَ الذين يقرأون صفحةَ الجرائم العاطفية

    أنّك حبيبتي..

    (64)

    لا أستطيع أن أخرج من حدود بشريتي

    وأعاملكِ على طريقة المجاذيب..

    والأولياءْ..

    إنني أهين أنوثتَكِ

    إذا استبقيتُكِ عندي

    كزهرةٍ من الورق..

    *

    ماذا تقول أنوثتك عني؟

    إذا عاملتكِ..

    كحقل لا يرغب أحدٌ في امتلاكه..

    أو كأرضٍ محايدة..

    لا يدخلها المحاربون..

    ماذا يقول نهداكِ عني؟

    إذا تركتهما يثرثران خلف ظهري..

    ونمتْ..

    ماذا تقول شفتاكِ عني..

    إذا تركتُهما تأكلان بعضهما..

    وذهبتْ..

    *

    ليس بوسعي

    أن أنظرَ إليكِ

    كما تنظر الأبقار الكسلى..

    إلى خطوط سكّة الحديدْ..

    ليس بوسعي أن أظلّ واقفاً

    تحت جُنون مطرك الاستوائيّ..

    بلا مظلّة..

    (65)

    عندما تكونينَ برفقتي

    أحبُّ أن أتجاوز جميعَ إشارات المرور الحمراءْ

    أُحسُّ بشهوة طفولية

    لارتكاب ملايين المخالفات..

    وملايين الحماقات..

    *

    عندما تكون يدُكِ مطمورةً في يدي

    أُحبُّ أن أكسر جميعَ ألواح الزجاج

    التي ركّبوها حول الحُبّ..

    وجميعَ البلاغات الرسمية

    التي أصدرتها الحكومة

    لمصادرة الحُبّ..

    وأشعرُ، بنشوةٍ لا حدود لها

    حين تصطدم نثاراتُ الزجاج المكسور..

    بعجلات سيّارتي..

    (66)

    أنتِ لا تستحقّين البحرَ أيتها البيروتيّة..

    ولا تستحقّين بيروتْْ

    فمنذ عرفتك..

    وأنتِ تقتربين من البحر..

    كراهبة خائفة من الخطيئة..

    تريدُ ماءً بلا بَلَل

    وبحراً بلا غَرَق..

    وعبثاً .. حاولتُ أن أقنعك

    أن تخلعي نظَّارتكِ السوداءْ..

    وجواربَكِ السميكة

    وساعةَ يدِك..

    وتنزلقي في الماء كسمكة جميلة..

    ولكنّني فشلت.

    وعبثاً حاولتُ أن أشرح لكِ

    أن الدُوَارَ جزءٌ من البحر

    وأن العشقَ فيه شيء من الموت

    وأن الحُبَّ والبحر..

    لا يقبلان أنصافَ الحلولْ..

    ولكنني يئستُ من تحويلك إلى سمكة مغامرة..

    فقد كانت كلُّ شروشك بريّة

    وكلُّ أفكارك بريّة..

    لذلك أبكي عليكِ يا صديقتي

    وتبكي معي بيروت..

    (67)

    كان عندي قبلّكِ .. قبيلةٌ من النساءْ

    أنتقي منها ما أريدْ..

    وأعتق ما أريدْ..

    كانت خيمتي..

    بستاناً من الكُحْل والأساورْ

    وضميري مقبرةً للأثداء المطعونة

    كنتُ أتصرّف بنذالة ثريّ شرقي..

    وأمارسُ الحبَّ..

    بعقلية رئيس عصابة..

    وحين ضربني حبُّكِ.. على غير انتظارْ

    شبَّت النيرانُ في خيمتي

    وسقطتْ جميعُ أظافري

    وأطلقتُ سراحَ محظيّاتي

    واكتشفتُ وجهَ الله..

    (68)

    مرّتْ شهورٌ..

    وأنا لا أعرف رقم هاتفكْْ

    أنتِ تفرضين حصاراً..

    حتى على رقم هاتفكْ..

    تمنعين الكلامَ أن يتكلّمْ..

    ترفضين صداقةَ صوتي..

    وزيارةَ كلماتي لكِ..

    *

    إذا كنتُ لا أستطيع أن أزورَكِ

    فاسمحي لصوتي..

    أن يدخلَ غرفةَ جلوسك

    وينامَ على السجّادة الفارسيّة..

    أنا ممنوع..

    من دخول مملكتك الصغيرة..

    فلا أعرف في أيِّ ركن تجلسينْ

    وأيَّ المجلات تقرأينْ..

    لا أعرف لونَ غطاء سريرك..

    ولا لونَ ستائرك..

    لا أعرف شيئاً عن عالمك الخرافيّّ

    ولكنَّني أخترعه..

    أضع الأبيضَ .. على الأحمرْ

    والأزرقَ .. على الأصفرْ

    حتى أصبحَ عندي ثروةٌ من اللوحاتْ

    لا يمتلك مثلَها متحفُ اللوفر..

    ولكنْْ..

    إلى متى أظلّ أخترعك

    كما يخترع الصوفيُّ ربَّهْ..

    إلى متى؟

    أظلُّ أصنعكِ من خلاصة الأزهارْ

    كما يفعل بائع العطور..

    إلى متى أظلّ أجمعكِ..

    قطعةً .. قطعة

    من حقول التوليب في هولندا..

    وكروم العنب في فرنسا

    وهفيفِ المراوح في إسبانيا..

    (69)

    حين رقصتِ معي..

    في تلك الليلة..

    حدث شيء غريبْ.

    شعرتُ .. أن نجمةً متوهّجة

    تركت غرفتها في السماء

    والتجأت إلى صدري..

    شعرتُ ، كما لو أنّ غابةً كاملة

    تنبتُ تحت ثيابي..

    شعرتُ..

    كما لو أن طفلةً في عامها الثالث

    تقرأ .. وتكتب فُروضَها المدرسيّه

    على قماش قميصي..

    *

    ليس من عادتي أن أرقص..

    ولكنني .. في تلك الليلة

    لم أكن أرقص فحسب..

    ولكنني ..

    كنتُ الرقصْ..

    (70)

    عاد المطرُ ، يا حبيبةَ المطرْ..

    كالمجنون أخرج إلى الشرفة لأستقبلَهْ

    وكالمجنون ، أتركه يبلّل وجهي..

    وثيابي..

    ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة..

    *

    المطر..

    يعني عودةَ الضباب ، والقراميد المبلّلة

    والمواعيد المبلّلة..

    يعني عودتَكِ .. وعودةَ الشعر.

    أيلول .. يعني عودة يديْنا إلى الالتصاقْ

    فطوال أشهر الصيف..

    كانت يدُكِ مسافرة..

    أيلول..

    يعني عودةَ فمك، وشَعْرك

    ومعاطفك، وقفّازاتك

    وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسيفْ.

    *

    المطر.. يتساقط كأغنية متوحّشة

    ومَطَركِ..

    يتساقط في داخلي

    كقرع الطبول الإفريقية

    يتساقط ..

    كسهام الهنود الحُمْرْ..

    حبّي لكِ على صوت المطرْ..

    يأخذ شكلاً آخر..

    يصير سنجاباً..

    يصير مهراً عربياً..

    يصير بَجَعةً تسبح في ضوء القمرْ..

    كلما اشتدَّ صوتُ المطرْ..

    وصارت السماء ستارةً من القطيفة الرمادية..

    أخرجُ كخَرُوفٍ إلى المراعي

    أبحث عن الحشائش الطازجة

    وعن رائحتك..

    التي هاجرتْ مع الصيف..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:53 pm

    رسالة حُبّ (71) - (80)
    ------------------------------

    (71)

    يوم تعثرينَ على رَجُل..

    يقدر أن يحوّل كلَّ ذرَة من ذرّاتكِ

    إلى شِعْرْ..

    ويجعل كلَ شَعْرة من شَعَراتكِ .. قصيدة

    يوم تعثرين على رَجُل..

    يقدر _ كما فعلتُ أنا _

    أن يجعلك تغتسلينَ بالشِعرْ..

    وتتكحّلين بالشِعرْ..

    وتتمشّطين بالشِعرْ..

    فسوفَ أتوسّلُ إليكِ..

    أن تتبعيه بلا تردّد..

    فليس المهمّ أن تكوني لي..

    وليس المهمّ .. أن تكوني له

    المهمّ..

    أن تكوني للشعرْ..

    هوايةً خطيرة..

    وهي أن أتحدّثَ عنكِ إلى النساءْ..

    لذةٌ كبيرةٌ .. أن أزرعَكِ في عيون النساءْ

    في فضولهنّ..

    في دهشتهنّ.

    لذةٌ ما بعدها لذّة..

    أن أُضرمَ النارَ في ثياب الجميلاتْ

    وأتفرّج بفرح شيطاني..

    على الحرائق المشتعلة فيهنّ..

    عيونُ النساءْ..

    هي المرايا المدهشة..

    التي تطمئنني أن قصّة حبّنا غير مألوفة..

    وأنكِ امرأة لا تكرّر..

    سامحيني إذا فعلتُ هذا..

    فأنا لا أطيقُ تعذيبَ الآخرينْ..

    غير أنّي أردتُ رسْمَ صورتك

    في أحداق النساء..

    لأرى.. كيف تزدادُ اتساعا..

    (73)

    لا تشتكي من تطرّفي..

    هي تلك الأيّام التي نسيتِ فيها تمدّنك

    وانزرعتِ بلحمي .. كحربةٍ مسمومة..

    أروعُ أيّامك..

    _إذا كان لكِ أيَّامٌ قبلي_

    هي الأيّام التي اختلط فيها رمادُك برمادي..

    كما يختلطُ رمادُ لُفَافَتينْ..

    في منفضةٍ واحدة..

    (74)

    لا أنا أستطيع أن أفعلَ شيئاً

    ولا أنتِ تستطيعن أن تفعلي شيئاً

    ماذا يستطيع أن يفعل الجرح

    بعد دقائق . تضربُ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..

    وينتهي عامٌ .. ويولدُ عامْ..

    لا تهمّني السنوات التي تولد..

    ولا السنواتُ التي تموت..

    فأنتِ الزمنُ الوحيد..

    لن أُقَبِّلك عندما تُطفأ الأنوارْ..

    كما يفعل كلُّ الأغبياء..

    ولن أرقصَ معكِ بشراسة

    كما يفعل كلُّ المجانين..

    ولن اخترعَ كلاماً سخيفاً

    يحمل إليكِ أطيبَ تمنياتي بعامٍ جديدْ.

    فالتمثيلُ ليس مهنتي..

    إنّي أحبّكِ..

    بعيداً عن كؤوس الويسكي..

    وقُبَّعات الورقْ..

    بعيداً عن موسيقى الجاز..

    وانفجار البالونات الملوّنة..

    أحبّك..

    وأنا أنزفُ على الطاولة وحدي..

    كما ينزف مصارع الثيرانْ..

    أحبّكِ..

    قبل أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..

    وبعد أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..

    وإنما حبيبة كلِّ الساعاتْ..

    وكلِّ الأزمنة..

    بعد دقائقْ..

    سيرحل عامٌ كنتِ سيّدتَه ومليكتَهْ

    فيا سيّدتي ومليكتي

    لا أريد من الله ذهباً ولا قصوراً..

    لا أريد منه ديباجاً ولا حريرا..

    أريدُ منه فقط..

    أن يُبقيكِ حبيبتي..

    (76)

    يوم تعرّفتُ عليكِ .. منذ عامينْ

    كنتِ قطّةً تركية مدلّلهْ..

    تتشمَّس..

    وتتثاءب..

    وتلحس فروتها..

    كنتِ تموئين.. وتشربينَ الحليبَ المعقَّمْ..

    وتلعبين بخيوط الصوفْ..

    ومن بَصَمات أصابعي..

    عندما تعرّفتُ عليكِ..

    لم تكن لديكِ همومٌ عاطفية

    كبقيَّة القِطَطْ..

    ولم تكن لديكِ شهيّةُ المغامرة..

    والتناسل ، في الأزقة الضيّقة

    كملايين القِطَطِ الأخرى..

    *

    بعد عامينْ..

    من المناقشات العصبيَّة

    والغضَب ، والتشنّجاتْ..

    تحوّلتِ من قطة سمينة ومترهّلة..

    تتعاطى الحبوبَ المنوِّمة..

    والماريجوانا..

    إلى قطةٍ ترفض تاريخَها..

    فكسرتِ زجاجةَ الحليب المعقَّمْ

    ورميتِ كرةَ الصوف على الأرض..

    ووثبتِ إلى حضني..

    *

    بعد عامين معي..

    أصبحتِ قطةً غيرَ عاديَّهْ

    أصبحتِ قطّتي..

    (77)

    كنتُ ساذجاً..

    حين تصوّرتُ أنّني أستطيع أن أغتالكِ بالسفرْ..

    وأقتلكِ..

    تحت عَجلات القطارات التي تحملني..

    صوتُكِ..

    يتبعني على كلِّ الطائراتْ..

    يخرج كالعصفور من قبّعات المضيفاتْ..

    ينتظرني..

    في مقاهي سان جرمان.. وسوهو..

    كنتُ ساذجاً..

    حين ظننتُ أنّي تركتكِ ورائي.

    كلُّ حقيبة أفتحها..

    أجدكِ فيها..

    كلُّ قميصٍ ألبسه ، يحمل رائحتكِ...

    كلُّ جريدةٍ صباحية أقرؤها..

    تنشر صورتك..

    كلُّ مسرحٍ أدخله..

    أراكِ في المقعد المجاور لمقعدي..

    كلّ زجاجة عطرٍ أشتريها..

    هي لكِ..

    فمتى .. متى أتخلّص منكِ

    أيتها المسافرةُ في سفري..

    والراحلةُ في رحيلي..

    (78)

    أعرف..

    ونحن على رصيف المحطّة.

    أنَّكِ تنتظرين رجلاً آخر..

    وأعرفُ، وأنا أحمل حقائبك

    أنكِ ستسافرين مع رجل آخر..

    وأعرف .. أنني لم أكنْ..

    سوى مروحةٍ صينية خفَّفتْ عنكِ حرارة الصيفْ

    ورميتِها بعد الصيفْ..

    أعرف أيضاً..

    أن رسائل الحبّ التي كتبتُها لكِ..

    لم تكن سوى مرايا..

    ومع هذا ..

    سأحملُ حقائبك..

    وحقائبَ حبيبك..

    لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً

    تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..

    أحلى أيّام حياتي..

    (79)

    كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ

    من أسلاك الهاتف..

    وصَبَّحَ عليّْ..

    أتحوّلُ إلى غابة..

    (80)

    لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً

    كما تتصوّرينْ..

    فأنا كأشجار الصفصافْ

    أموتُ دائماً..

    وأنا واقفٌ على قدميّْ..

    لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً

    تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..

    أحلى أيّام حياتي..

    (79)

    كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ

    من أسلاك الهاتف..

    وصَبَّحَ عليّْ..

    أتحوّلُ إلى غابة..

    (80)

    لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً

    كما تتصوّرينْ..

    فأنا كأشجار الصفصافْ

    أموتُ دائماً..

    وأنا واقفٌ على قدميّْ..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:53 pm

    رسالة حُبّ (81) - (89)
    ------------------------

    (81)

    بعد ما احترقتْ روما

    واحترقتِ معها..

    لا تنتظري منّي..

    أن أكتبَ فيكِ قصيدةَ رثاءْ

    فما تعودتُ..

    أن أرثي العصافير الميِّتة..

    أنتِ قاتلتِ على طريقة دون كيشوتْ..

    وأنتِ مستلقية على سريرك..

    هجمتِ على الطواحين..

    وقاتلتِ الهواءْ..

    فلم يسقط ظفرٌ واحدٌ..

    من أظافرك المطليّة..

    ولم تنقطع شعرةٌ واحدةٌ.. من شعرك الطويلْ..

    ولم تسقط نقطةُ دمٍ واحدة..

    على ثوبك الأبيضْ..

    *

    أيّ حربٍ.. تتحدّثين عنها؟

    فأنتِ لم تدخلي معركةً واحدةً

    مع رجل حقيقي..

    لم تلمسي ذراعَهْ..

    ولم تشُمّي رائحةَ صدرهْ..

    ولم تغتسلي بعَرَقِهْ..

    وإنّما..

    كنتِ تخترعينَ رجالاً من الورقْ..

    وفرساناً من الورقْ..

    وخيولاً من الورقَ..

    وتحبّين .. وتعشقين.. على الورقْ..

    *

    فيا أيتها الدونكشوتيّه الصغيرة..

    إستيقظي من نومك،

    واغسلي وجهك،

    واشربي كُوبَ حليبك الصباحيّ..

    وستعرفين بعدها..

    أن كلَّ الرجال الذين عشقتهمْ..

    كانوا من ورقْ..

    (83)

    هل لديكِ حلٌّ لقضيتنا؟

    ولا تستطيع أن تغرقْ..

    *

    فلقد شربتُ من ملح البحر

    ما فيه الكفاية..

    وشَوَتِ الشموسُ جِلْدي

    بما فيه الكفاية..

    وأكلتِ الأسماكُ المتوحّشة من لحمي

    ما فيه الكفاية..

    *

    أنا شخصياً..

    ضجرتُ من السَفَر

    وضجرتُ من الضَجَرْ

    فهل لديك حلٌّ .. لهذا السيف

    الذي يخترقنا .. ولا يقتلنا؟

    هل لديك حلٌّ؟.

    لهذا الأفيون الذي نتعاطاه..

    ولا يخدّرنا..

    *

    أنا شخصياً..

    أريد أن أستريحْ..

    على أيّ حَجَرٍ.. أريد أن أستريحْ

    على أيّ كَتِفٍ..

    أريدُ أن أستريحْ..

    فلقد تعبتُ من المراكب التي لا أشرعةَ لها.

    ومن الأرصفة التي لا أرصفة لها.

    فقدّمي حلولكِ يا سيّدتي!

    وخذي توقيعي عليها قبل أن أراها..

    واتركيني أنامْ..

    (84)

    جاءني صوتُكِ بعد الظهر..

    متوهّجاً كسبيكة الذَهَبْ..

    كان عندي امرأة..

    من فوق أجساد جميع النساءْ..

    أقفز إليكِ..

    وأتركهنَّ في الظلّ..

    وأذهب معكِ..

    ومرعبٌ . وبَشِعْ..

    فظيع.. أن أغازلكِ..

    وأنا واقفٌ على نهديْنِ عارييْنْ..

    ولكنني فعلتُها..

    ولكنني فعلتُها..

    لأتحدّاكِ بوفرة من أعرف من النساءْ

    ولأتحرر من بَصَمات أصابعك على أيّامي..

    *

    ولكنني حين سمعتُ صوتك في الهاتف

    يتوهّج كسبيكة الذهبْ..

    نسيتُ نسائي، ومحظيّاتي على الأريكة

    وتبعتُكِ..

    فيا أيّتها المستعمرةُ دقائقَ عمري..

    إرفعي يديكِ لحظةً.. عن شَهَواتي..

    لأعرفَ..

    كيف أستعملُ جَسَدي..

    (85)

    أحببتِني بالحساب. وأحببتُكِ بالشعرْ..

    وضعتِ رأسي على مخدةٍ من الحَجَرْ..

    ووضعتُ رأسكِ على مخدَّةٍ من القصائدْ

    أعطيتِني سمكةً.. وأعطيتُك البحرْ..

    أعطيتني قطرةً من زيت القنديلْ..

    وطوّبتُ لكِ البيادرْ..

    أخذتِني إلى المدن المسكونة بالزمهريرْ

    وأخذتُك إلى المدن المسكونة بالدهشة..

    *

    كنتِ رصينةً كمعلّمة مدرسة..

    وجليديةً كالآلات الحاسبة..

    ورضيتِ أن أُطعم نهديكِ تيناً وزبيباً

    لأنّهما لم يأكلا منذ قرون..

    أعطيتني شفتيك، وأنتِ خائفة من الزُكامْ

    وصافحتِني .. وأنت تلبسين قفازات الدانتيلْ..

    أما أنا..

    فقد تركتُ في فمكِ نصف فمي..

    وتركتُ في راحتكِ .. نصفَ أصابعي...

    (86)

    إشربي فنجانَ قهوتك..

    واستمعي بهدوء إلى كلماتي..

    فربّما..

    لن نشربَ القهوةَ معاً.. مرةً ثانية

    ولن يُتاح لي أن أتكلّم مرةً ثانية.

    *

    لن أتحدّثَ عنكِ..

    سطرانِ مكتوبانِ بالرصاص على هامشهْ..

    ولكنني سأتحدّث ..

    عمّا هو أكبرُ منكِ .. وأكبرُ منّي

    وأنظفُ منكِ .. وأنظفُ منّي..

    سأتحدث عن الحبّ..

    عن هذه الفَرَاشة المدهشة..

    التي حطّتْ على أكتافنا وطردناها..

    عن هذه السمكة الذهبيّة..

    عن هذه النجمة الزرقاءْ

    التي مدّت إلينا يدها

    ورفضناها..

    *

    ليست القضية أن تأخذي حقيبتكِ .. وتذهبي.

    كلُّ النساء يأخذن حقائبهنَّ

    في لحظات الغضب ويذهبنْ..

    ليست القضية أن أطفىء لفافتي بعصبيَّة

    في قماش المقعدْ..

    كلُّ الرجال يحرقون قماشَ المقاعد عندما يغضبونْ

    القضيَّة ليست بهذه البساطة..

    وهي لا تتعلّق بكِ .. ولا تتعلّق بي

    فنحنُ صِفْرانِ على شمال الحبّ..

    وسطرانِ مكتوبانِ بالقلم الرصاص.. على هامشهْ.

    القضية هي قضيّة هذه السمكة الذهبيّة..

    التي رماها إلينا البحر ذاتَ يوم..

    وسحقناها بين أصابعنا..

    (87)

    أنا متَّهمٌ بالشهريارية..

    من أصدقائي..

    ومن أعدائي..

    متَّهم بالشهرياريّة.

    وبأنني أجمعُ النساءْ..

    كما أجمعُ طوابعَ البريد..

    وعُلَبَ الكبريت الفارغة..

    وأعلقهنّ بالدبابيس..

    على جدران غرفتي..

    وبالأوديبيَّة

    وبكلِّ ما في كُتُب الطبّ النفسيّ من أمراض..

    ليُثبتوا أنّهم مثقفون..

    وأنّني منحرِفْ..

    *

    لا أحَدَ . يا حبيبتي

    يريد أن يستمع إلى إفادتي..

    فالقضاةُ معقّدون..

    والشهود مرتشون..

    وقرار إدانتي

    يفهمُ طفولتي..

    فأنا أنتمي إلى مدينةٍ لا تحبُّ الأطفالْ..

    ولا تعترف بالبراءة..

    ولم يسبق لها..

    أن اشترت وردةً.. أو ديوانَ شعرْ..

    أنا من مدينةٍ .. خشنة اليدينْ..

    خشنة القلب..

    خشنة العواطف

    من كثرة ما ابتلعت من المسامير.. وقِطَعِ الزجاج.

    أنا من مدينة جليديّة الأسوار

    مات جميعُ أطفالها..

    من البرد..

    *

    إنني لا أفكّر في الاعتذار لأحدْ..

    وليس في نيّتي أن أوكّل محامياً

    ينقذ رأسي من حبل المشنقة.

    فلقد شُنِقتُ..

    آلافَ المرّاتْ..

    حتى تعوّدتْ رقبتي على الشنقْ..

    وتعوّد جَسَدي..

    على ركوب سيّارات الإسعاف..

    *

    ليس في نيّتي أن أعتذر لأحدْ..

    ولا أريد حكماً بالبراءة..

    من أحدْ..

    ولكنّني .. أريد أن أقول لكِ..

    لكِ وحدَكِ، يا حبيبتي

    في جلسةٍ علنيّة..

    وأمام جميع الذين يحاكمونني..

    بتهمة حيازة أكثر من امرأة واحدة..

    واحتكار العطور، والخواتم ، والأمشاط

    في زّمّن الحربْ..

    أريدُ أن أقول:

    إنّني أحبّك وحدَكِ..

    وأتكمَّش بكِ..

    كما تتكمَّش قشرةُ الرمّانة بالرمّانة..

    والدمعةُ بالعين..

    والسكينُ بالجرحْ..

    أريد أن أقولْ..

    ولو لمرةٍ واحدة

    إنني لستُ تلميذاً لشهريارْ

    ولم أمارس أبداً هوايةَ القتل الجماعيّ

    وتذويب النساء في حامض الكبريتْ.

    ولكنني شاعرٌ..

    يكتبُ بصوتٍ عالٍ..

    ويعشق بصوتٍ عالٍ..

    وطفلٌ أخضرُ العينين..

    مشنوقٌ على بوّابة مدينةٍ..

    لا تعرفُ الطفولة..

    (88)

    لماذا تخابرينَ .. يا سيّدتي؟

    لماذا تعتدينَ عليَّ بهذه الطريقة المتحضِّرة؟

    ما دام زمنُ الحنان . قد ماتْ.

    وموسم البَيْلَسَان قد ماتْ.

    لماذا .. تكلّفين صوتكِ..

    أن يغتالني مرةً أخرى؟

    إنّني رجلٌ ميّت.

    والميّت لا يموت مرّتينْ.

    صوتُكِ له أظافرْ..

    ولحمي، مطرّز كالشرشف الدمشقيّ،

    بالطَعَناتْ..

    ممدوداً بيني وبينكِ .. حبلاً من الياسمينْ

    وأصبح الآن حبلَ مشنقة..

    كان هاتفكِ..

    فراشَ حريرٍ أستلقي عليه..

    صار صليباً من الشوك أنزف فوقه..

    كنتُ أفرح بصوتك..

    عندما يخرجُ من سمّاعة الهاتف..

    كعصفور أخضرْ..

    أشربُ قهوتي معهْ..

    وأدخّن معهْ..

    وأطير إلى كلّ الآفاق..

    معهْ..

    كان ينبوعاً، ومِظلّة، ومروحة..

    يحمل لي الفرحَ، ورائحةَ البراري..

    صار كنواقيس يوم الجمعة الحزينة

    يغسلني بأمطار الفجيعة..

    *

    أوقفي هذه المذبحة يا سيّدتي

    فشراييني كلُّها مقطوعة..

    وأعصابي كلُّها مقطوعة..

    ربّما ..

    لا يزال صوتُكِ بنفسجياً

    كما كان من قبل..

    ولكنني _ مع الأسف _

    لا أراه .. لا أراه..

    لأنني مصاب بعمى الألوانْ..

    (89)

    هل وصلنا بحبّنا إلى نقطة اللارجوعْ؟

    الرجوع لا يدخل في نطاق همومي.

    الذهاب معكِ.. ونحوكِ.. وإليكِ..

    هو أساسُ تفكيري.

    الذهاب الذي لا يرجع

    وليس لديه تذكرةُ عودة.

    *

    إنني أُحبّكِ..

    ولا أطلب منكِ وثيقةَ تأمين

    ضدَّ الموت عشقاً.

    بل سأطلب منكِ _ على العكس_

    أن تساعديني على الموت حرقاً

    على الطريقة البوذيّة..

    امرأةً مثلك..

    تتشقّق قشرةُ الكون

    وتصبح الأرضُ

    علبة كبريت في يد طفل..

    *

    مجنونةٌ أنتِ .. إذا فكّرتِ

    أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..

    أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ

    مرةً أخرى.

    فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ

    نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.

    وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..

    إنني أُحبّكِ..

    ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..

    فأنا أكون في أحسن حالاتي

    عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..

    فأنسى تاريخَ وجهي..

    وأنسى مساحةَ جسدي

    وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ

    كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..

    أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..

    أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ

    مرةً أخرى.

    فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ

    نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.

    وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..

    إنني أُحبّكِ..

    ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..

    ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ

    إنّني بخير هكذا..

    إنّني بخير هكذا..

    فأنا أكون في أحسن حالاتي

    عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..

    فأنسى تاريخَ وجهي..

    وأنسى مساحةَ جسدي

    وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ

    كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..

    أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..

    أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ

    مرةً أخرى.

    فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ

    نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.

    وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..

    إنني أُحبّكِ..

    ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..

    ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ

    إنّني بخير هكذا..

    إنّني بخير هكذا..

    فأنا أكون في أحسن حالاتي

    عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..

    فأنسى تاريخَ وجهي..

    وأنسى مساحةَ جسدي

    وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ

    كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:54 pm

    رسالة حُبّ (90) - (95)
    --------------------------

    (90)

    رسالتُكِ ، في صندوق بريدي ، فُلَّةٌ بيضاء

    حمامةٌ أَليفة..

    تنتظرني لتنامَ في جوف يدي

    فشكراً لكِ يا سخيَّةَ اليدينْ..

    شكراً على موسم الفُلّْ..

    *

    تسألين:

    ماذا فعلتُ في غيابك؟

    غيابُكِ لم يحدثْ.

    ورحلتُكِ لم تتم.

    ظللتِ أنت وحقائبك قاعدةً على رصيف فكري

    ظلَّ جوازُ سفرك معي

    وتذكرةُ الطائرة في جيبي..

    *

    ممنوعةٌ أنتِ من السَفَرْ..

    إلا داخلَ الحدود الإقليمية لقلبي..

    ممنوعةٌ أنتِ من السفرْ..

    خارجَ خريطة عواطفي واهتمامي بك..

    أنتِ طفلةٌ لا تعرف أن تسافر وحدَها..

    أن تمشي على أرصفة مُدُن الحبّ.. وحدَها..

    أن تنزل في فنادق الأحلام.. وحدَها.

    تسافرينَ معي.. أو لا تسافرينْ..

    تتناولينَ إفطارَ الصباح معي..

    وتتكئين في الشوارع المزدحمة على كَتِفي.

    أو تظلّين جائعة..

    وضائعة..

    رسالتُك في صندوق بريدي

    جزيرةُ ياقوتْ..

    وتسألين عن بيروتْ..

    شوارعُ بيروت، ساحاتُها، مقاهيها، مطاعمُها،

    مرفأها.. بواخرها.. كلُّها تصبُّ في عينيْكِ

    ويوم تغمضين عينيكِ..

    تختفي بيروتْ.

    لم أكن أتصوّر من قبل..

    أن امرأةً تقدر أن تعمِّرَ مدينة..

    أن تخترعَ مدينة..

    أن تعطي مدينةً ما..

    شمسَها ، وبحرها ، وحضارتَها..

    لماذا أتحدّث عن المدن والأوطانْ؟

    أنتِ وطني..

    وجهُكِ وطني..

    صوتُكِ وطني..

    تجويف يدك الصغيرة وطني..

    وفي هذا الوطن ولدتُ..

    وفي هذا الوطن..

    أريدُ أن أموت...

    *

    رسالتُكِ في صندوق بريدي

    شمسٌ إفريقيَّة..

    وأنا أُحبّكِ

    على مستوى الهمجيّة أُحبّك..

    على مستوى النار والزلازل أُحبّكِ..

    على مستوى الحمّى والجنون.. أُحبّكِ

    فلا تسافري مرةً أخرى..

    لأنّ الله _ منذ رحلتِ _ دخل في نوبة بكاء عصبية..

    وأضربَ عن الطعام..

    رسالتُكِ في صندوق بريدي..

    ديكٌ مذبوحْ..

    ذبحَ نفسَه.. وذبحني..

    أحبّ أن يكون حبي لكِ على مستوى الذبحْ

    على مستوى النزيف والإستشهادْ..

    أُحبّ أن أمشي معكِ دائماً

    على حَدِّ الخنجرْ..

    وأن أتدحرجَ معكِ عشرةَ آلاف سنة

    قبل أن نتهشَّم معاً على سطح الأرض.

    تقرأين تعاليمَ ماو..

    وكلَّ كُتُب الثورة الثقافية..

    وتمشينَ في المسيرات الطويلة

    ترفعين لافتات الحريّة

    وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم

    وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..

    وحين يهاجمك الحبّ..

    كوحش أزرق الأنيابْ..

    ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..

    وترمين صورة ماو على الأرض

    وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية

    التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..

    وتلتجئين باكيةً..

    إلى صدر جدّتك

    وتتزوَّجين..

    على طريقة جدّتك..

    (91)

    تلبسين ملابسَ الهيبيّينْ..

    وتعلّقين على شعرك الزهورْ

    وفي رقبتك الأجراسْ..

    وتمشينَ في المسيرات الطويلة

    ترفعين لافتات الحريّة

    وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم

    وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..

    وحين يهاجمك الحبّ..

    كوحش أزرق الأنيابْ..

    ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..

    وترمين صورة ماو على الأرض

    وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية

    التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..

    وتلتجئين باكيةً..

    إلى صدر جدّتك

    وتتزوَّجين..

    على طريقة جدّتك..

    (92)

    أشعر بالحاجة إلى النطق باسمك هذا اليوم..

    لم أزرعه شمساً في رأس الورقة.. لم أتدفّأ به..

    واليوم، وتشرين يهاجمني ويحاصر نوافذي، أشعر بحاجة إلى النطق به. بحاجة إلى أن أوقد ناراً صغيرة.. بحاجة إلى غطاء.. ومعطف.. وإليك.. يا غطائي المنسوج من زهر البرتقال، وطرابين الزعتر البريّ..

    لم أعد قادراً على حبس اسمكِ في حلقي. لم أعد قادراً على حبسك في داخلي مدةً أطول. ماذا تفعل الوردةُ بعطرها؟

    أين تذهب الحقول بسنابلها، والطاووس بذيله، والقنديل بزيته؟

    أين أذهب بكِ؟ أين أُخفيكِ؟

    والناس يرونك في إشارات يدي، في نبرة صوتي في إيقاع خطواتي..

    من رائحة ثيابي يعرف الناس أنكِ حبيبتي، من رائحة جلدي يعرف الناس أنكِ كنتِ معي، من خَدَر ذراعي يعرف الناس أنكِ كنتِ نائمة عليها..

    لن أستطيع إخفاءك بعد اليوم..

    فمن أناقة خطي يعرف الناس أنني أكتب إليكِ..

    من فرحة خطاي يعرفون أنني ذاهبٌ إلى موعدك..

    من كثافة العشب على فمي يعرفون أني قبّلتكِ..

    لا يمكننا.. لا يمكننا .. أن نستمر في ارتداء الملابس التنكريَّة.. بعد الآن..

    فالدروبُ التي مشينا عليها لا يمكن أن تسكت..

    والعصافيرُ المبلّلة التي وقفت على أكتافنا سوف تخبر العصافيرَ الأخرى..

    كيف تريدينني أن أمحو أخبارنا من ذاكرة العصافير..

    كيف يمكنني أن أُقنع العصافير.. أن لا تنشر مذكّراتها؟

    (93)

    هذه رسالة غير عاديّة، عن يوم غير عاديّ.

    قليلة جداً هي الأيّام غير العاديّة في حياة الإنسان. الأيّام التي يخرج بها من قفص بشريّته .. ليصبح عصفوراً.

    يوم.. أو نصف يوم.. ربّما.. في حياة الانسان كلّها، يخرج فيه من السيلول الضيق، ليمارس حرّيته، ليقول ما يشاء.. ويحرّك يديه كما يشاء، ويحبّ من يشاء في الوقت الذي يشاء..

    فإذا كتبتُ لكِ عن هذا اليوم غير العاديّ، فلأنني أشعر أنني تحرّرت في هذا اليوم من دَبَقي ومن صمغي.. وخرجتُ من صندوق النفاق الإجتماعي، ومن مغارة التاريخ، لأمارس حريتي كما يمارسها أيّ عصفور شارد في البريّة.

    *

    البحر كتابٌ أزرقُ الغلاف.. أزرقُ الصفحات..

    وأنتِ بثوب الإستحمام، تقرأين تحت الشمس.

    الحشرات الصغيرة تزحف على جسدك الزنبقيّ لتشرب الضوء..

    ظَهْرُكِ مكشوف.. وقدماكِ تلعبان بحرية وطفولة على العشب النابت أمام باب بيتنا البحريّ..

    وأخيراً.. أصبح لنا بابٌ .. ومفتاحٌ.. ومنزلٌ بحريّ نلتجيء إليه..

    ربّما لا تدركين معنى أن يكون للإنسان بيت، ومفتاح، وامرأة يحبّها..

    ربّما لا تدركين أنني تلميذٌ هاربٌ من جميع مدارس الحبّ ومعلّميها..

    هارب من ممارسة الحبّ بالإكراه، وممارسة الشوق بالإكراه، وممارسة الجنس بالإكراه..

    وللمرة الأولى منذ عشرين سنة، أدخل معك منزلنا البحريّ فلا أشعر أن له سقفاً .. وجدراناً..

    للمرة الأولى أدفن وجهي في صدر امرأةٍ أُحبُّها.. وأتمنى أن لا أستيقظ..

    للمرة الأولى أقيم حواراً طويلاً مع جسد امرأةٍ أُحبّها.. ولا أفكر في الحصول على إجازة..

    للمرة الأولى منذ عصور، أفكّر بتجديد إقامتي معك..

    وحين يفكر رجل في تمديد إقامته مع امرأة .. فهذا يعني أنه دخل مرحلة الشعر.. أو مرحلة الهيستريا..

    *

    البحر شريطٌ من الحرير الأزرق على رأس تلميذة..

    ونهداكِ يقفزان من الماء.. كسمكتين متوحّشتين..

    وأنا أنكش في الرمل الساخن بحثاً عن لؤلؤة تشبه استدارة نهدَيْكِ..

    نخلتُ كلَّ ذرّات الرمل، وفتحتُ مئات الأصداف، ولم أعثر على لؤلؤة بملاستهما..

    إنتهى رملُ البحر كلُّه.. وانتهت قواقعي كلُّها.. ورجعتُ إلى صدرك نادماً ومعتذراً.. كطالبٍ راسبٍ في امتحاناته..

    نتخبّط في الماء.. كطائرين بحرييّن لا وطن لهما.

    قطراتُ الماء تكرج على الجسدين المتشابكينْ..

    تتدحرج.. تشهق.. تغنّي.. ترقص.. تصرخ.. لا تعرف أيَّ الجسدَيْن تبلِّل..

    قطراتُ الماء دوَّختها جغرافيةُ الجسدينْ المتداخلين..

    لم تعد تعرف أين تسقط.. على أيّ أرض تتزحلق..

    ضاعت جنسيّةُ الرخام. لم يعد للعنق اسم.. ولا للذراع اسم.. ولا للخصر اسم.. ضاعت أسماء الأسماء. الرخام كلّه معجون ببعضه.. براري الثلج كلها تشتعل.. وأنا.. وأنتِ.. مزروعان في زرقة الماء.. كسيفيْنِ من الذَهَب..

    *

    الحبُّ يجرفنا كصَدَفتيْن صغيرتيْن..

    وأنا أتمسّك بشعرك بشراسة إنسان يغرق..

    لم يكن بإمكاني أن أكون أكثر تحضّراً، فحين تلتصقين بي كسمكة زرقاء.. أكونُ سخيفاً وغبيّاً إذا لم أجرّك معي إلى الهاوية.. لنستقرّ في قعر البحر سفينتيْن لا يعرف أحدٌ مكانَهما...

    *

    إنتهى يومُنا البحريّ..

    ذهبتِ أنتِ . وظلّتْ رغوةُ البحر تزحف على جسدي..

    ظلّت الشمس جرحاً من الياقوت على جبيني.

    حاولتُ أن أستعيدَكِ ، وأستعيدَ البحر..

    نجحتُ في استرداد البحر.. ولم أنجح في استردادك.. فما يأخذه البحر لا يردّه.

    حاولتُ أن أركِّبَ يومنا البحريّ تركيباً ذهنيّاً..

    وألصق عشرات التفاصيل الصغيرة ببعضها.. كقطع الفسيفساء.

    تذكّرتُ كلَّ شيء.

    قبَّعتكِ البيضاء، ونظّارة الشمس، وكتابك الفرنسيّ المطمور بالرمل.. حتى النملة الخضراء، التي كانت تتسلّق على ركبتك الشمعيّة.. لم أنْسَها.. حتى قطرات العَرَق التي كانت تتزحلق كحبّات اللؤلؤ.. على رقبتك لم أنسَها..

    حتى قَدَمُكِ الحافية التي كانت تتقلّب على الرمل، كعصفورة عطشى.. لم أنْسَها..

    *

    إنتهى يومُنا البحريّ..

    لا زال ثوبُ استحمامك البرتقاليّ، مشتعلاً كشجرة الكرز في مخيّلتي..

    لا زال الماء المتساقط من شعرك.. يبلّل دفاتري..

    كلُّ سطر أكتبه .. يغرق في الماء.

    كلُّ قصيدة أكتبها.. تغرق في الماء..

    واتركي الشمس.. تُشرق ثانيةً، على جَسَدي

    *

    إنتهى يومُنا البحريّ..

    وكتبَ البحرُ في دفتر مذكّراته:

    "كانا رجلاً وامرأة..

    وكنتُ بحراً حقيقياً.."

    (94)

    ساعة الكرملين تدقُّ في موسكو.. منتصف الليل..

    وأنا عائد إلى فندقي من مسرح البُلْشوي حيث شاهدت باليه (بحيرة البجع)، تحفة تشايكوفسكي المذهلة.

    خلال فترة العرض بحثتُ عن يدك أكثر من مرة.. عن يميني بحثت عنها.. وعن يساري بحثت عنها..

    عندما أكون في حالة الفن، أو في حالة العشق.. أبحث عن يدك.. ألتجيء إليها، أكلّمها.. أضغط عليها.. أنزلق على لزوجتها.. أنام في جوفها..

    ومن خلال أمطار الياسمين، خرجتِ أنتِ بَجَعةً بيضاء من بحيرة ذكرياتي.

    ورجعتُ إلى فندقي في آخر الليل.. لألملم زَغَبَ القطن المتناثر على ثيابي..

    (95)

    الفودكا.. تمرُّ فوق لساني سيفاً من نار..

    ومع كلّ قطرةٍ تمرين أنتِ.

    حاولتُ هذه الليلة أن أجامل..

    حاولتُ أن أكون روسياً..

    يبتلع عَشَرات الحرائق.. ولا يحترقْ

    لكنني فشلت..

    لأنّني كنتُ أواجه ناريْنْ..

    فتاةُ المطعم موسكوفيَّة. إسمُها ناتاشا..

    وأُحبّ أن أسمّيكِ ، مثلها، ناتاشا..

    وأحبّ أن تركضي معي

    وأحبّ أن تركضي معي

    كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..

    كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..

    *

    *

    القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة

    القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة

    ووجهكِ ، يعوم كالوردة،

    ووجهكِ ، يعوم كالوردة،

    على سطح السائل اللؤلؤيّ..

    على سطح السائل اللؤلؤيّ..

    يا ناتاشا.. يا حبيبتي

    يا ناتاشا.. يا حبيبتي

    يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.

    يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.

    أما أنا فأشربُها..

    أما أنا فأشربُها..

    لأهربَ إليك..

    لأهربَ إليك..

    وأحبّ أن تركضي معي

    كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..

    *

    القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة

    ووجهكِ ، يعوم كالوردة،

    على سطح السائل اللؤلؤيّ..

    يا ناتاشا.. يا حبيبتي

    يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.

    أما أنا فأشربُها..

    لأهربَ إليك..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 21/6/2011, 5:55 pm

    رسالة حُبّ (96) - (100)
    -------------------------------

    (96)

    أكتب إليكِ من لينغراد. عاصمة القياصرة.

    درجة الحرارة صفر. وأنا ألبسك على جسدي كنزةً من الحنان.. واتدفَّأ بكِ كما تتدفَّأ كنيسةٌ بشموعها..

    يُريحني أن ألبسَكِ على جسدي، فأنتِ حَطَبي وفحمي في هذه القارَّة المرتعشة المفاصل.

    قضيتُ اليوم كلَّه في متحف الهيرميتاج.

    كلُّ متاحف العالم تبدو أكواخاً فقيرة من القشّ أمام هذا المتحف الخرافة، حتى اللوفر العظيم يغطِّي وجهه بيديه مختجلاً إذا ذُكر اسمُ الهيرميتاج.

    ألفا غرفة تضمّ أروع وأثمن ما صنعته أصابع البشر، جمعها القياصرة قطعةً قطعةً من كلّ زاوية من زوايا الأرض.

    كلُّ مصوّري العالم ونحّاتيه يتنفّسون في غرف الهيرميتاج ويتحدّثون مع الزوّار..

    الهيرميتاج هو فندق كلّ عباقرة العالم.. فيه ينامون.. وفيه يرسمون .. وينحتون...

    هنا وطن الفنّانين.. فلوحات رينوار، وماتيس، وفان غوخ ، وغويا، والغريكو، وروبنس، الموجودة هنا أعظم من آثارهم الموجودة في بلادهم الأصلية.

    زرتُ الجناح الخاص بالامبراطورة كاترينا الثانية. رأيت ملابسها، وجواهرها، وأمشاطها، وخواتمها، وأثواب نومها المطرّزة بالذهب، ومعاطفها المشغولة بالحجارة الثمينة.

    في لحظة من لحظات الحلم تصوَّرتك كاترين الثانية..

    وأردتُ أن أُخرج جميع ما في الخزائن البللورية من عقود وأساور وأطرحها على قدميكِ.. يا قيصرةَ القياصرة..

    في لحظة من لحظات الشرود، تصوّرت أن المتحف متحفك، والتيجان تيجانك، والوصيفات وصيفاتك..

    وأنكِ تركبين العربة الملكيّة الموشّاة بالذهب وأحجار الياقوت والزمرّد.. وتنزلقين على ثلوج لينغراد.

    هل تسمعين صوتي، وأنا أهتف مع الرعايا المتناثرين على أرصفة لينغراد (حفظ الله الملكة).

    أنا واحدٌ من رعاياكِ يا قيصرة القياصرة.

    أنا مواطنٌ يُحبّكِ..

    على سواحل بحر الشمال تلتفّ ذراعي حول خصرك بحركة تلقائية..

    على كلّ البحار أنت متمدّدة..

    وعلى سطوح كلّ المراكب أنت مستلقية..

    سمك منتشر في شراييني كبقعة حبر على ثوب أبيض..

    ونهدك يطيعني كما تطيع التفاحة جاذبية الأرض..

    إنفصالي عنكِ خرافة..

    فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..

    حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.

    إنفصالي عنكِ خرافة..

    (98)

    فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..

    لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..

    لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..

    حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.

    حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.

    فأنا لا أحترفُ الندامة.

    فأنا لا أحترفُ الندامة.

    ولستُ آسفاً ..

    لأنني لعبتُ على حصانٍ خاسرْ..

    إن المقامرة على النساء.. كالمقامرة على الخيولْ..

    غيرُ مضمونة النتائج..

    ولا تصدُقُ فيها النُبُوءاتْ..

    فكلُّ رجل ينتقي فَرَساً..

    وكلُّ امرأة تنتقي جواداً..

    ولا يربح في نهاية الشوط..

    سوى النساءْ..

    *

    إن تجاربي مع الخيل والنساء.. متشابهة..

    أربحُ مرةً.. وأخسرُ مرّاتْ..

    أنتصرُ مرةً.. وأُهزم مرّاتْ..

    ورغم هذا أستمرُّ في اللعبة..

    وأجدُ في ممارستها الكثير من الشعرْ..

    فلا أجمل من السقوط المفاجئ..

    تحت حوافر الخيلْ..

    أو تحت حوافر الحُبّ..

    (99)

    إطمئني يا سيّدتي!

    فما جئت لأشْتُمَكِ،

    أو لأشنقَكِ على حبال غَضَبي

    ولا جئتُ، لأراجع دفاتري القديمة معكِ

    فأنا رجلٌ ..

    لا يحتفظ بدفاتر حبّه القديمة..

    ولا يعود إليها أبداً..

    لكنني جئتُ لأشكرك..

    على زهور الحزن التي زرعتها في داخلي

    فمنكِ تعلّمتُ أن أحبَّ الزهورَ السوداءْ..

    وأشتريها..

    وأوزّعها في زوايا غرفتي.

    *

    ليس في نيّتي،

    أن أفضح انتهازيّتكِ..

    أو أكشف الأوراق المغشوشة

    التي كنتِ تلعبين بها.. خلال عامينْ..

    لكنني جئتُ لأشكرك..

    على مواسم الدمع..

    وليالي الوجع الطويلة..

    وعلى كلّ الأوراق الصفراء

    التي نثرتِها على أرض حياتي..

    فلولاكِ، لم أكتشفْ

    لذّةَ الكتابة باللون الأصفرْ

    ولذّةَ التفكير..

    باللون الأصفرْ..

    ولذّةَ العشق باللون الأصفرْ..

    (100)

    هذه هي رسالتي الأخيرة..

    ولن يكون بعدها رسائلْ...

    هذه.. آخرُ غيمةٍ رماديةٍ

    تمطر عليكِ..

    ولن تعرفي بعدها المطرْ..

    هذا آخرُ النبيذ في إنائي..

    وبعده..

    لن يكون سُكْرٌ.. ولا نبيذْ..

    هذه آخرُ رسائل الجنونْ..

    وآخرُ رسائل الطفولة...

    ولن تعرفي بعدي، نقاءَ الطفولة، وطرافة الجنونْ..

    لقد عشقتُكِ..

    كطفلٍ هاربٍ من المدرسة..

    يخبئ في جيوبه العصافير..

    ويخبّئ القصائدْ..

    كنتُ معكِ..

    طفلَ الهلوسة، والشرود، والتناقضاتْ..

    كنتُ طفلَ الشعر، والكتابة العصبيّة

    أما أنتِ..

    فكنتِ امرأةً شرقيّةَ الشروشْ

    تنتظر قدَرَها..

    في خطوط فناجين القهوة..

    وملاءات الخاطباتْ....

    ما أتعسكِ يا سيّدتي..

    فلن تكوني في الكُتُب الزرقاء.. بعد اليوم

    ولن تكوني في ورق الرسائلْ،

    وبكاء الشموعْ..

    وحقيبة موزع البريدْ..

    لن تكوني في عرائس السُكَّرْ..

    وطيّارات الورق الملوّنة..

    لن تكوني في وَجَع القصائدْ..

    فلقد نفيتِ نفسكِ خارجَ حدائق طفولتي..

    وأصبحتِ نثراً....
    hanan
    hanan
    عضو مميز
    عضو مميز


    انثى
    اليمن

    عدد المشاركات : : 1021

    تاريخ التسجيل : : 31/07/2011

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف hanan 12/8/2011, 4:03 pm

    إطمئني يا سيّدتي!

    فما جئت لأشْتُمَكِ،

    أو لأشنقَكِ على حبال غَضَبي

    ولا جئتُ، لأراجع دفاتري القديمة معكِ

    فأنا رجلٌ ..

    لا يحتفظ بدفاتر حبّه القديمة..

    ولا يعود إليها أبداً..

    لكنني جئتُ لأشكرك..

    على زهور الحزن التي زرعتها في داخلي

    فمنكِ تعلّمتُ أن أحبَّ الزهورَ السوداءْ..

    وأشتريها..

    وأوزّعها في زوايا غرفتي.

    *

    ليس في نيّتي،

    أن أفضح انتهازيّتكِ..

    أو أكشف الأوراق المغشوشة

    التي كنتِ تلعبين بها.. خلال عامينْ..

    لكنني جئتُ لأشكرك..

    على مواسم الدمع..

    وليالي الوجع الطويلة..

    وعلى كلّ الأوراق الصفراء

    التي نثرتِها على أرض حياتي..

    فلولاكِ، لم أكتشفْ

    لذّةَ الكتابة باللون الأصفرْ

    ولذّةَ التفكير..

    باللون الأصفرْ..

    ولذّةَ العشق باللون الأصفرْ..






    راقت لي كثيييييييييييرآ ..
    إبدآع × إبدآع
    وآصل ولآ تحرمنا من روعه الطرح ..>
    تقبل اطلالتي..
    شـريـف
    شـريـف
    مؤسس المنتدى
    مؤسس المنتدى


    ذكر
    مصر

    عدد المشاركات : : 7374

    تاريخ التسجيل : : 07/05/2010

    قصيدة رد: مكتبة قصائد نزار قبانى 100 رسالة حب

    مُساهمة من طرف شـريـف 12/8/2011, 5:48 pm



    مشكوره على متابعتك

    ان شاء الله يكون هناك المزيد

      الوقت/التاريخ الآن هو 17/5/2024, 10:16 am